
فن صناعة القادة كنجوم ومنتجين وفاعلين
مقالات مختارة | الأب أغسطينوس ميلاد سامي ميخائيل بطرس
٠٧:
١٠
ص +03:00 EEST
الاثنين ٢ يونيو ٢٠٢٥
الأب أغسطينوس ميلاد سامي ميخائيل بطرس...
النجومية لم تكن لتأتي، إلا من خلال قناعة الشخص أو الأشخاص ببذل مجهودات كبيرة، وقبول التحديات الشخصية، منذ بداية الرحلة الأولى من الحياة الواعية، وبصبر ومثابرة بحثًا عن النجاح، وللتغلب على كافة الظروف والعقبات، ليأتي اليوم الذي ترى فيه أصحاب هذا المجهود بوصولهم للنجومية يتحاورن بهدوء واتزان مع الجميع، وبموضوعية وفكر شمولي، نتيجة تراكم الخبرات التي تفاعلوا معها بإيجابية، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الخبرات مؤلمة أو مريحة، صعبة أو سهلة، فهم في مسيرتهم لم يتخلوا عن حلمهم، حيث خاضوا غمار التجارب، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه...
وإنني أرى أن عملية صناعة النجوم والعظماء موجودة حاليًا، ولكن هذا في إطار مقنن وبطيء جدا، وترجع عملية الإفلاس في عملية التكوين والتربية والتعليم، والاختيارات السليمة الحرة المبنية على أسس سليمة.
أرى أن المشكلة في وجود أشخاص جيدين، ولكنهم لا يملكون الكاريزما، وأرى أن هناك محاولات لصناعة نجوم وقادة حاليين، ولكنهم قد يكونوا قادرين، ولكن تنقصهم الخبرات الحياتية والواقعية، وليست النظرية، أو تنقصهم الحكمة والتميز والفهم والتحليل وقراءة الواقع، بجانب النقائص الشخصية التي تتواجد في كل منا؛ ويوجد قادة ومسؤولون أنصاف نجوم، ونجحوا زيادة عن المتوقع، لأنه لم يكن موجود من يسد فراغ هذه الأدوار.
لذلك فالمناخ حاليا غير ملائم، لأن الجمهور منقسم إلى ثلاث فرق: فريق لا يعنيه الموجودين، وهذا الفريق ليس لديه انتماء واضح لأي شيء. وفريق تلهيه مشاكل الحياة، فهو يعيش ويقبل ما هو متاح، طالما المركب تمشي وتسير. وفريق ثالث ناقد وناقض ومتمرد على هؤلاء القادة.
في حين أن أغلب الشعب والجمهور لم يشعر بالملل منهم بعد؛ كما أن هؤلاء النجوم بعضهم يملك نصف الموهبة فقط، والبعض الآخر يملك موهبة كاملة، ولكن الإمكانيات المتاحة بين يديهم غير كافية لتحقيق كل ما يريدون تحقيقه، ولا يجدون من يدعمهم ماديًا ولا معنويًا. والبعض الأخير يمتلكون موهبة كاملة، ولكن لا مكان لهم، ولا هم في حسابات من هم في القيادات العليا، لأن الوضع في السياسات العليا، وعند من يمتلك قوة القرار القانوني، لهم وجهة نظر ربما تكون محترمة وصائبة، فتركيزهم مع النجوم الذين نجحوا فقط، لأن النجم المعروف المضمون حصان رابح بالنسبة لهم.
ولكنني مازلت أرى أن "صناعة النجم" أمر ضروري، والبحث عن "الكنوز" والمواهب في الأرياف بالصعيد والدلتا أمر لا نقاش فيه. هذه الأرض الطيبة، التي نبتت فيها مواهب عديدة، رفعت رايات مصر عالية في المحافل الدولية، تستحق مزيدًا من الجهد والعناء، للبحث عن مواهب جديدة، ومنح فرص أكبر لأجيال نابغة. وعلى سبيل المثال لا الحصر: -
في مجال الطب والهندسة والعلوم مثل د. مجدي يعقوب أعظم جراحي القلب بالعالم، وأحمد زويل رائد علم الفيزياء والكيمياء ولُقب بملك "كيمياء الفيمتو". وجمعة سند (فيزياء)، كمال رسلان (رياضيات)، محمد بدران (صيدلة)، حسن سعد الدين (ميكروبيولوجي)، محمد زين (علوم النبات)، ياسر عبد المعبود (رياضيات).
وفي المجال السياسي والاقتصادي بطرس بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة؛ ومكرم عبيد، ومنى مكرم، ومنير فخري عبد النور...
وفي مجال الثقافة والفن نجيب الريحاني مؤسس المسرح المصري ورائد السينما المصرية، وجورج سيدهم ممثل، ومخرج مسرحي وسينمائي، يعتبر من رواد المسرح المصري. وسناء جميل، ولطفي لبيب، وإبراهيم نصر، والمنتصر بالله، وهاني رمزي...
وفي المجال الرياضي، هاني رمزي لاعب كرة قدم مصري، وهو نجم دفاع منتخب مصر، ويعرف في الأوساط الكروية بأمير المحترفين، نظرًا لقضائه أكثر من خمسة عشر عامًا محترفًا في الملاعب الأوروبية في دول وأندية مختلفة وتألق بها، وبدأ احترافه بعد كأس العالم 1990، وكان مساعد مدرب لمنتخب مصر لكرة القدم. والمدير والمدرب للمنتخب الأولمبي. واللاعب محمد صلاح مهاجم ليفربول، بيج رامي من كفر الشيخ ويعد أول مصري يتوج بلقب مستر أولمبيا، ومحمد علي رشوان في الجودو.
هؤلاء جميعًا كان يمكن أن يكونوا في المجهول، لولا من أخذ بيدهم ووضعهم على أول الطريق للنجومية، وإن كانت خدمية، ولكنهم تألقوا عندما أُتيحت لهم الفرصة...
وأحلم، باليوم الذي نرى فيه آلاف من الموهوبين في كافة المجالات، قد حصلوا على فرصهم الحقيقية، حتى تستفيد منهم كل مؤسسات الدولة ومجتمعاتنا الخاصة في بلادنا، ولا يكون الاختيار وفق المصالح الشخصية والهوى والميول الشخصية، بعيدا عن الموهبة والإمكانيات.
بالنسبة لي، وعن تجربة شخصية رأيت بدلًا من تبني واختيار من هو أصلح وأكفأ للخير العام، تم اختيار ما هو أضعف وأقل إمكانيات، طالما أنه مطيع، يقول نعم وحاضر، ويكون في خدمة تلميع الكبار... فبدلًا من ضخ دماء جديدة جديرة بالقيادة والمكانة والدور، نجد أشباه قادة وأشباه معلمين... نتيجة للقرارات والاختيارات الخاطئة والمحسوبية والوساطات والحسابات الخاصة... والتي تحد من دخول ووصول من هو أكفأ وصالح لتولي المهام والمسؤولية في كل مؤسسات الدولة، وفي المجالات السياسية والتعليمة والصحية والاقتصادية والتنموية والفنية والثقافية والرياضية والدينية...
كما يوجد أشخاص موهوبون، وليسوا خريجوا جامعات وأكاديميات، ومع ذلك هم نجوم ناجحون في مجال عملهم، وفق مواهبهم التي استخدموها في مجالات عملهم المختلفة، ورأيي الشخصي يجب أن تفتح المجالات أمام هؤلاء الموهوبين، لأنهم يكونون نجوما في النهاية، وسيبدعون ويصنعون مجدًا لكل مجال وتخصص يتولون مسؤوليته ويعملون فيه...
وبما أن واقعنا الكنسي جزء من المجتمع، فإن ما يعيشه المجتمع ينعكس أيضًا علينا، وعلى شاكلة ذلك كثيرين...
أما الدخلاء فسوف يسقطون سريعا، وتسقط معهم كل المؤسسات المختلفة والمتنوعة التي يتولون مسؤوليتها، وبذلك نكون ساعدنا التخلف والرجعية وصناعة أجيال لا فكر مستقل لهم، ولا وعي ولا تحضر... فهؤلاء سيكونون قنابل موقوتة وأدوات للإرهاب عبر التاريخ المستقبلي.