
الصوم والإفخارستيا قطبين أساسيين لحياة الكنيسة .. مطران طنطا للروم الأرثوذكس يوجه رسالة من كتابات المتقدّم في الكهنة ألكسندر شميمن
محرر الأقباط متحدون
٠٢:
٠٢
م +02:00 EET
الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥
كتب - محرر الاقباط متحدون
وجه نيافة الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث باسم الكنيسة في مصر، رسالة لشعب الكنيسة، تحت عنوان "الصوم والليتوجيا (الاحتفال الإفخارستي)، من كتابات المتقدّم في الكهنة ألكسندر شميمن، وجاء نصها .
مع صعود المسيح، بدأ عهد جديد من الانتظار: انتظار المجيء الثاني (parousia)، مجيء المسيح ثانيةً بمجد، الإنجاز الذي به "يظهر المسيح الكل في الكل". وطالما الكنيسة حيّة والمسيحيون يعيشون في هذا العالم، فهم ينتظرون، ويتوقّعون هذا "المجيء الثاني"، يصلّون ويسهرون لأنّهم لا يعرفون متى يأتي ابن الإنسان. ولذلك يُعَبَّر عن هذا التوقّع في صوم، أي في حالة من الانتظار.
هذا التوقّع، هذا الاشتياق، يتمّ باستمرار ويُستَجاب في سرّ حضور السيّد، أي في الوليمة الإفخارستية. كون سرّ الإفخارستيا هو سر حضور المسيح في الكنيسة بالروح القدس، وبالتالي كل حدث يُستَذكَر يكتمل بالضرورة في القدّاس. وهذا "الصوم - التوقّع" يكتمل في السرّ، في "السرّ" الذي يحوّل الاستذكار إلى حضور، عندما نستحضر كلاً من مجيئي المسيح الأول والثاني في نفْس الاستذكار الأبدي، أيّ أننا نجعله حقيقياً وحاضراً. وهكذا، يشكّل الصوم والإفخارستيا قطبين أساسيين لحياة الكنيسة يكمّل أحدهما الآخر.
إنّ فترة صيام تسبق كلّ احتفال إفخارستي. التوقع ينبغي أن يسبق الإنجاز. من وجهة النظر هذه، الصوم الإفخارستي ليس مجرّد امتناع قبل المناولة، بل هو بالدرجة الأولى توقّع واستعداد روحي. إنّه صوم بالمعنى الروحي، المذكور أعلاه، انتظار للمجيء الأسراري.
لكن للصوم أيضاً معنى آخر، يكمّل الأول الذي شرحناه، وقد شددت الرهبنة عليه وطوّرته. إنّه الصوم النسكي، الصوم كحرب ضد القوى الشيطانية، كطريقة للحياة الروحية. يرجع أصل هذه الفكرة إلى الإنجيل. قبل أن يمضي المسيح إلى البشارة، صام لأربعين يوماً وفي آخر هذه الفترة دنا منه الشيطان (متى 3:4). في الإنجيل، نجد آية واضحة عن أنّ الصوم والصلاة هما الوسيلتان الوحيدتان للتغلّب على الشيطان (متى 21:17). لا يتمم مجيء المسيح ثانيةً إلى العالم تاريخَ الخلاص وحَسْب، بل هو اللحظة الحاسمة في الصراع ضد الشيطان، الذي صار "أمير هذا العالم".
بحسب الكتاب المقدّس، بالأكل تغلّب الشيطان على الإنسان وصار سيّده. تذوّق الإنسان الثمرة المحرّمة وبهذا صار مستَعبَداً للأكل، وصار كامل وجوده متوقفاً عليه. لهذا السبب، الصوم، من منظار كتابي، لا يتساوى مع مجرّد الاعتدال بالأكل مع نوع من الصحيّة الأولية. "الصوم الحقيقي"، الامتناع الصحيح - أي الذي تمدحه الكنيسة في صوّاميها القديسين - هو بالواقع تحدٍ لقوانين الطبيعة ومن خلالها للشيطان نفسه. إذ لا شيء يؤذيه أكثر، لا شيء يقضي على قوته، أكثر من هذا التعالي عند الإنسان على القوانين التي أقنعه بأنّها "طبيعية" و"مُطلَقة". من دون الأكل يموت الإنسان وبالتالي تعتمد حياته بالكليّة على الطعام. ومع هذا، بالصوم، أي برفض الأكل طوعياً يكتشف الإنسان أنّه لا يحيا بالخبز وحده. وهكذا يصير الصومُ الرفضَ لما صار "ضرورياً"، الإماتة الحقيقية للجسد الذي يعتمد كلياً وحصرياً على "قوانين الطبيعة التي لا فرار منها".
في الصوم، يصل الإنسان إلى الحرية التي فقدها بالخطيئة، يسترد في الكون المُلْك الذي أبطله بتعديه إرادة لله. الصوم هو رجعة اختيارية إلى إتمام الوصية التي انتهكها آدم. بقبول الصوم، يحصل الإنسان مجدداً على الطعام كعطية إلهية، ولا يعود الأكل "ضرورة" ويصير الصورة الحقيقية للوليمة المسيانية إذ "كُلْ لتحيا" صارت مجدداً "عِشْ في الله". فكرة الصوم هذه، المتجذّرة في صوم المسيح أربعين يوماً ومواجهته للشيطان، هي أساس الصوم النسكي، الذي ينبغي تمييزه (لا فصله) عن الصوم الإفخارستي، المحدد أعلاه كحالة من الاستعداد والترقّب.
الصوم الإفخارستي محدد دائماً بإيقاع الإفخارستيا نفسها، حدّه هو الليتورجيا التي يرتبط بها كاستعداد للإتمام. إنّه يُنجَز ويُتَمم في تناول الطعام الإفخارستي. إذاً، الصوم الإفخارستي هو عمل من أعمال الكنيسة، لأنّه يتطابق مع حالة من حالاتها. الصوم النسكي، من جهة أخرى، هو قبل كل شيء فردي كونه إنجاز شخصي للكنيسة. القواعد التي تتعلّق بهذا الصوم، والتي تختلف بحسب التقاليد المحليّة المتنوّعة، والتي ليست تعليماً مطلَقاً في الكنيسة لا يمكن قبولها حرفياً أو اعتبارها "مطلَقة".
الأمر المهم هنا هو فهم أن الصوم الإفخارستي هو صوم الكنيسة، بينما الصوم النسكي هو صوم المسيحي في الكنيسة. الأخير تحدده طبيعة الإنسان، الأول تحدده طبيعة الكنيسة. إذاً، خلال الصوم الكبير، يجد الصوم الإفخارستي خاتمته كلّ أَحَد في الملء الأخروي للسرّ، دون أن ينقطع الصوم النسكي. ومع ذلك ليس بين الإثنين أي تعارض. ينبغي أن يكون الغداء الرهباني في يوم أحد من الصوم الكبير "أكثر هزالة" من ناحية نوعيته الغذائية وكميته. ومع ذلك إنّه غداء أحد، كَسْرٌ للصوم، إذ بعد الإفخارستيا والصوم الإفخارستي، هو ينتمي روحياً إلى خبرة الفرح والامتلاء التي هي جوهر الأحد المسيحي.
الكلمات المتعلقة