الأقباط متحدون - التعريب القسري.. خطوة نحو تخلف مصر وطمس هويتها الحضارية
  • ٠٠:٥٦
  • الجمعة , ٢٤ يناير ٢٠٢٥
English version

"التعريب القسري".. خطوة نحو تخلف مصر وطمس هويتها الحضارية

شريف منصور

مع رئيس التحرير

٠٦: ٠٦ م +02:00 EET

الجمعة ٢٤ يناير ٢٠٢٥

شريف منصور
شريف منصور
بقلم – شريف منصور
إن الحديث عن الهوية المصرية هو في جوهرة حديث عن التاريخ والحضارة التي امتدت لآلاف السنين، بدءًا من الحقبة الفرعونية، مرورًا بالعصور القبطية واليونانية والرومانية، وصولًا إلى الحقبة الإسلامية وما بعدها.
 
ومع ذلك، هناك محاولات مستمرة لتعريب مصر أكثر مما هي عليه بالفعل، وهي محاولات غالبًا ما تقودها هيئات إسلامية بحتة، تتجاهل التعددية الثقافية التي كانت وما زالت جزء أساسيًا من تكوين الشخصية المصرية.
 
إن مثل هذه الحملات ليست فقط تجاهلًا للإرث التاريخي والثقافي العريق لمصر، بل هي خطوة تقود البلاد نحو عهود من التخلف الذي طال جميع مناحي الحياة.
 
لم يكن التعريب مجرد لغة، بل كان أداة لفرض ثقافة بعينها على حساب التنوع الثقافي والديني الذي لطالما ميّز مصر.
 
هذه السياسة تؤدي إلى تآكل الروح المصرية التي جمعت بين قيم التسامح والانفتاح على الآخر لقرون طويلة.
 
هيمنة رجال الدين الإسلامي والأزهر والأوقاف على مصر
لقد أصبحت هيمنة رجال الدين الإسلامي، ممثلين في مؤسسات مثل الأزهر ووزارة الأوقاف، أحد أكبر التحديات التي تواجه التنوع الثقافي والفكري في مصر. هذه الهيمنة لم تقتصر على المجال الديني فقط، بل تسللت إلى كافة مناحي الحياة، مما جعل الدين الإسلامي يُفرض كمرجعية وحيدة في التشريع والتعليم وحتى في الثقافة العامة.
 
الأزهر، الذي يُفترض أن يكون مؤسسة تعليمية ودينية، أصبح في الواقع مركزًا لصنع القرارات التي تؤثر على كافة فئات الشعب المصري. ومن خلال تحالفه مع وزارة الأوقاف، أصبحت هذه المؤسسات تُمارس سلطة شبه مطلقة على الخطاب الديني والثقافي في البلاد، مما أفرز مجتمعًا أقل تسامحًا وأكثر انعزالًا عن مكوناته الأصلية.
 
هيمنة هذه المؤسسات ساهمت أيضًا في نشر قيم تُقصي الآخر المختلف، سواء كان دينيًا أو فكريًا. وبدلًا من أن تكون هذه المؤسسات داعمة للتنوير والانفتاح، أصبحت عقبة أمام التطور، تُكرّس الجمود الفكري وتنشر مفاهيم رجعية تُعيق تقدم المجتمع.
 
التأثير على التعليم والتنوع الثقافي
سيطرت المؤسسات الدينية على المناهج التعليمية، مما أدى إلى تهميش التاريخ القبطي الفرعوني  بشكل واضح. يتم تقديم التاريخ المصري من زاوية دينية أحادية، ما يُفقد الأجيال الجديدة ارتباطها بجذورها الثقافية المتنوعة.
 
هذا التركيز على الهوية الإسلامية وحدها جعل المجتمع أقل وعيًا بإرثه الحضاري وأقل احترامًا للتعددية التي تُشكل أساس الهوية المصرية.
 
الإقصاء في المناصب القيادية
لا تكتفي هذه المؤسسات بفرض سيطرتها على الخطاب العام، بل تمارس أيضًا تأثيرها على تعيين القيادات في مختلف المجالات. التمييز ضد الأقباط في تولي المناصب الكبرى أصبح أمرًا متجذرًا، حيث تُمنح المناصب القيادية لأولئك الذين يتوافقون مع الأجندة التي تروج لها هذه المؤسسات، بينما يُترك الأقباط والعقول المستقلة في الظل، مما يعمق الفجوة بين مكونات المجتمع.
 
التراجع في الأخلاقيات والقيم
من أبرز مظاهر هذا التعريب القسري وهوية الهيمنة الدينية هو التأثير السلبي على منظومة الأخلاقيات التي كانت تعكس التنوع والاحترام المتبادل بين المصريين. لقد بدأت قيم التسامح والانفتاح تتآكل تدريجيًا لتحل محلها ثقافة أحادية ترفض الآخر وتسعى لإقصائه.
 
عندما تُمحى الهويات الأصيلة وتُستبدل بهوية واحدة مفروضة، يصبح المجتمع أكثر انغلاقًا، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الأخلاقية والاجتماعية.
 
العنصرية التي أفقدت مصر عقولها النابغة
لا يمكن الحديث عن التعريب القسري دون التطرق إلى العنصرية التي زرعتها مؤسسات مثل الأزهر ووزارة الأوقاف في نسيج المجتمع المصري. هذه العنصرية، التي تُمارس بشكل مباشر أو غير مباشر، أدت إلى خسارة مصر لكثير من العلماء الأقباط، الذين وجدوا في دول العالم الغربي بيئة تقدّر كفاءاتهم وتحتضن أفكارهم.
 
في المقابل، حُرم هؤلاء العلماء من مناصب قيادية داخل وطنهم الأم، مثل الوزارات والمؤسسات العلمية الكبرى، وعُينوا في أفضل الأحوال كمستشارين للرئاسة أو المؤسسات الحكومية.
 
لكن ما قيمة منصب “المستشار” إذا كان بلا سلطة حقيقية؟ إن تعيين هؤلاء العلماء كمستشارين ليس إلا محاولة شكلية لإظهار النظام وكأنه “نظام متسامح”، بينما الواقع يعكس العكس تمامًا.
 
المستشار، مهما بلغت عبقريته أو رؤيته، لا يمتلك القدرة على فرض قرارات أو سياسات؛ فالأمر يظل في يد الوزير أو المسؤول، الذي قد يرفض ما يقدمه المستشار بكل بساطة. وهكذا، تضيع على مصر فرص ذهبية للاستفادة من هذه العقول النيرة التي كان بإمكانها قيادة التغيير والنهوض بمؤسسات الدولة.
 
التدهور في جميع مناحي الحياة
إن التاريخ يثبت أن مصر كانت في طليعة الأمم عندما احتضنت تنوعها الثقافي والديني. لكن حملات التعريب القسري، التي تستبعد الموروث القبطي الفرعوني وغيرهما من مكونات الهوية المصرية، ساهمت في تأخر مصر على مستويات عدة، سواء في التعليم، أو الفنون، أو البحث العلمي. فالانغلاق الثقافي يولّد تراجعًا فكريًا وإبداعيًا، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على المجتمع ككل.
 
ما الحل؟
إن مواجهة هذا التوجه لا تتطلب فقط مقاومة التعريب القسري، بل تتطلب إعادة إحياء الموروث الثقافي المصري بكل مكوناته. يجب تعزيز التعليم الذي يحتفي بالتعددية الثقافية، وإبراز التاريخ القبطي والفرعوني كجزء لا يتجزأ من الهوية المصرية. كما يجب أن تكون هناك سياسات تدعم التنوع الديني والثقافي بدلاً من طمسه.
 
الفرصة الضائعة
لو كانت مصر تحتضن علماءها الأقباط وتمنحهم الفرصة لتولي مناصب وزارية أو قيادية، لربما كان الوضع مختلفًا تمامًا. هؤلاء العلماء، الذين تُستثمر جهودهم الآن في دول الغرب، كان بإمكانهم قيادة التحولات الكبرى في قطاعات مثل التعليم، والصحة، والاقتصاد. لكن سياسات الإقصاء والتمييز حوّلت مصر من دولة تحتضن العقول إلى دولة تُقصيها، لتدفع ثمن ذلك تأخرًا في كافة المجالات.
 
إن الحفاظ على الهوية المصرية المتنوعة هو مفتاح تقدم مصر وازدهارها. وإذا أردنا أن تستعيد مصر مكانتها الرائدة بين الأمم، فعلينا أن نبدأ بإحياء هذا الإرث العظيم، الذي لا يمكن فصله عن جوهر الشخصية المصرية.