
“الدنيا مطارتش”: رواية - حدثت بالفعل - يوم حريق سنترال رمسيس
محرر الأقباط متحدون
الاربعاء ٩ يوليو ٢٠٢٥
محرر الأقباط متحدون
قال محدثي: البداية يومٍ عادي، ثم توقف العمل لفترة من الوقت كنت أحسبها لن تطول بسبب حريق سنترال رمسيس، فقررت أن أستغل الوقت في تناول الغداء بمطعم صغير في حي الدقي. دخلت كعادتي، طلبت طعامي، وجلست آكل دون تفكير كبير، فالخدمة الإلكترونية متاحة دومًا، ومحفظتي الرقمية في هاتفي تكفيني.
لكن فجأة، اتصل بي أحد الأصدقاء، ليخبرني أن أنظمة البنوك جميعها تعطّلت، وليست هناك ماكينة صرف أو بطاقة ائتمانية تعمل. لم أُصدق للوهلة الأولى، لكن نظري وقع على سحب الدخان المتصاعد من جهة رمسيس، وقد بات واضحًا في سماء الدقي. حينها فقط، بدأت أستوعب حجم المشكلة.
انتهيت من الطعام، وحاولت الدفع ببطاقتي، فوجدت الأجهزة الإلكترونية في المطعم كلها متوقفة. نظرنا إلى بعضنا نحن الزبائن بدهشة وقلق، فمن منا كان مستعدًا لهذا؟
ولكن المفاجأة كانت في موقف مدير المطعم، الذي بكل هدوء قال: “الدنيا مطارتش.. لما النظام يرجع ابقوا حولولنا الفلوس”، ثم أشار لنا بالخروج دون أن يعرف أسماءنا أو يضمن شيئًا.
غادرت وأنا لا أحمل إلا امتنانًا لرجل لم أطلب منه شيئًا، لكنه اختار أن يكون إنسانًا.
واصلت يومي بين اجتماعات وأحاديث مع الأصدقاء، الذين هم أيضًا وقعوا في نفس الأزمة. كنا نجلس على “قهوة بلدي”، وبيننا من يملك نقود نقدية دفع عن الجميع، والضحك لا يزال موجودًا رغم الضيق.
ومع حلول الليل، أردت العودة إلى منزلي. لم أكن أملك سيارة، فطلبت توصيلة عبر تطبيق “اندرايف”، وذهبت أسحب بعض المال من أقرب ماكينة ATM، لكن لا واحدة تعمل. اعتذرت للسائق بأدب، وشرحت له الموقف، منتظرًا أن يغادرني في صمت.
لكنه بدلًا من الرحيل، قال لي بكل بساطة: “الدنيا مطارتش، بس مينفعش أسيبك كده.. اركب، وابعت الفلوس بعدين”. كانت هي نفس الكلمات التي سمعتها صباحًا من مدير المطعم، وكأنها شعار خفي لهذا الشعب العظيم.
ذاك اليوم، لم أدفع جنيهًا واحدًا، ومع ذلك أكلت، تحركت، وحظيت بدفء تعاملات لا يقيّمها مال. لم أكن أحتاج إلى دليل جديد على طيبة الناس في مصر، لكن التجربة هذه المرة لم تكن عن لطف فردي، بل عن ثقافة مجتمع يعرف معنى الوقوف مع الآخر.
ويختم الرجل حكايته قائلا: هذا الشعب الذي يثبت كل مرة أصالته وقدرته على الصبر والتراحم، يستحق حياة بحجم طيبته.