
الخونة للقومية المصرية: الأزهر وتحالف الحكومات مع جماعات الإسلام السياسي
شريف منصور
الثلاثاء ٢٢ يوليو ٢٠٢٥
شريف منصور
منذ سقوط الملكية وبداية عهد الجمهورية في مصر، تآمر تحالف غير مقدس على محو الهوية المصرية لصالح مشروع تعريبي إسلامي لا يمتّ بصلة لجذور الأمة. في مقدمة هذا التحالف كان الأزهر، المؤسسة التي كان يُفترض أن تمثل روح الاعتدال والعقلانية، فإذا بها تتحول إلى رأس الحربة في مشروع سلخ المصريين عن أصلهم الفرعوني القبطي وإلحاقهم بهوية مستوردة من شبه الجزيرة العربية.
الأزهر: من مؤسسة علم إلى أداة تعريب وتحريض
تحوّل الأزهر، منذ خمسينيات القرن الماضي، إلى مؤسسة تؤدي دورًا سياسيًا أكثر من دورها الديني أو العلمي. ففي عهد جمال عبد الناصر، تم تأميم الأزهر وتحويله إلى ذراع للدولة، لكن مع الإبقاء على توجهه المحافظ والمتعصب في قضايا الهوية والدين. سُمح له بالسيطرة على التعليم الديني، ومن خلال ذلك بدأ مشروعه في تعريب الشخصية المصرية وقمع كل تعبير عن الهوية القبطية أو الفرعونية.
ولم يكتفِ الأزهر بالتعريب، بل مارس تحريضًا مباشرًا ضد الأقباط، بشكلٍ علنيّ ومستمر، رغم كل التصريحات السياسية التي تحاول تغليف هذا التحريض بلغة المساواة والتسامح. ولكن الواقع يفضح النوايا: فخطب الجمعة، ومناهج التعليم، وفتاوى الأزهر الرسمية، كلها تسير في اتجاه اعتبار المسيحيين “أهل ذمة” لا يحق لهم الولاية، ولا قيادة المجتمع، ولا المساواة التامة في الحقوق.
فما معنى أن يُدرّس في الأزهر حتى اليوم أن “المسيحي لا ولاية له على مسلم”، أو أن “بناء الكنائس منكر شرعي يُكره في الإسلام”؟ هذه ليست زلات فردية، بل مواقف عقائدية ممنهجة. والمؤسسة ترفض أي إصلاح حقيقي في مناهجها، رغم كل النداءات والمبادرات، لأنها ترى في ذلك مساسًا بـ”ثوابت الدين”، وهي الثوابت التي تتصادم مع كل مبدأ وطني وإنساني.
أما التصريحات السياسية التي تخرج بين الحين والآخر، من قبيل “المواطنة” و”الوحدة الوطنية”، فهي لا تتعدى كونها لغوًا إعلاميًا مفرغًا من أي مضمون، يُستخدم فقط للترويج الخارجي وتجميل وجه السلطة، بينما في العمق، لا شيء يتغير، بل تزداد الأمور سوءًا.
⸻
مناهج الأزهر: منبع للتعصب ومنجم للكراهية
المناهج التي تُدرَّس في المعاهد الأزهرية والجامعات التابعة لها، لا تزال حتى اليوم تحتوي على مضامين خطيرة تُشرعن العنف، وتُحقّر من غير المسلمين، وتُكرّس دونية المرأة، وتحظر النقد العقلي للدين أو التراث. هذه المناهج تُدرَّس لمئات الآلاف من الطلاب سنويًا، ويخرج منها أئمة وخطباء ومدرسون، ينقلون ذات الفكر للمجتمع.
تُدرّس في هذه المناهج كتب مثل “الشرح الكبير” و”الاقتراح” و”فتح المعين”، وكلها مليئة بفتاوى تقسم المواطنين إلى درجات بحسب الدين، وتروّج لفكرة الجهاد ضد غير المسلمين، وتُحرّم التعامل معهم إلا للضرورة، وتمنع عنهم التساوي في الحقوق.
كيف يمكن لدولة تدّعي احترام المواطنة أن تسمح بتدريس هذه النصوص في مدارسها وجامعاتها؟ وكيف يمكن أن ننتظر مجتمعًا سليمًا من الكراهية، ونحن نزرع في عقول أبنائه هذا السمّ يوميًا؟!
⸻
الحكومات المتعاقبة: تواطؤ وصمت وربما مشاركة
لم تكن الحكومات المصرية بمعزل عن هذه الخيانة. فمن عبد الناصر، الذي رفع شعار “العروبة” فوق كل انتماء وطني، إلى أنور السادات الذي تحالف مع الإخوان، إلى حسني مبارك الذي سمح للسلفيين بغزو العقول في المساجد والإعلام، وصولًا إلى عبد الفتاح السيسي، الذي رغم ادعائه الحرب على “الإرهاب”، يواصل دعم الأزهر والترويج له كرمز وطني.
السيسي لم يتخذ موقفًا صريحًا ضد فكر الأزهر المتطرف، بل زاد من دعم الدولة له ماديًا وسياسيًا، بينما يُقصى المفكرون الوطنيون ويُحاصر كل من يدعو إلى إعادة الاعتبار للهوية المصرية الأصلية.
⸻
جماعات الإسلام السياسي: الإخوان والسلفيون ونسلهم المتجدد
الإخوان المسلمون، الذين أسّسهم حسن البنا عام 1928، كان مشروعهم واضحًا: بناء أمة إسلامية عابرة للحدود، لا تعترف بالقومية ولا بالهوية الوطنية. بعدهم جاءت الجماعات السلفية، ومن ورائهم عشرات التيارات التي تنظر إلى مصر على أنها مجرد أرض من أراضي الإسلام، لا خصوصية لها ولا قومية تميزها.
هؤلاء، بالتعاون مع الأزهر أو تحت سمعه وبصره، غزوا المدارس، والمناهج، والمنابر، والإعلام، وروّجوا لثقافة الكراهية ضد كل ما هو مصري أصيل: ضد الأقباط، ضد اللغة القبطية، ضد الحضارة الفرعونية، وضد الفن والعقل والنقد.
⸻
النتيجة: هوية مسلوبة وشعب في أزمة انتماء
بعد أكثر من سبعين عامًا من هذه الخيانة المستمرة، يقف المصري اليوم أمام مرآة لا يرى فيها ذاته. لا يعرف إن كان فرعونيًا، قبطيًا، عربيًا، أم مجرد تابع لثقافة بُنيت على الوهم الديني. أصبحت مصر غريبة في أرضها، تائهة بين شعارات “الأمة الإسلامية” و”الهوية العربية”، بينما يُقمع صوت كل من يجرؤ على تذكيرها بأنها مصرية أولًا وأخيرًا.
⸻
الختام: استعادة الهوية واجب وطني
من واجب كل وطني مخلص أن يفضح هذا التحالف المشين بين الأزهر، وجماعات الإسلام السياسي، والحكومات المتعاقبة. يجب أن نعيد الاعتبار للهوية المصرية، وأن نسترد ما سُرق منا من ذاكرة وانتماء. فالقومية المصرية ليست مشروعًا طائفيًا أو معاديًا للإسلام، بل هي صرخة حق في وجه من يريدون تحويل مصر إلى مستعمرة فكرية وثقافية باسم الدين.