الأقباط متحدون - فصل الكنيسة القبطية عن السياسة وضرورة تكوين كيان سياسي قبطي مستقل لحماية حقوق الأقباط
  • ٠١:١١
  • الأحد , ٢ فبراير ٢٠٢٥
English version

فصل الكنيسة القبطية عن السياسة وضرورة تكوين كيان سياسي قبطي مستقل لحماية حقوق الأقباط

شريف منصور

مع رئيس التحرير

٠١: ٠٩ م +02:00 EET

الأحد ٢ فبراير ٢٠٢٥

شريف منصور
شريف منصور

شريف منصور
لطالما كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مؤسسة روحية لعبت دورًا مهمًا في حياة الأقباط، لكنها اضطرت عبر التاريخ للتدخل في الشأن السياسي لحماية شعبها في ظل غياب قنوات تمثيل مدني فعّالة. إلا أن استمرار هذا التداخل بين الديني والسياسي يحمل مخاطر عديدة، أبرزها تحميل الكنيسة مسؤولية القضايا السياسية وإضعاف الدور المدني للأقباط. ومن هنا تبرز الحاجة إلى فصل الكنيسة عن السياسة، بالتوازي مع تأسيس كيان سياسي قبطي مستقل، قادر على تمثيل الأقباط بشكل فعال في الحياة العامة دون إقحام الكنيسة في الصراعات السياسية.

الكنيسة ودورها في السياسة عبر التاريخ
لعبت الكنيسة دور الوسيط بين الأقباط والدولة في فترات كثيرة، خاصة عند غياب مؤسسات سياسية أو حقوقية تدافع عنهم. ومع ذلك، فإن هذا الدور أدى إلى اعتبار الكنيسة الممثل الوحيد للأقباط، ما جعل حقوقهم مرهونة بمواقفها، وأحيانًا عرضها لضغوط سياسية أو استغلال من قبل السلطة.

لماذا يجب فصل الكنيسة عن السياسة؟
  1.  إعادة الكنيسة لدورها الروحي
الكنيسة مؤسسة دينية هدفها الأساسي تقديم التعاليم الروحية ودعم المؤمنين، وليس أن تكون لاعبًا سياسيًا. عندما تبتعد عن السياسة، يمكنها التركيز على رسالتها الروحية وخدمة شعبها دون ضغوط أو قيود.
  2.  تفادي تحميل الكنيسة مسؤولية القضايا السياسية
عند تدخل الكنيسة في الشأن السياسي، تصبح عرضة للضغوط والصراعات، ما قد ينعكس سلبًا على دورها الديني ويعرّضها للانتقادات أو التلاعب السياسي.
  3.  تعزيز المواطنة بدلاً من الطائفية السياسية
مشاركة الأقباط في السياسة يجب أن تكون كمواطنين ضمن أطر مدنية وحزبية، وليس من خلال مؤسسة دينية، مما يعزز فكرة المواطنة المتساوية بدلاً من التقوقع الطائفي.

أهمية تكوين كيان سياسي قبطي مستقل
مع الابتعاد عن جعل الكنيسة الممثل السياسي للأقباط، يصبح من الضروري وجود كيان سياسي قبطي مستقل يهدف إلى الدفاع عن حقوق الأقباط ضمن إطار وطني شامل، دون إقحام الكنيسة في هذه القضايا.

مواصفات الكيان السياسي القبطي المستقل
  1.  كيان مدني وليس دينيًا
يجب أن يكون هذا الكيان مؤسسة مدنية تتحدث باسم الأقباط كمواطنين، لا كطائفة دينية، مما يعزز فكرة المساواة بدلاً من الطائفية السياسية.
  2.  العمل ضمن الإطار القانوني والدستوري
يجب أن يكون هذا الكيان جزءًا من الحياة السياسية المصرية، سواء من خلال حزب سياسي أو منظمة حقوقية، تعمل على تمثيل الأقباط في البرلمان والمجالس المحلية، والدفاع عن حقوقهم وفق القانون والدستور.
  3.  توسيع قاعدة المشاركة القبطية في السياسة
يجب أن يشجع هذا الكيان الأقباط على الانخراط في الأحزاب المختلفة والمشاركة في الانتخابات والمجالس المحلية، لضمان وجود تمثيل قوي لهم داخل الدولة.
  4.  إقامة تحالفات وطنية
لا يجب أن يكون هذا الكيان معزولًا، بل يجب أن يعمل ضمن تحالفات سياسية ومدنية تضم جميع المصريين الراغبين في تعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

دور الأقباط المهاجرين في دعم هذا التوجه
شهدت العقود الأخيرة هجرة أعداد كبيرة من الأقباط إلى دول الغرب، حيث نشأوا وتعلموا في بيئات تحترم حقوق الإنسان وتكرّس مفهوم المواطنة الحقيقية، وهي مفاهيم يفتقدها المجتمع المصري بدرجة كبيرة. هؤلاء الأقباط المهاجرون أصبح لديهم وعي عميق بمبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية، مما يجعلهم عنصرًا مهمًا في أي جهد يسعى إلى تحقيق هذه القيم داخل مصر.

كيف يمكن للأقباط المهاجرين المساهمة؟
  1.  دعم التوعية السياسية داخل مصر
يمكن للأقباط المهاجرين، من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، نشر الوعي حول أهمية المواطنة والحقوق المدنية، وتشجيع الأقباط في الداخل على تبني هذه المبادئ والسعي لتحقيقها.
  2.  الضغط على المجتمع الدولي
يمتلك الأقباط المهاجرون فرصًا للتواصل مع المنظمات الحقوقية والبرلمانات الغربية، مما يسمح لهم بالمطالبة بدعم قضايا المواطنة وحقوق الإنسان في مصر، والضغط على الحكومة المصرية لتحسين أوضاع الأقباط.
  3.  دعم المبادرات المدنية والسياسية
يمكن للأقباط في الخارج دعم المشاريع والمبادرات التي تعزز الوعي السياسي والمشاركة المدنية للأقباط في الداخل، سواء عبر التمويل أو تقديم الخبرات والاستشارات.

دور المقوقس في تسليم مصر للغزاة العرب
المقوقس، الحاكم البيزنطي لمصر في زمن الإمبراطور هرقل، لعب دورًا أساسيًا في سقوط مصر بيد الغزاة العرب المسلمين بقيادة عمرو بن العاص عام 641م.
  1.  سياسته المتساهلة مع العرب
لم يقاوم المقوقس الغزو العربي بقوة، بل فضّل التفاوض معهم. كان يدرك ضعف الحامية البيزنطية في مصر، خاصة بعد خسارة الفرس وانشغال الإمبراطور هرقل بمشاكل داخلية.
  2.  التفاوض مع عمرو بن العاص
دخل المقوقس في مفاوضات مع العرب بدلاً من تنظيم مقاومة قوية. وأرسل وفدًا إلى الخليفة عمر بن الخطاب، لكن المفاوضات لم تؤدِّ إلى اتفاق حاسم.
  3.  دوره في معاهدة تسليم حصن بابليون
بعد حصار طويل، توصل المقوقس إلى اتفاق مع عمرو بن العاص يقضي بتسليم الحصن مقابل ضمان حياة السكان وفرض الجزية عليهم، ما سهّل سيطرة العرب على مصر.
  4.  تقاعسه عن الدفاع عن الإسكندرية
لم يقم المقوقس بتنظيم دفاع فعّال عن الإسكندرية، مما سرّع من سقوطها بيد الغزاة عام 642م، رغم إرسال الإمبراطور هرقل تعزيزات عسكرية.

الخلاصة
إن فصل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عن السياسة ضرورة ملحة لضمان استقلاليتها الروحية وحمايتها من التورط في صراعات سياسية قد تضر بها وبالأقباط. في الوقت نفسه، يجب أن يكون هناك كيان سياسي قبطي مستقل، يعمل في إطار مدني وقانوني، لتمثيل الأقباط في الحياة السياسية والدفاع عن حقوقهم دون إقحام الكنيسة.

كما أن الأقباط المهاجرين، الذين نشأوا في مجتمعات تحترم حقوق الإنسان والمواطنة، يمكن أن يلعبوا دورًا هامًا في دعم هذا التوجه، سواء من خلال نشر الوعي السياسي، أو الضغط على المؤسسات الدولية، أو دعم المبادرات المدنية داخل مصر.

وتاريخيًا، يظهر دور المقوقس في سقوط مصر كيف يمكن للقرارات السياسية الخاطئة أن تؤدي إلى ضياع الحقوق. إذ أن تساهله مع الغزاة وعدم تنظيم دفاع قوي، جعل مصر عرضة للسيطرة الأجنبية، وهو ما يجب أن يكون درسًا للأقباط اليوم بضرورة التحرك ضمن إطار مدني وقانوني للدفاع عن حقوقهم وعدم الاعتماد على حلول دينية أو سياسية غير مستقرة.