
شيخ الأزهر: سلطة دينية تتجاوز الدولة؟
شريف منصور
الاربعاء ١٦ يوليو ٢٠٢٥
بقلم شريف منصور
من حيث الشكل، مصر جمهورية رئاسية، ومن حيث الدستور، السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية. ولكن، من حيث الواقع، يبرز سؤال خطير: فهل أصبح شيخ الأزهر هو الحاكم الفعلي فيما يخص التشريع، والهوية، والتوجه العام للدولة؟
عندما تقرر الدولة إصدار قانون يخص الأحوال الشخصية، لا يُنظر أولاً إلى رأي البرلمان أو المجتمع المدني، بل تُحال المسودة إلى الأزهر. وإذا اعترض الأزهر، يتوقف كل شيء.
وعندما تثار قضية المساواة بين المسلم والمسيحي، لا يُرجع الأمر إلى الدستور، بل إلى “الثوابت الإسلامية” كما يراها الأزهر.وحين يُطرح ملف تجديد الخطاب الديني، يرفضه شيخ الأزهر جهاراً نهاراً، وتُطوى الصفحات احترامًا له.
لقد تحوّل الأزهر من مؤسسة دينية تعليمية إلى دولة داخل الدولة، لها سيادتها، وجهازها، وميزانيتها، وتدخلها العلني والخفي في كل مناحي الحياة. بل إن شيخ الأزهر أصبح فوق المساءلة، وفوق النقد، وفوق التغيير.
فهل الدولة المصرية تخشى مواجهة الأزهر؟
هل تخشى غضب الشارع الذي تم تدجينه بأن الأزهر هو “الخط الأحمر”؟ وهل أصبح منصب شيخ الأزهر أقوى من منصب رئيس الوزراء نفسه؟
أين الدولة المدنية؟
لا يمكن الحديث عن دولة مدنية حديثة بينما مؤسسة دينية تحتكر تفسير الدين وتفرضه على القوانين والتعليم والإعلام.
من يرفض شهادة المسيحي أمام المحاكم؟ من يمنع مسيحياً من أن يصبح رئيسًا أو قاضيًا أو حتى عميدًا؟ من يعترض على تغيير الديانة من الإسلام إلى المسيحية؟ من يُصر على أن الإسلام هوية الدولة الوحيدة؟ الإجابة: الأزهر ومؤيدوه في السلطة.
لماذا تستسلم الدولة للأزهر؟
يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا استسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا النفوذ المتصاعد لشيخ الأزهر؟
بل لماذا عزّز هذا النفوذ بإعطاء وزارة الأوقاف دورًا سياسيًا ودعويًا يخدم المؤسسة الدينية بدلاً من الدولة؟
وزارة الأوقاف، التي من المفترض أن تكون مسؤولة عن إدارة شؤون المساجد، أصبحت أداة طيّعة في يد الأزهر، وذراعًا تنفيذية لسياساته.
أما وزير الأوقاف، فليس أكثر من ظلّ لشيخ الأزهر، يقبّل يده علنًا أمام الكاميرات، ويرضخ لتعليماته، بل ويزايد في الطاعة، حتى بات مسؤولون سياسيون وبرلمانيون يتزاحمون لتقبيل يد الشيخ نفاقًا وخنوعًا، قبل أن يفعلها العامة.
هذا المشهد المهين ليس مجرد مجاملة دينية، بل هو تعبير صريح عن تفوق سلطة المؤسسة الدينية على سلطة الدولة.
لم نر وزيرًا يركع لشيخ الأزهر إلا عندما قررت السلطة أن توظف الدين لتثبيت حكمها، فكان الثمن هو إطلاق يد الأزهر في كل شيء.
لكنّ التاريخ يعلمنا أن الوحش الديني حين يُطلق، لا يعود إلى قفصه بسهولة.
لماذا يذهب كل وزير جديد لزيارة شيخ الأزهر؟
ظاهرة غريبة تحوّلت إلى طقس رسمي غير مكتوب: كل وزير جديد في مصر، بغض النظر عن وزارته، يهرع إلى زيارة شيخ الأزهر فور تعيينه.
وزراء التعليم، والشباب، والثقافة، بل حتى وزراء الدولة للهجرة، لا يكتفون بإرسال برقيات التهاني، بل يصطفون في مكاتب المشيخة طلبًا “للمباركة”، وكأنهم نالوا التكليف من الإمام وليس من رئيس الجمهورية!
ولعل المثال الصارخ كان عندما قالت وزيرة الهجرة السابقة نفاقًا إن “شيخ الأزهر مثل أبي”.
ما علاقة مؤسسة الهجرة بشيخ الأزهر؟ وما علاقة المشاعر العائلية بالمؤسسات الدستورية؟ إنه إذعانٌ مفضوحٌ لما تمثله هذه المؤسسة من سلطة فوق الدولة.
إن هذا الانبطاح ليس مجاملة اجتماعية، بل ترسيخ لمرجعية دينية تتعالى على الدستور، وتسيّس الدين بدل أن تحيّده.
من ينتخب شيخ الأزهر؟
الطامة الكبرى أن شيخ الأزهر لا يُنتخب من الشعب، ولا يخضع لرقابة البرلمان، ولا تنطبق عليه حدود المدة أو آليات العزل.
بل يتم تعيينه، ويبقى في منصبه مدى الحياة، ويمارس نفوذه على مؤسسات الدولة كافة، من التعليم إلى الإعلام، ومن القضاء إلى التشريع.
خاتمة: الأزهر سلطة فوق الدستور
إن السؤال “هل شيخ الأزهر يحكمنا؟” لم يعد مجرد سؤال صحفي بل صرخة وطنية ضد تغوّل السلطة الدينية في بلد يُفترض أنه يقوم على مبادئ الجمهورية والدستور والمواطنة.
فإذا كانت مصر دولة مدنية فعلاً، فلتثبت ذلك.
وليكن الأزهر مرجعية لمن يشاء، لا سلطة تُفرض على الجميع.