الأقباط متحدون - البابا فرنسيس يصل إلى جزيرة كورسيكا الفرنسية في زيارة لساعات
  • ١٨:٣٥
  • الأحد , ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤
English version

البابا فرنسيس يصل إلى جزيرة كورسيكا الفرنسية في زيارة لساعات

محرر الأقباط متحدون

مسيحيون حول العالم

٤٧: ٠٢ م +02:00 EET

الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤

البابا فرنسيس يصل إلى جزيرة كورسيكا الفرنسية في زيارة لساعات
البابا فرنسيس يصل إلى جزيرة كورسيكا الفرنسية في زيارة لساعات

محرر الاقباط متحدون

يقوم البابا فرنسيس اليوم الأحد ١٥ كانون الأول ديسمبر بزيارة رسولية تستمر يوما واحدا إلى جزيرة كورسيكا. وكان الحدث الأول في هذه الزيارة القصيرة مشاركة قداسته في أجاسيو بمداخلة هامة في اختتام مؤتمر التقوى الشعبية في المتوسط، مداخلة تطرقت إلى مواضيع عديدة محورها أهمية هذه التقوى وكيفية تحليلها والاستفادة منها.

في إطار زيارته الرسولية إلى أجاسيو في كورسيكا '> جزيرة كورسيكا اليوم الأحد ١٥ كانون الأول ديسمبر شارك قداسة البابا فرنسيس في الجلسة الختامية لمؤتمر حول التقوى الشعبية في منطقة المتوسط. وفي مداخلته أعرب الأب الأقدس عن سعادته للقاء المشاركين في هذا المؤتمر من دارسين وأساقفة من فرنسا ومن دول مختلفة، ثم تحدث عن أن منطقة المتوسط قد دخلت التاريخ وكانت مهد حضارات كثيرة حققت تطورا كبيرا وشهدت للأهمية الثقافية والدينية والتاريخية لهذه البحيرة الكبيرة وسط ثلاث قارات، قال قداسة البابا، لهذا البحر الفريد في العالم، البحر المتوسط. وتابع البابا فرنسيس مشيرا إلى أن البحر المتوسط في الأدب الكلاسيكي اليوناني واللاتيني كان المكان المثالي لنشأة الأساطير والقصص والملاحم، ولا يمكن أن ننسى من جهة أخرى كيف مكن الفكر الفلسفي والفنون وتقنيات الإبحار حضارة المتوسط من تطوير ثقافة رفيعة وفتح دروب للاتصالات وتأسيس بنى تحتية وشبكات مياه وأنظمة قضائية ومؤسسات مُركبة لا تزال مبادئها الأساسية سارية وآنية اليوم.

انتقل الأب الأقدس بعد ذلك إلى الحديث عن الخبرة الدينية الخاصة التي نشأت ما بين المتوسط والشرق الأدني، خبرة ارتبطت بإله إسرائيل الذي كشف عن نفسه للبشرية وبدأ حوارا لا يتوقف مع شعبه وصولا إلى الذروة في الحضور الفريد ليسوع ابن الله الذي عرَّف بشكل نهائي بوجه الآب وحقق العهد بين الله والبشرية. وواصل البابا فرنسيس متحدثا عن مرور أكثر من ألفي سنة منذ تجسد ابن الله حيث تتابعت حقبات وثقافات كثيرة، وأضاف أن الإيمان المسيحي قد شكل في بعض المراحل التاريخية حياة الشعوب بل وحتى المؤسسات السياسية، بينما يضعف اليوم وخاصة في البلدان الأوروبية التطلع إلى الله وتزداد اللامبالاة إزاء حضوره وكلمته. إلا أنه من الضروري التحلي بالحذر خلال تحليل هذا المشهد وذلك لتفادي أفكار متسرعة وأحكام مسبقة ايديولوجية تعتبر في بعض الأحيان حتى اليوم الثقافة المسيحية وتلك العلمانية في تناقض. على العكس، قال الأب الأقدس، من الأهمية بمكان لمس انفتاح متبادل بين هاتين النظرتين، فالمؤمنون هم وبصفاء أكبر في انفتاح على إمكانية عيش إيمانهم بدون فرضه، باعتباره خميرة لعجينة العالم والأوساط التي يعيشون فيها. أما غير المؤمنين أو مَن ابتعدوا عن ممارسة الطقوس الدينية فليسوا غرباء عن البحث عن الحقيقة والعدالة والتضامن، وغالبا ورغم عدم انتمائهم إلى أي دين ما يحملون في قلوبهم تعطشا أكبر وبحثا عن معنى، ما يدفعهم إلى التساؤل حول سر الحياة والبحث عن قيم أساسية من أجل الخير العام. وفي هذا الإطار يمكننا لمس جمال التقوى الشعبية وأهميتها، تابع البابا فرنسيس مذكرا بأن البابا القديس بولس السادس كان قد بدل كلمة التدين الشعبي بالتقوى الشعبية، فهذه التقوى تعود بنا من جهة إلى التجسد كأساس الإيمان المسيحي، التجسد الذي يتم التعبير عنه دائما في ثقافة الشعوب وتاريخها ولغاتها ويتم نقله من خلال الرموز والعادات والطقوس والتقاليد. ومن جهة أخرى تجذب ممارسة التقوى الشعبية وتشرك أشخاصا ممن هم على عتبة الإيمان، أي مَن لا يواظبون على ممارسة الإيمان إلا أنهم يعثرون في التقوى الشعبية على خبرة جذورهم ومشاعرهم وأيضا المثل والقيم التي يعتبرونها مفيدة لحياتهم وللمجتمع.

 وواصل البابا فرنسيس الحديث عن التقوى الشعبية فقال إنها، ومن خلال التعبير عن الإيمان بلفتات بسيطة ولغة رمزية متجذرة في ثقافة الشعب، تكشف حضور الله في جسد التاريخ الحي، وتقوي العلاقة مع الكنيسة، وغالبا ما تكون فرصة للّقاء والتبادل الثقافي والاحتفال. وهكذا فإن ممارسات هذه التقوى تمنح شكلا ملموسا للعلاقة مع الرب ومع جوهر الإيمان. وأراد الأب الأقدس هنا التذكير بتأمل للفيلسوف واللاهوتي والعالم الفرنسي بلير باسكال تحدث فيه عن كيفية بلوغ الإيمان، حيث قال إنه لا يكفي تقديم المزيد من الأدلة على وجود الله أو بذل جهد فكري، بل يجب بالأحرى النظر إلى أولئك الذين واصلوا السير مبتدئين بخطوات صغيرة. وأضاف البابا فرنسيس أنه من الضروري بالتالي عدم نسيان أنه يمكن في التقوى الشعبية ان نلمس كيف يتم استقبال الإيمان وتجسده في ثقافةٍ ما وكيف يستمر نقله، وكيف هناك في هذه التقوى قوة تبشيرية فاعلة لا يمكن التقليل من شأنها لأن هذا يعني عدم الاعتراف بعمل الروح القدس. وتابع قداسة البابا كلمته مشيرا إلى ضرورة التنبه أمام احتمال أن يتم استغلال التقوى الشعبية من قِبل جماعات تسعى إلى تعزيز هويتها من خلال الجدال وخلق تناقضات وتصرفات يطبعها الاستبعاد. وأكد البابا فرنسيس أن هذا كله لا يتماشى مع الروح المسيحية للتقوى الشعبية، وهي أمور تطالب الجميع، وبشكل خاص الرعاة، باليقظة والتمييز وتعزيز انتباه متواصل إزاء الأشكال الشعبية للحياة الدينية.

 
أشار قداسة البابا مواصلا حديثه إلى أنه في حال تمكنت التقوى الشعبية من نقل الإيمان المسيحي والقيم الثقافية لشعب ما، موحِدة القلوب في جماعة، فإن هذا يعطي ثمارا هامة تؤثر على المجتمع بكامله وأيضا على العلاقات بين المؤسسات المدنية والسياسية والكنيسة. وتحدث الأب الأقدس هنا عن أن الإيمان لا يظل أمرا شخصيا يريح الضمير بل هو يعني التزاما وشهادة إزاء الجميع ومن أجل النمو الإنساني والترقي الاجتماعي والعناية بالخليقة في ضوء المحبة. وأشار البابا فرنسيس في هذا السياق إلى الكثير من أعمال التضامن التي نشأت عبر القرون عن إعلان الإيمان المسيحي وعن حياة جماعات يحفزها الإنجيل والأسرار. وسلط قداسته الضوء على مؤسسات مثل المستشفيات والمدارس ومراكز الخدمة التي يلتزم فيها المؤمنون لصالح المعوزين مساهمين هكذا في إنماء الخير العام. وشدد البابا على أن بإمكان التقوى الشعبية وأشكال التعبد المختلفة أن تقوي ما وصفها قداسته بالمواطنة البناءة للمسيحيين. وتابع أن بإمكان المؤمنين أن يكونوا على أرض الواقع في مسيرة متقاسمة مع المؤسسات العلمانية والمدنية والسياسية للعمل معا في خدمة كل شخص بدءً من الأخيرين، وذلك لصالح تنمية بشرية متكاملة. وأوضح الأب الأقدس أن هذا يستدعي تطوير مفهوم للعلمانية غير متحجر بل في تطور ودينامية قادر على التكيف مع الأوضاع المختلفة أو غير المتوقعة وعلى تعزيز تعاون مستمر بين السلطات المدنية والكنسية من أجل خير الجماعة، وذلك في حدود صلاحيات كل طرف وفسحاته. وأراد البابا فرنسيس التذكير هنا بحديث سلفه البابا بندكتس السادس عشر عن أن علمانية صحيحة تعني تحرير الدين من ثقل السياسة وإغناء السياسة بإسهامات الدين، مع الاحتفاظ بالمسافة اللازمة والتفرقة الواضحة، والتعاون الّذي لا غنى عنه، وأن العلمانية السليمة تؤمِّن للسياسة العمل بدون استغلال الدين، وللدين أن يعيش حرّا من إثقال نفسه بالسياسة التي تمليها المصلحة، والتي أحيانا لا تتفق، بل وقد تتعارض، مع المعتقد الديني، هذه العلمانية هي بالتالي ضرورية بل ولا غنى عنها لكليهما حسبما ذكر البابا راتزنغر. وتابع البابا فرنسيس أن هذا يمَكن من إطلاق طاقات وتناغم أكبر بدون أحكان مسبقة أو تعارض مفترض، وذلك في حوار منفتح وصادق ومثمر.
 
وفي ختام مداخلته توقف البابا فرنسيس عند قدرة التقوى الشعبية على إبراز قيم الإيمان وأيضا التعبير عن وجه وتاريخ الشعوب وثقافتها. وأشار قداسته إلى أن في هذا التشابك ينخرط الحوار المتواصل بين العالمين الديني والعلماني، بين الكنيسة والمؤسسات المدنية والسياسية. وقال الأب الأقدس للحضور إنهم في مسيرة على هذا الدرب منذ زمن طويل ويشكلون نموذجا فاضلا في أوروبا وشجعهم على السير قدما. كما وأراد تشجيع الشباب على الالتزام بشكل أكثر فاعلية في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية انطلاقا من مبادئ سليمة والاهتمام بالخير العام. أراد البابا فرنسيس من جهة أخرى حث الرعاة والمؤمنين والسياسيين وجميع مَن لديهم مسؤوليات عامة على البقاء دائما بالقرب من الشعب والإصغاء إلى احتياجاته ولمس معاناته وترجمة رجائه، فكل سلطة تكبر فقط بالقرب، قال قداسته وشدد على ضرورة أن يكون القرب من صفات الرعاة، وتحدث عن القرب من الله ومن الرعاة الآخرين، الكهنة والشعب. ثم ختم البابا راجيا أن يساعد هذا المؤتمر حول التقوى الشعبية على إعادة اكتشاف جذور إيمانكم، ذكر الأب الأقدس، وأن يحفز التزاما متجددا للكنيسة وللمجتمع المدني في خدمة الإنجيل والخير العام والمواطنين جميعا