الأقباط متحدون - أسقف اليونان: الصوم الحقيقي فعل محبة وهبة للذات وللعالم ونسمة من الحرية من عبودية الأهواء
  • ٢٠:٤٢
  • السبت , ١ مارس ٢٠٢٥
English version

أسقف اليونان: الصوم الحقيقي فعل محبة وهبة للذات وللعالم ونسمة من الحرية من عبودية الأهواء

محرر الأقباط متحدون

مسيحيون حول العالم

٤٥: ٠٣ م +02:00 EET

السبت ١ مارس ٢٠٢٥

كتب - محرر الاقباط متحدون
نشر نيافة الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا للروم الأرثوذكس، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، رسالة بعنوان "حقيقة الصيام" بمناسبة أحد مرفع الجبن، من كتابات الأسقف مكسيموس أسقف مليتين (اليونان).

 وجاء نصها : في مملكة الصمت يرتفع سؤال مثل النحيب من أعماق أرواحنا، صدى من يوم أحد مرفع الجبن. ما الصيام الذي يذكرنا به يوم أحد مرفع الجبن؟ هل الحرمان من الطعام هو غاية في حد ذاته، أم أنه وسيلة لشيء أعظم؟ هل أصبح مسرحًا للظل، انتصارًا للرضا عن الذات والتفاخر؟ ربما قناع آخر من العري الروحي؟ تجوب أشكال مظلمة من العواطف صحراء قلبنا الدامي، أسئلة كالأشواك تخترق الضمير على عتبة الصوم الكبير، في الرحلة التي تبدأ بالغفران، الموضوع الرئيسي لهذا الأحد، والتي تقود، إذا كنا مستحقين، إلى القيامة.

إن كلمات المسيح: "إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين فلن تدخلوا ملكوت السماوات" (متى 5: 20)، تضرب كالبرق في عالم قلوبنا المجهول.  الصوم الحقيقي ليس مجرد الامتناع عن الطعام، بل هو الغوص العميق في مقدسات الروح، حيث تتواجد ظلال العواطف البدائية. إنه خروج داخلي من أرض عبودية الحواس، حيث تلتقي الروح بحقيقتها الخاصة. ولكن كم من مرة أصبح الصوم متخفياً في صورة مسرح للتقوى، حيث تصعد الأنا إلى مسرح الغرور متخفية في قناع الاكتفاء الذاتي. يدعونا القديس نيلوس الناسك إلى ترك السطح والانغماس في العمق الغامض للزهد الروحي، حيث يصبح غياب الطعام حضور الروح.

الصوم الحقيقي هو فعل محبة، هبة للذات وللعالم، ونسمة من الحرية من عبودية الأهواء. لا يقتصر الأمر على الأطعمة التي نتجنبها، بل يمتد إلى الكلمات التي لا ننطق بها، والأفكار التي نطلقها، والغضب الذي نسمح له بالذوبان مثل الضباب في ضوء المغفرة. إنها رحلة من المظهر إلى الوجود، من القناع إلى الوجه، من السطح إلى العمق حيث ينعكس الأبدية.

إنها رحلة نحو الحرية، صرخة الروح المتعطشة إلى المتعالي. إنها في نهاية المطاف عمل محبة تجاه الله، وهي تقدمة لا تهدف إلى شراء رضاه، بل تتدفق كتعبير عن الامتنان لهدية الحياة. فالروح التي تتحرر من قيود المادة ترتفع كالنسر إلى المرتفعات السماوية، وتتذوق حلاوة الحضور الإلهي.

إنها الحظة التي يصل فيها قلبنا إلى حدود ما لا يمكن وصفه، فيلتقي بلمسة الرب. إنها اللحظة التي يتحول فيها الصيام من مجرد تمرين بسيط إلى حج مقدس، حيث يلتقي المحدود بالأبدي، ويتذوق الفاني الخلود.

لكن الصوم وحده لا يكفي. الحياة الروحية ليست ممارسة أحادية البعد، بل هي تناغم معقد من الفضائل، حيث يلعب التسامح الدور الأكثر إيلامًا والأكثر تحريرًا. "إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي" (متى 6: 14). إن هذه العبارة، مثل الصخرة الأولى، ترتفع إلى قلب التعاليم المسيحية. إن التسامح ليس مجرد ضرورة أخلاقية، بل هو البوابة الحقيقية لمملكة السماء. فهو الجسر الذي يربط الإنسان بالله اللامتناهي.

فكيف نتوقع الرحمة الإلهية وقلبنا يبقى حبيساً داخل حدود الحقد الضيقة؟ إن رفض المغفرة هو شكل من أشكال التدمير الذاتي الروحي، يفصلنا عن الله وعن إخواننا البشر. يشير القديس غريغوريوس بالاماس، في تفسيره لإنجيل أحد الجبن، إلى أن المغفرة ليست مجرد تعبير عن التصرف الخيري، بل هي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بخلاصنا الشخصي. ويوضح أن الله، كملك، كان يتفاهم مع عبيده، مطالبًا، بطريقة ما بالمساءلة عن ديوننا.

ومع ذلك، فإن قدرتنا على التسامح تعكس مدى تقبلنا للنعمة الإلهية والمغفرة. إذا احتفظنا في داخلنا بسُم الاستياء، فإننا نغلق باب الرحمة الإلهية. إن التسامح عمل فداء، والتغلب على الأنانية، والغوص في هاوية الحب. الحرية في الحب والرجاء والوجود في المسيح.

إنه السلام الداخلي الذي ينبع من المصالحة مع الله، الذي يحولنا بصمت وبشكل غير محسوس. حيث تلتقي الروح بالنور الذي يناديها. بمعنى آخر، ملكوت السماء الذي لا يأتي بأدلة خارجية، بل هو مؤسس في داخلنا كبذرة تنبت وتؤتي ثمارها في صمت الروح.

في النهاية، عندما يخفت نور وجودنا وينتشر الظلام، ماذا سيبقى؟ ما الذي ينير طريق الروح في رحلتها العظيمة؟ ليس التمييزات والثروات، ولكن مجموعات الحب التي نحتتها حياتنا في سماء الأبدية. حيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضًا. من يجرؤ على مواجهة مرآة الحقيقة هذه؟.