
الكاردينال زوبي: الفقر ليس مجرد إحصاءات بل مرض في منظومتنا
محرر الأقباط متحدون
الخميس ٢٧ فبراير ٢٠٢٥
محرر الأقباط متحدون
شارك رئيس مجلس أساقفة إيطاليا الكاردينال ماتيو زوبي في مؤتمر عُقد في مقر مجلس النواب الإيطالي بروما للتباحث في سبل الضغط وحشد التأييد في أجل مكافحة الجوع في إيطاليا، ونُظم بالتعاون مع كاريتاس إيطاليا، وجامعة لاسابينسا. وألقى نيافته مداخلة سلط فيها الضوء أهمية قيام حوار بين المؤسسات والعاملين في القطاع والعالم الأكاديمي من أجل التصدي لهذه الظاهرة التي يعاني منها أكثر من خمسة ملايين شخص في البلاد، وهم يُحرمون من ظروف الحياة الكريمة.
تطرق المشاركون في المؤتمر إلى آخر المعطيات التي نشرها المعهد الإيطالي للإحصاءات والتي أظهرت أن الفقر بلغ اليوم أعلى مستوياته في إيطاليا، إذ إن شخصاً واحداً من أصل عشرة يعيش في حالة من الفقر المدقع. وفي هذا السياق أشارت كاريتاس إيطاليا، في تقرير أصدرته أواخر العام الماضي حول الفقر والإقصاء الاجتماعي، إلى أن أكثر من خمسة ملايين شخص، أي حوالي مليوني أسرة، لا ينعمون بالعيش الكريم واللائق. وأظهر التقرير أن طلبات المساعدة التي يتقدم بها الفقراء ارتفعت بنسبة أربعين بالمائة قياساً مع فترة ما قبل جائحة كوفيد.
في المداخلة التي ألقاها للمناسبة أكد الكاردينال زوبي أن الفقر ليس مجرد إحصاءات، وليس وليد الصدفة، معتبرا أنه مرض من أمراض منظومتنا، وأشار إلى ضرورة التعمق في التفكير بهذا الواقع كي تتمكن إيطاليا من بناء شبكة أو تحالف بين المؤسسات والعاملين في القطاع والعالم الأكاديمي أيضا. ولفت إلى أن الفقر بات ظاهرة مزمنة في مجتمعنا إذ إن فقراء اليوم هم أبناء فقراء الأمس، مشيرا إلى أن الارتقاء بين الطبقات الاجتماعية لم يعد ممكنا اليوم وأنه لم يعد الحصول على عمل كافياً للخروج من واقع الفقر، كما قالت نائبة رئيس مجلس النواب أنّا أسكاني خلال أعمال المؤتمر.
وعلى الرغم من انتشار الفقر والعوز في المجتمع، قال الكاردينال زوبي إن ستين بالمائة من الشركات في إيطاليا تحتاج إلى اليد العاملة. ومن هذا المنطلق اعتبر أنه لا بد أن نحلل معاً هذا الواقع وأن نفكر كيف نستطيع أن ندافع عن الأشخاص الذين تُنتهك حقوقهم. وشدد على أن المحبة تولد من ثقافة الإنسانية، لأن القرب يُترجم إلى عمل واسع النطاق ويهدف أيضا إلى الكشف عن الجذور الكامنة وراء هذه الظواهر لمعالجتها وإحداث تغيير في المنظومة الراهنة. وتمنى نيافته أن تنمو شبكة من التعاون بين مختلف الأطراف وأن تجعل من مكافحة الفقر هدفاً لها، لأن أعمال المحبة تتطلب مشاريع تعطي للجميع مستقبلا أفضل.
وشاء رئيس مجلس أساقفة إيطاليا في هذا السياق أن يذكّر بالعلاقة القائمة بين أعمال المحبة والنشاط السياسي كما جاء في الرسالة العامة للبابا فرنسيس Fratelli Tutti، التي أكدت أنه إذا ساعد شخص ما رجلاً مسناً على عبور النهر، يمكن أن يأتي السياسي ويبني جسراً، وهذا هو عمل محبة أيضا. وإذا قدّم له شخص آخر الطعام، يوفر له السياسي فرصة عمل، وهكذا يمارس المحبة بأسمى أشكالها ويجعل من عمله السياسي عملاً نبيلا. واعتبر الكاردينال زوبي في هذا السياق أن الدرب الواجب اتّباعها هي الحوار بين عالم المتطوعين والمؤسسات، بين من يقدمون الخدمة المجانية ومن يتعين عليهم أن يخدموا الصالح العام.
من بين المشاركين في أعمال المؤتمر مدير كاريتاس إيطاليا الأب ماركو بانييلو الذي دعا إلى جعل العمل الدبلوماسي عملاً واقعياً وملموساً، واعتبر أنه ليصبح هذا الأمر ممكنا لا بد أن ننقل صوت الأشخاص العاجزين عن إسماع صوتهم وعن الدفاع عن حقوقهم، لاسيما ضمن السيناريو الذي نعيشه اليوم والذي بات معقداً جدا. وأوضح أن كاريتاس إيطاليا، التي تملك ستة آلاف مركز على كامل التراب الوطني، تسعى جاهدة إلى تعزيز القيم الإنسانية، وهي لا تريد أن يقتصر نشاطها على تقديم المساعدة وحسب، لأن الأشخاص الذين يلجأون إليها لديهم احتياجات، لكن في الوقت نفسه يملكون أحلاماً وموارد كبيرة. من هذا المنطلق اعتبر أنه من الأهمية بمكان أن تتم توعية الرأي العام على هذا الواقع، كما ينبغي أن تدرك ذلك الأحزاب السياسية كي يشارك الجميع في عملية مكافحة الفقر والجوع.
من جانبها أعلنت فدريكا دي لاوزو، المسؤولة في قسم الدراسات في كاريتاس إيطاليا، أن الهيئة قدمت الخدمات إلى مائتين وسبعين ألف شخص خلال العام ٢٠٢٣، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تغيّرت كثيراً خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، إذ بات يعاني من الفقر اليوم القاصرون والشبان والعمال والأجانب. وعبرت عن قلقها حيال ارتفاع معدلات الفقر وسط الأجيال الفتية. وقد أشارت تقارير معهد الإحصاءات الإيطالي إلى وجود مليون وثلاثمائة ألف قاصر فقير في إيطاليا عام ٢٠٢٣.
وقد أكد المشاركون في المؤتمر أن التصدي للفقر اليوم بات تحدياً خلقياً، مدنياً وسياسياً وهو يعني الجميع، بما في ذلك المسؤولون عن المؤسسات وعن الكنيسة، بالإضافة إلى الجمعيات، ولا بد أن يبصر النور التزام متجدد يشارك فيه الجميع ويكون مرتكزا إلى التضامن والعدالة. ولا بد أن يُوجّه هذا النشاط أيضا نحو القطاع التربوي كي تُعالج هذه القضايا بوعي أكبر وبنضوج تام.