الأقباط متحدون - عندما يحكم الغوغاء: سقوط العقل وبداية الانهيار
  • ٠٠:٥٦
  • الجمعة , ٢٥ ابريل ٢٠٢٥
English version

عندما يحكم الغوغاء: سقوط العقل وبداية الانهيار

شريف منصور

مع رئيس التحرير

٤٧: ٠١ م +03:00 EEST

الجمعة ٢٥ ابريل ٢٠٢٥

شريف منصور
شريف منصور

بقلم شريف منصور
في لحظات التحول الكبرى، قد تبدو أصوات الجماهير كأنها نبوءات الخلاص، وقد يُخيل للناس أن الهتاف كافٍ لصنع التغيير، لكن التاريخ علّمنا أن الحشود، حين تفقد البوصلة، لا تبني أوطانًا، بل تهدمها على رؤوس ساكنيها.

حين تصمت العقول ويعلو صراخ الغوغاء، تهوي الأمم من علياء المجد إلى حضيض الفوضى. يُرهب المفكرون، ويُسكت الفلاسفة، وتُقيد الكلمة الحرة، فيسود الظلام، وتُفتح أبواب الانهيار. فحذارِ من حكم الجهل، فإن ثمنه باهظ، وخرابه شامل.

أمثلة من التاريخ:
في أثينا القديمة، دفع الفيلسوف سقراط حياته ثمنًا لفكره، لا بيد طاغية، بل بأمر من العامة الذين رأوا في أسئلته خطرًا على استقرارهم الذهني. لم تكن نهاية سقراط نهاية رجل، بل بداية أفول لمدينة كانت تُنسب إليها الحكمة.

وفي الثورة الفرنسية، تحوّلت المطالب النبيلة إلى فوضى دموية عندما أصبحت الجماهير أداة انتقام، لا إصلاح. المقصلة لم تفرّق بين خصم سياسي وفيلسوف ناقد، والنتيجة كانت سنوات من الرعب انتهت بعودة الاستبداد.

وفي عصرنا الحديث، رأينا كيف تتحول الشعوب التي تُقصي نخبها، وتستبدل الحوار بالتخوين، إلى كيانات مشلولة، تئن تحت وطأة الانقسام والتراجع، مهما كانت شعاراتها براقة.

من الواقع المصري:
في مصر، لم تكن السنوات التي تلت 2011 مجرد انتقال سياسي، بل اختبارًا حيًا لقوة الوعي الجمعي. حين علت الهتافات وطُردت العقول من الساحة، تكررت مأساة التاريخ: أُقصي المفكر، وارتفع صوت من لا مشروع له سوى هدم القديم دون بناء جديد.

وصلت جماعات شعبوية ودينية إلى الحكم، لكنها فشلت في تقديم رؤية، وبدلاً من إدارة الدولة، سعت لاحتكارها. وسقطت التجربة، لا لأن المطالب كانت خاطئة، بل لأن أدواتها كانت خالية من العقل والبصيرة. وهكذا، عادت البلاد إلى نقطة الصفر، بينما دفعت النخب الحقيقية الثمن صمتًا أو نفيًا أو سجنًا.

نداء إلى المستقبل: أعيدوا الكلمة لأهلها
أيها القادمون من الغد، إن أردتم لأوطانكم نجاة، فلا تُسلموها لزمجرة الغوغاء، ولا تُقصوا أهل الفكر عن منابر القرار. لا تجعلوا من الهتاف بديلًا عن الحكمة، ولا من الأكثرية صكًّا للحقيقة. فكم من أمةٍ ظنّت أن في صوت الجموع خلاصًا، فإذا بها تهوي إلى هاوية لا قاع لها.

أعيدوا الاعتبار للعقل، وللحوار، وللاختلاف النبيل. لا تتركوا المفكرين وحدهم في العتمة، ولا تتركوهم يُحاكمون على أفكارهم كما حُوكم سقراط، ولا يُخوَّنون كما خُوِّن الأحرار، ولا يُسجنون في صمت كما سُجن الحرف في عصور الانحدار.

إن المستقبل لا يُصنع بالغضب، بل بالمعرفة. ولا يُبنى بالشعارات، بل بالمسؤولية. فاختاروا طريق النور، حتى لا تُكتب عليكم لعنة التاريخ، كما كُتبت على من سبقكم وسلّموا مفاتيح أوطانهم لمن لا يفقهون ما يفعلون.