الأقباط متحدون - كاتب مُزعج ومُثير للإزعاج
  • ٠٦:٢٠
  • الجمعة , ١٣ يونيو ٢٠٢٥
English version

كاتب مُزعج ومُثير للإزعاج

مقالات مختارة | د. رامي عطا صديق

١١: ٠٨ م +03:00 EEST

الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥

د. رامي عطا صديق
د. رامي عطا صديق

 د. رامي عطا صديق

منذ عدة أيام، حلت علينا الذكرى الثالثة والثلاثون لاستشهاد الكاتب والمفكر الكبير الدكتور فرج فودة (من مواليد ٢٠ أغسطس ١٩٤٥م)، وقد راح ضحية الإرهاب الغادر يوم ٨ يونيو ١٩٩٢م، وغدًا تحتفل الجمعية المصرية للتنوير- التى كان قد أسسها قبيل استشهاده- بهذه الذكرى، التى يتجدد معها دور المثقف فى المجتمع، من حيث المشاركة فى التوعية والتثقيف وتنوير العقول، والمُساهمة فى عملية بناء الإنسان/ المواطن بناءً حديثًا وعصريًا، من أجل تحقيق الصالح والخير العام.

 

كان الدكتور «فرج على فودة» قد استُشهد برصاص الإرهابيين، الذين قتلوه، لا لأنه ارتكب جُرمًا، ولا لأنه أخطأ فى حق المجتمع والناس، ولكن لأنه اختلف معهم فى الرأى، ولم يكن يرضى بالتبعية لمن ينتهجون سياسة «لا تفكر وإنما نحن نفكر لك»، بل كان يبحث ويقرأ ويفكر ويستنتج ويعمل عقله، يتطور وينمو ولكنه لا يتلون، وهو الذى لم يكن يسعى لتحقيق مصلحة شخصية، ولم تكن حركته فى المجال العام من أجل أهواء ذاتية، ولم يكن باحثًا عن شهرة أو منصب أو جاه أو مال، وإنما تملكته رغبة شديدة فى خدمة هذا الوطن الذى انتمى إليه قولًا وعملًا، مؤمنًا بدوره ككاتب ومفكر فى حركة التثقيف والتوعية والتنوير.

 

وفى تقديرى أن الدكتور فرج فودة كان واحدًا من المثقفين الأصلاء والمفكرين القلائل، الذين امتلكوا الكثير من الشجاعة والجرأة فى التعبير عن آرائهم وعرض أفكارهم، حيث رفع الصوت عاليًا فى مواجهة كل تشدد وتطرف، ورفض العنف والتعصب، ومقاومة كل أشكال البغض والكراهية، ولم يكن فى مواقفه وكتاباته يخشى لومة لائم، كما أنه لم يتراجع أمام انتقاد منتقد، ولم يستسلم أمام أى ضغوط أو تهديدات.

 

من بين المواقف الإنسانية التى مر بها هو أنه ذات يوم أعد احتفالًا بعيد ميلاد ابنه، ولكن لم يحضر أصدقاء الابن بإيعاز من آبائهم، الذين رفضوا أن يكون ابن فرج فودة صديقًا لأبنائهم! فما كان من الأب إلا أن كتب إهداء كتابه «نكون أو لا نكون» لزملاء وأصدقاء الابن، وقال فيه: «إلى زملاء ولدى الصغير أحمد الذين رفضوا حضور عيد ميلاده، تصديقًا لمقولة آبائهم عنى... إليهم حين يكبرون، ويقرأون، ويدركون أننى دافعت عنهم وعن مستقبلهم وأن ما فعلوه كان أقسى علىَّ من رصاص جيل آبائهم..».

 

آمن الدكتور فرج فودة بالدولة المدنية الحديثة التى تؤمن بالفصل بين الدين والسياسة، فلا يوظف الدين فى السياسة ولا توظف السياسة فى الدين، لأن توظيفهما بهذا المعنى يضر السياسة ويضر الدين، والربط بينهما يعنى الرجوع خلفًا، وكان يردد دائمًا «إن حضارة العصر لا تتسع لدولة دينية.. فى وقت يتقدم فيه العالم إلى الأمام»، وكان يقول إن «الدين أعز من أن يُقحم فى السياسة»، لذا لم يكن غريبًا أن يعتبره البعض شخصًا مُزعجًا، وكان هو يعترف بهذا الإزعاج ولا ينكره، فكان يقول عن نفسه إنه «كاتب مُزعج ومُثير للإزعاج».

 

آمن بالوحدة الوطنية بين المصريين، على الرغم من تنوع الانتماء الدينى فيما بينهم، باعتبارها الرابطة القوية التى تربط بين أبناء الوطن الواحد، من المسلمين والمسيحيين، وأن مصر وطن واحد يتسع للجميع دون استثناء ودون استبعاد لأى من مكونات الجماعة الوطنية المصرية، مؤكدًا مبدأ المواطنة، حيث المشاركة والمساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات دون تفرقة ودون تمييز، وما يرتبط بمبدأ المواطنة من قيم أخرى منها المحبة والتسامح والتعاون والعيش المشترك والسلام الإيجابى واحترام الآخر وقبوله، بالإضافة إلى دولة القانون التى يتساوى فيها جميع المواطنين، وغيرها من قيم إيجابية ترتبط بعضها ببعض.

 

وكان الدكتورة فرج فودة يقابل الرأى بالرأى، والفكر بالفكر، والحجة بالحجة، مؤمنًا بالحق فى الاتفاق والحق أيضًا فى الاختلاف، ما يسمح بانتشار قيم الاستنارة وأدوات التحديث، ما ظهر فى مقالاته ومؤلفاته وندواته، والكثير من مشاركاته الثقافية، فى الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية ومعرض القاهرة الدولى للكتاب..، وكان يحضرها كثيرون من الشباب.

وبالإجمال كان الدكتور فرج فودة صاحب مشروع نهضوى، وصاحب مدرسة فكرية، كما كان كاتبًا مبتكرًا، يفكر بشكل مبدع، غير نمطى وغير تقليدى.

 

 

فى ذكرى استشهاده، رحم الله الشهيد الدكتور فرج فودة، بقدر ما أعطى وبقدر ما قدم لهذا الوطن، وبقدر ما اجتهد وناضل وكتب وفكر، قد نتفق معه وقد نختلف، وهى بالطبع حالة طبيعية وظاهرة صحية تميز المجتمعات المتحضرة والناهضة، وهو بالتأكيد يستحق منا كل احترام وإجلال وتقدير.

نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع