
البطريرك يوحنا العاشر : كمسيحيين في هذه الأرض نعيش ومنذ ألفي عام درب آلامٍ رجاؤه الوحيد رب القيامة يسوع المسيح لا سواه
محرر الأقباط متحدون
٣٠:
٠٩
م +02:00 EET
الاربعاء ٢٣ ابريل ٢٠٢٥
كتب - محرر الاقباط متحدون
القى البطريرك يوحنا العاشر ، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، عظة اثنين الباعوث، من الكاتدرائية المريمية بدمشق .
يا حياتي المنقذ
فظهرت ساحقاً قوة الجحيمْ
من فسادٍ قمتَ
حينما مت وزرت المائتينْ
هكذا تناجي الكنيسة المقدسة حياتها المنقذَ رب خلاصها المسيح وختن النفس البشرية. هكذا تناجي الحمل المصلوب والقائم الذي يريدها كنيسة ملتحفةً بالنور مضمخة بالطهارة مكللة بالمجد. هكذا ناجته من قبلُ في جنازه الطاهر جسداً معلقاً على صليب. وهكذا تناجيه الآن وترى فيه إلهاً يكسر شوكة الموت وينثر على الخليقة فرح القيامة الذي يغسل كل ألم ويجلو رونق البهاء الإلهي.
تناجيه حياةً منقذاً نازعاً عن جبلته التي أحب لوثة الخطيئة والفساد. تناجيه رباً يكسر بجبروت صمته عجيج موج هذا العالم ويكسر أغلال جحيمه. تناجيه سيداً طويل الأناة يرأف بجبلته المائتة. يزورها. يلامس قابلية موتها ويخلع عليها ثوب الخلود فيهبها قابلية الحياة.
كمسيحيين في هذه الأرض نعيش ومنذ ألفي عام درب آلامٍ رجاؤه الوحيد رب القيامة يسوع المسيح لا سواه. إسألوا أسوار دمشق تخبرْكم عن بولس الذي نزلها في زنبيل. إسألوا الشارع المستقيم من على يسارنا يخبرْكم عن بيت يهوذا الذي استقبل بولس واستضاف حنانيا الرسول. سلوا أسوار الشام فتحكي لكم عن شاول الذي أمسى بولس الرسول فخر كيليكيا.
سلوا دمشق عن أقمارها فتخبركم قصة يوحنا الدمشقي منصور بن سرجون وزيرِ ماليةِ بني أمية. سلوها فتخبركم عن كوزما وأندراوس من ناظمي التسابيح.
سلوها عمن رنم بأبهى ما يكون للعيد الحاضر تجبْكم يوحنا الدمشقي. سلوا هذه الديار فتخبرَكم بأجلى بيان عن المسيحية التي انبثقت من هذه الأرض. سلوا ثلج حرمون "الختيار" الذي استفدأ بوهج نور المسيح المتجلي.
سلوا شباك صيادي صور وصيدا وسلوا لبنان الذي تفيأ كاتب المزمور بظل أرزه ليصف بركات الصديقين.
نحن في هذه الأرض أمام جغرافية إنجيل. نحن على المصلوبية منذ ألفي عام ورجاؤنا الأوحد يسوع المسيح سيد القيامة ورب النور.
قست أيام وتقسو وستقسو وتبقى القيامة والفصح أمام عيوننا فرصةً لنتأمل تاريخ وجودنا كمسيحيين في هذا الشرق. نحن لسنا أبناء البارحة.
نحن من عبق الرسل ومن عرف التلاميذ.
فينا شيء من شك توما ومن ضيق المجدلية.
فينا شيء من حماسة بطرس ومن وداعة يوحنا.
فينا شيءٌ من فلسفة بولس ومن بساطة صيادي الجليل. فينا شيءٌ من خوف التلاميذ وفينا شيءٌ من دموع فرح مريم.
فينا شيءٌ من ذاك الرسول بطرس الذي قال للمسيح: إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك؟ فينا شيءٌ من إيمان ومن شك هذا التلميذ الذي مشى على الماء بأمر المسيح.
وفينا شيء من روية صوت معلمنا يسوع المسيح يهدئ موج بحر هذا العمر، يقترب من سفينة عمرنا.
يلامس قلبنا ويهمس في مسامعنا ويقول: أنا هو لا تخافوا.
نعيش اليوم فرح القيامة والقيامة قيامة النفس. نفرح في القيامة رغم كل شيء. نفرح ونفرح لأن معلمنا المسيح يسوع أرادنا أبناء النور والحياة. نعيش فرح القيامة ولا ننسى أن تلك جاءت بعد درب صليب.
نعيش فرح القيامة وننظر إلى العالم من حولنا وننظر أمواج عجيجه المتلاطمة قتلاً وتشريداً وحروباً وويلاتٍ وفقراً وجوعاً. ننظر كل هذا ومن ثم نرى وجه هذا المصلوب المتدلي من على خشبة الصليب.
نراه معزياً رغم ألمه.
نراه مبلسماً رغم جراحه. نراه صامتاً مع أن عصف هدوئه يقلب الكون. نستحثه أن يتكلم. نستحثه أن يصرخ فيجيب بروية نفس: أحببتكم لذا بذلت نفسي عنكم. نستحثه أن يتدخل فيرن في آذاننا صوتٌ نبويٌّ: طرقي غير طرقكم.
نعيش ههنا في هذا الشرق الذي تسمى أولاً باسم المسيح. نعيش في هذه الديار نتنكبُ صليبَها منذ ألفي عام ونتنكب صواعد ونوازل التاريخ عليها. نعيش ههنا في هذه الوديان وفي تلك الروابي التي عانقت أقدام تلاميذ المسيح.
نعيش ههنا مثل الزيتون الذي يعطي قيمةً للأرض التي يعيش بها كما ويستمد قيمةً من أصالتها ومن عراقتها. شاءتنا يد الله من رحم هذه الأرض ومن رحمانية خالق الأرض.
شاءتنا يد المولى ههنا. شاءتنا من ضمن تاريخ هذه الديار التي اصطبغت بمختلف الحضارات ولم تقتصر صبغتها على حضارةٍ أو دينٍ دون سواه. شاءتنا بمراحمه شهوداً وشهّاداً لأصالة إيمان، تلقفناها من صدور أمهاتنا، سمعناها من فم تلاميذ المسيح، غرسناها في نفوسنا وزنّرنا بها أرجاء المعمورة حاملين لها البشرى السارة بصرخة المسيح قام.
كل عام وأنتم بخير. كل عام وسوريا بخير. نصلي ونسأل من القلب. كل عام ولبنان بخير. كل عامٍ ورجاء الفصح متجددٌ في قلوبنا وفي قلوبكم إخوتَنا وأبناءنا الأنطاكيين في كل مكان. كل عامٍ ورجاء المسيح متجددٌ في قلوبكم رغم كل محنةٍ ورغم كل ضيق. كل عامٍ وإنسان هذه الديار بخير وفلاحٍ. كل عامٍ وأنتم بخير إخوتنا في المواطنة في الجغرافية.
وأنتم ونحن بخير عندما ندرك ونعي ونعمل من منطلق أننا جميعاً ركاب قاربٍ واحدٍ لا يعرف في الدين سبيلاً للتفرقة ولا يعرف في التنوع الديني الذي شاءه العلي القدير في هذه الديار إلا سبيلاً للاتضاع أمام عظمته وأمام حكمته التي شاءتنا ههنا متحابين لتظهر محبته نحونا وراحمين بعضنا بعضاً لتظهر مراحمه ورحمانيته فينا وعبرنا.
أبعث من الكنيسة المريمية بدمشق البركة الرسولية والمحبة الصادقة لأبنائنا في الكرسي الأنطاكي المقدس في الوطن وفي بلاد الانتشار. بارككم الله جميعاً وأجزل عليكم من معين صلاحه وحفظكم وحفظ أطفالكم والمختصين بكم.
كل عامٍ وقيامة المسيح مبعث النور والسلام لعالمه الذي أحب. كل عامٍ وفصح المسيح رجاءٌ يمسح فينا رونق النفس. كل عامٍ وفصحه بلسمٌ يدهن بزيت الرحمة أرواحَ من سبقونا إلى ملقى وجهه القدوس. كل عامٍ وفصح المسيحِ فينا عبورٌ من بحر هذا العمر الهائج إلى مرسى خلاصه الهادئ. كل عامٍ وفصحنا مصداق قوله "أنا معكم طول الأيام إلى منتهى الدهر"، كل عام وأنتم بخير. المسيح قام حقاً قام.
الكلمات المتعلقة