
البابا لاوُن الرابع عشر يترأس أول قداس من أجل العناية بالخليقة في قرية "كن مسبَّحا"
محرر الأقباط متحدون
الخميس ١٠ يوليو ٢٠٢٥
محرر الأقباط متحدون
الفاتيكان - في قرية "كن مسبَّحا" التي تأسست بمبادرة من البابا فرنسيس احتفل البابا لاوُن الرابع عشر الأربعاء بأول قداس من أجل العناية بالخليقة مشددا على أهمية الارتداد.
ترأس البابا لاوُن الرابع عشر صباح الأربعاء ٩ تموز يوليو في كاستيل غاندولفو قداسا إلهيا من أجل العناية بالخليقة، وذلك في قرية "كن مسبَّحا" التي تأسست بمبادرة من البابا فرنسيس كفسحة للتكوين والتحسيس على حماية بيتنا المشترك. وفي بداية عظته قال الأب الأقدس إنه يريد دعوة الجميع، بداية منه هو شخصيا، إلى عيش ما نحتفل به في جمال كاتدرائية يمكن وصفها بالطبيعية مع النباتات وعناصر الخليقة الكثيرة التي جيء بها إلى هنا، ما يعني الشكر للرب. وتابع أن هناك الكثير في هذا الاحتفال الإفخارستي مما نريد أن نشكر الرب عليه، فهذا الاحتفال قد يكون الأول الذي يُستخدم فيه النموذج الجديد من الصلوات الخاصة بالقداس من أجل العناية بالخليقة، نموذج هو ثمرة عمل دوائر فاتيكانية عديدة. وأراد قداسته توجيه الشكر إلى جميع من عملوا من وجهة النظر هذه، وسلك الضوء على أن الليتورجيا تمثل الحياة، وأنتم الحياة في مركز "كن مسبَّحا" هذا، قال البابا. ووجه الشكر إلى الجميع في هذه اللحظة وفي هذه المناسبة على كل ما تقومون به، أضاف البابا، انطلاقا من تحفيز البابا فرنسيس الذي أعطى هذه الحدائق والمساحات من أجل مواصلة رسالة هامة تتعلق بكل ما نعرف اليوم بعد سنوات عشر على صدور الرسالة العامة "كن مسبَّحا"، أي ضرورة العناية بالخليقة، البيت المشترك.
أشار الأب الأقدس بعد ذلك إلى أن مَن يدخل هذه الكاتدرائية عليه أن يمر أولا بالمياه، وهذا رمز لضرورة أن نغتسل من خطايانا وضعفنا كي ندخل سر الكنيسة الكبير. ثم ذكَّر البابا لاوُن الرابع عشر بأننا في بداية هذا القداس قد صلينا من أجل ارتدادنا، وأريد أن أضيف، قال قداسته، أن علينا الصلاة من أجل ارتداد أشخاص كُثر داخل الكنيسة وخارجها لا يدركون بعد الحاجة الملحة إلى العناية بالبيت المشترك. وتابع أننا نشهد في العالم يوميا تقريبا وفي كل مكان كوارث طبيعية كثيرة هي جزئيا نتيجة لمبالغة الإنسان وأسلوب حياته، ولهذا علينا أن نتساءل إن كنا نحن أنفسنا نعيش أم لا هذا الارتداد، وهذا أمر هناك حاجة كبيرة إليه. قال البابا.
ثم تحدث الأب الأقدس في عظته في هذا القداس الأول من أجل العناية بالخليقة عن عالم يحترق حسبما ذكر، سواء بسبب ارتفاع حرارة الأرض أو جراء النزاعات المسلحة والتي تجعل آنية رسالة البابا فرنسيس في وثيقتَي "كن مسبَّحا" و" Fratelli tutti". وتابع البابا لاوُن الرابع عشر أن مخاوف التلاميذ أمام العاصفة والتي يُحدثنا عنها الإنجيل، هي مخاوف جزء كبير من البشرية، إلا أننا نؤمن ونحن في قلب اليوبيل أن هناك رجاء، رجاء التقيناه في يسوع، مخلص العالم. وأضاف أن قوة يسوع لا تدمِّر بل تخلق، تهب حياة جديدة. ونتساءل، واصل الأب الأقدس مستعيرا من إنجيل القديس متى: "مَن هذا حتَّى تُطيعَه الرِّياحُ والبَحر؟" (متى 8، 27).
وتابع البابا لاوُن الرابع عشر أن الاندهاش الذي ينقله هذا التساؤل هو الخطوة الأولى التي تجعلنا نخرج من الخوف. وقال قداسته إن يسوع قد سكن وصلى عند بحيرة طبرية، وهناك دعا تلاميذه الأوائل في أماكن حياتهم وعملهم. وتكشف الأمثال التي كان يستخدمها لإعلان ملكوت الله رباطا عميقا بين هذه الأرض، هذه المياه، وإيقاع الفصول وحياة الخلائق.
وعاد قداسة البابا إلى حديث القديس متى في الإنجيل عن العاصفة مشيرا إلى وصفه العاصفة باضطراب شديد، وقد استخدم متى الإنجيلي الكلمة نفسها في حديثه عن تزلزل الأرض لحظة موت يسوع وفجر قيامته. وتابع الأب الأقدس أن أمام هذا الاضطراب المسيح ينهض، يقوم، وهكذا فإن الإنجيل يجعلنا نرى القائم حاضرا في تاريخنا المضطرب. وأضاف البابا أن يسوع قد زجر الرياح والبحر مظهرا قوة الحياة والخلاص التي تغلب تلك القوى التي تشعر المخلوقات امامها بالضياع.
ونعود مجددا إلى التساؤل "مَن هذا حتَّى تُطيعَه الرِّياحُ والبَحر؟"، قال البابا لاوُن الرابع عشر وواصل أن الإجابة على هذا السؤال يبدو أننا نجدها في كلمات القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل قولوسي: "هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى وبِكْرُ كُلِّ خَليقَة. ففيه خُلِقَ كُلُّ شيَء مِمَّا في السَّمَواتِ ومِمَّا في الأَرْض" (قول ١، ١٥-١٦). وواصل الأب الأقدس أن التلاميذ في ذلك اليوم أمام العاصفة ووسط الخوف لم يتمكنوا بعد من الإيمان بوصف يسوع هذا، أما نحن اليوم وبفضل الإيمان الذي نُقل إلينا فيمكننا أن نواصل كما كتب القديس بولس في رسالته: "وهو رَأسُ الجَسَد أي رَأسُ الكَنيسة. هو البَدْءُ والبِكْرُ مِن بَينِ الأَموات لِتَكونَ لَه الأَوَّلِيَّةُ في كُلِّ شيَء" (قول ١، ١٨). هذه كلمات ملزِمة بالنسبة لنا عبر التاريخ، كلمات تجعل منا جسدا حيا، جسدا رأسه المسيح، قال قداسة البابا وتابع أن رسالتنا للعناية بالخليقة وكي نحمل لها السلام والمصالحة هي رسالة المسيح، الرسالة التي أوكلها إلينا. وواصل قداسته أننا نصغي إلى صرخة الأرض والفقراء لأن هذه الصرخة تبلغ قلب الله. غضبنا هو غضبه وعملنا هو عمله، أضاف البابا.
ثم أراد الأب الأقدس التذكير بما كتب صاحب المزامير "صوت الرب على المياه، إله المجد أرعد. الرب على المياه الغزيرة. صوت الرب بالقوة، صوت الرب بالبهاء" (مز ٢٩، ٣-٤). وواصل أن هذا الصوت يُلزم الكنيسة بالنبوة، كما ويحشد العهد بين الخالق والمخلوقات ذكاءنا وجهودنا كي يتحول الشر إلى خير والظلم إلى عدل والجشع إلى شركة. بمحبة لا تنتهي خلق الله كل شيء واهبا إيانا الحياة، قال قداسة البابا، ولهذا يدعو القديس فرسيس الأسيزي الخلائق الأخ والأخت والأم. وذكَّر قداسته هنا بما كتب البابا فرنسيس في الرسالة العامة "كن مسبَّحا" حول كون النظرة التأملية وحدها هي القادرة على أن تغير علاقتنا مع المخلوقات وأن تُخرجنا من الأزمة الإيكولوجية التي يعود سببها إلى انقطاع العلاقة مع الله والقريب والأرض بسبب خطيئتنا.
وتابع البابا لاوُن الرابع عشر أن قرية "كن مسبَّحا" التي نحن فيها اليوم تريد أن تكون، حسبما أراد البابا فرنسيس، مختبرا يعاش فيه ذلك التناغم مع الخليقة الذي هو بالنسبة لنا شفاء ومصالحة، من خلال صياغة أشكال جديدة وفعالة لحماية الطبيعة التي أوكلت إلينا. وأكد قداسته في هذا السياق للعاملين بالتزام على تحقيق هذا المشروع صلاته وتشجيعه. وأضاف أن الإفخارستيا التي نحتفل بها تعطي معنى وتعضد عملكم، قال البابا، وذكَّر مجدَّدا بكلمات سلفه البابا فرنسيس في الرسالة العامة "كن مسبَّحا" في الإفخارستيا تجدُ الطبيعةُ سموّها الأعظم. فالنعمة، التي تميل إلى الظهور بشكلٍ حساس، تبلغُ تعبيرًا رائعا حين يصل الله نفسه، الذي صار بشرا، إلى أن يجعل من نفسه غذاءً لخليقته. لقد أراد الربُّ، في قمّة سّر تجسده، بلوغ أعماقِنا من خلالِ كسرة من مادة لا من أعلى، بل من الداخل، حتى نتمكّن من اللّقاء به في عالمنا.
ومن هذا المكان أريد أن أختم أفكاري، قال البابا لاوُن الرابع عشر في ختام عظته، مانحا الكلمة للقديس أغسطينوس والذي وفي الصفحات الأخيرة من "الاعترافات" يربط بين الأشياء المخلوقة والإنسان في تسبيح كوني، حين قال للرب: أعمالك تسبحك كي نحبك، ونحن نحبك كي تسبحك أعمالك. وختم قداسة البابا: فليكن هذا التناغم الذي ننشره في العالم.