الأقباط متحدون - مدينة الملك العظيم أورشليم
  • ١٥:١٧
  • السبت , ١٢ ابريل ٢٠٢٥
English version

مدينة الملك العظيم أورشليم

الراهب القمص يسطس الأورشليمى

مساحة رأي

٢٢: ٠٢ م +02:00 EET

السبت ١٢ ابريل ٢٠٢٥

القمص يسطس الأورشليمى
القمص يسطس الأورشليمى

بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كاتب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر


      مدينة الله المحبوبة مدينة الملك العظيم أورشليم. هي أورشليم الأرضية مسكن الله الابن الكلمة المتجسد على الأرض  هي موقع الأحداث وحياة وآلام وصلب وقبر وقيامة وصعود ربنا يسوع المسيح. "قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات" (عب 12: 22-23). : "لله أذبح ذبيحة حمد، وباسم الرب أدعو، أوفي نذوري للرب مقابل شعبه، في ديار بيت الرب في وسطك يا أورشليم" (مز ١١٦: ١٦–١٩).

       أورشليم تعنى وكر السلام او مدينة السلام او رؤية السلام او اسس السلام. الذي مصدره ربنا يسوع المسيح ، لانه بدون المسيح ملك السلام. تصير أورشليم قاتلة الانبياء ورافضة للمسيح "الحق أقول لكم أن هذا كلّه يأتي على هذا الجيل. يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء والمرسلين إليها، كم مرّة أردتُ أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا. هوذا بيتكم يُترك لكم خرابًا. لأني أقول لكم أنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب" مت 23 :36-39].

فهذا يقول القديس أبيفانيوس أن المسيح كان بلا صولجان ولا أبواق لا بل ظهر في منتهى الفقر. لم يكن محمولاً على الأسلحة والتروس والحراب على الطريقة التي كان يُكَرَّم بها الحكام الأرضيون في ذلك الزمان، بل قد ظهر في فقر شديد. لم يكن معه رجال مسلّحون ولا تروس ولا رايات مطعّمة بالذهب ولا خوذة ولا درع، بل كان معه الاعتدال المفرط والبراءة غير المحدودة والهدوء الذي يتخطى القياس.

يرى القدّيس كيرلّس الكبير أن سرّ حزن السيِّد المسيح هو رفض إسرائيل ابنه البكر له، إذ يقول: كما بكى على لعازر في ترفُّق بالجنس البشري كلّه بكونه صار فريسة للفساد والموت، هكذا نقول أنه حزن هنا إذ رأى أورشليم، وقد أحاطت بها المآسي الكبرى، ولم يعد لمصائبها علاج.

    بكى المخلص الرحوم على سقوط المدينة الغاشة، هذه التي لم تكن تعرف ما كان سيحل بها، إذ قيل: "إنك لو علمتِ أنتِ أيضًا (لكنتِ تبكين)". ها أنتِ تفرحين الآن لأنك لا تعلمين ما قد أوشك أن يحل بك. يردف قائلاً: "حتى في يومكِ هذا" ، لأنها إذ سلمت نفسها للشهوات الجسدية نالت في يومها ما هو فيه سلامها (الزمني). وقد أوضح ما تقدمه هذه الأمور لها، بقوله: "ولكن الآن قد أخفى عن عينيك"، فلو أن عيني قلبها لم يُخف عنها ما سيحل بها من شرور مقبلة لما كانت تفرح بالترف الحاضر. ولهذا أضاف في الحال العقوبة التي ستحل بها: "فإنه ستأتي (عليكِ) أيام"... هنا يشير إلى ما تم بواسطة القيصرين الرومانيين فسبنيان وتيطس من تدميرهما لأورشليم...

      أورشليم النفسية (البشرية) مركز الله الحي في أورشليم الداخلية. وكأنه فيما هو يتطلع إلى أورشليم والهيكل والكهنة كان ينظر إلى أورشليم الداخلية والهيكل الخفي والصرخات القلبية... الطقس في عينيه ليس فروضًا محددة تلتزم بها الجماعة وإنما هو جزء لا يتجزأ من حياة الجماعة الروحية وبنيانها في الرب الذي يسكن القلب "أورشليم الداخلية" فيصنع صلحًا للنفس والجسد بكل طاقاتهما مع الآب.
 عندما يسكن ملك السلام في النفس البشرية. تقول هذا هو الشفيع الذي يسكن القلب "أورشليم الداخلية" فيصنع صلحًا للنفس والجسد بكل طاقاتهما مع الآب. بربنا يسوع المسيح المختبىء في أورشليمنا الداخلية الذي به ننال الصفح عن خطايانا‍. هكذ النفس البشرية أيضا حينما تبعد عن ملك السلام بنفس الروح يتحدث حزقيال النبي عن سكان أورشليم، قائلاً: "مخرجك ومولدك من أرض كنعان. أبوكِ أمورى، وأمكِ حِثِّية" (حز 16: 3)، كما يقول: "إن سدوم أختك لم تفعل هي ولا بناتها كما فعلتِ أنتِ وبناتك" (حز 16: 48).

يقول العلاّمة أوريجينوس: [في الحقيقة نحن أورشليم التي بكاها يسوع... فبعد أن عرفنا أسرار الحق وكلمات الإنجيل وتعاليم الكنيسة، وبعد أن رأينا أسرار الرب نخطئ!... بكى على أورشليمنا فبسبب خطيّتها، إذ يحاصرها الأعداء، ويهدمون بنيها فيها، ولا يتركون فيها حجرًا على حجر. هذا ما يحدث الآن، فبعد أن يعيش إنسان في نسك كامل لسنين ينهزم أمام جاذبيَّة الجسد، ولا يقدر أن يحتمل مستلزمات الطهارة، فيتدنّس الإنسان ويعيش في عدم طهارة، وكأنه لا يُترك فيه حجر على حجر. وفي موضع آخر نقرأ: "كل بِرِّه الذي عمله لا يُذكر، في خيانته التي خانها وفي خطيّته التي أخطأ بها يموت" (خر 18: 14). هذه هي أورشليم التي يُبكى عليها.

    الكنيسة مسكن الله الروح القدس (أورشليم الروحية) كنيسة الله الواحده الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية ... وكأن الكنيسة تخرج بكل أولادها بكل طاقاتهم الروحية والجسدية بارشاد الروح القدس منطلقين نحو أورشليم العليا بفكر سماوي وحياة سماوية. مؤكِّدًا أن بيت الرب هو هبة الله لشعبه، يختار الموضع ليُعلن سكناه في وسط شعبه. . "أنا قد أنهضته بالنصر وكل طرقه أُسهل، هو يبني مدينتي، ويطلق سبيي لا بثمن ولا بهدية قال رب الجنود" (إش 45: 13). فأورشليم السمائية تشير إلى سكنى الله بين البشر، لذلك دعيت مقدسة. ويمكن أن نقول إن كل نفس أيضًا هي أورشليم مقدسةٌ لأن الله يسكن في داخلها.

  وإيضا هي أورشليم السمائية، السماء هى مسكن الله الأب فى الاعالى هذه التي قال عنها الرسول إنها أورشليم العليا، أمنا الأبدية في السموات (غلا 4: 26) في أورشليم رمز تدبير مضى، فهي تستعيد فكرة أورشليم السماوية التي رآها بولس تتحقق في الجماعة المؤسَّسة في المسيح. واذ حُكم على أورشليم الأرضية بالزوال، صارت أورشليم السماوية حاملة الوعد ومسكن الابرار الأبدي

   وفى هذا يقول العلاّمة أوريجينوس: إن كان عند صعوده إلى أورشليم كان الذين يحبّونه يبسِطون ثيابهم في الطريق حتى لا يطأ ابن الإنسان بقدميه على الأرض، راغبين ألا يلمس حتى الجحش الذي يركبه الأرض (مت 21: 8)، فأي عجب إن كان الآب إله الكل يفرش سحب السماء تحت جسد ابنه لأجل انقضاء الدهر؟

إن دخول المسيح إلى أورشليم، كمثل كل الأحداث السيدية، تنبأ بها الأنبياء في العهد القديم. لقد تنبأ زكريا: "اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ." (زكريا 9:9-10).

إن حضور المسيح هو حضور محبة للجنس البشري وليس للدينونة العادلة ولا للعقاب. صار المسيح إنساناً وأتى إلى أورشليم بصورة خادم، كعريس وكحمل لا عيب فيه مُقَدَّماً كضحية، بتواضع عظيم كقطرة تسقط على جُزّة الصوف وبهذه الصورة المتواضعة حطّ المقتدرين عن عروشهم ورفع المتواضعين (القديس كيرلس الاسكندري). كما أنّ العريس يأتي إلى عرسه، لا بسلطان وقوة، بل بتواضع ومحبة، هكذا أيضاً أتى المسيح إلى البشر.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع