
الكاردينال بارولين: الحرية الدينية ركيزة الكرامة الإنسانية وأساس العدالة والسلام في العالم
محرر الأقباط متحدون
الثلاثاء ٢١ اكتوبر ٢٠٢٥
محرر الأقباط متحدون
شارك أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين في لقاء عُقد في روما لمناسبة تقديم التقرير السنوي لهيئة "مساعدة الكنيسة المتألمة" حول أوضاع الحريات الدينية في العالم لعام ٢٠٢٥، وألقى مداخلة توقف فيها عند أهمية الدفاع عن الحريات الدينية وذلك في ضوء تعاليم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما سلط الضوء على الرابط القائم بين الحرية الدينية ومبادئ بالغة الأهمية، في طليعتها العدالة والسلام.
استهل نيافته المداخلة معرباً عن امتنانه للهيئة الكنسية على هذه المبادرة، التي وصلت هذا العام إلى نسختها الخامسة والعشرين، وأوضح أن التقرير ليس مجرد أداة للتحليل لكونه يشهد أيضا للمعاناة البشرية والصمود، ويعطي صوتا لمن لا صوت لهم، كما يقول البابا لاون الرابع عشر.
بعدها لفت نيافته إلى الاحتفال، هذا العام، بالذكرى السنوية الستين لصدور الإعلان المجمعي "في الكرامة البشرية"، وهي وثيقة تشكل ركيزة لنظرة الكنيسة إلى كرامة الإنسان والحرية وتؤكد على أن الحرية الدينية تتعلق بكل فرد وكل جماعة وهي جزء لا يتجزأ من الهوية المدنية والاجتماعية. وذكّر بأن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني شدد على أن "الحقيقة لا يمكن أن تفرض نفسها إلى من خلال حقيقتها الخاصة"، فمن هذا المنطلق إن الإيمان ليس أمرا يُفرض فرضاً على الآخرين بل لا بد أن يُعتنق بحرية ضمير. وهذا ما أكد عليه أيضا البابا الراحل بولس السادس.
تابع الكاردينال بارولين كلمته مشيراً إلى أن الوثيقة المجمعية المذكورة، والصادرة في العام ١٩٦٥، تدعو الكنيسة والمجتمع إلى احترام حق الإنسان في البحث عن الحقيقة والتمسك في حرية الضمير كجزء أساسي من الصورة الإلهية الموجودة داخل كل كائن بشري. لذا فلا يستطيع أي مجتمع أو أي حكومة أو أي فرد أن يقمع هذا البحث الصادق عن الحقيقة.
هذا ثم أكد المسؤول الفاتيكاني أن الحرية الدينية ليست حقا مطلقاً لا يعرف قيودا، بل هي حق متّزن ومسؤول، لأن الحرية الحقيقية تكون موجهة دائماً نحو الخير العام، ونحو نمو الجميع في إطار العدالة والسلام والاحترام المتبادل. وقال إن للسلطات الدينية الواجب الخلقي في تطبيق قوانين تحمي هذه الحرية وفي التأكد من أن ممارسة أي معتقد لا تتعارض مع حقوق الآخرين ولا تخل بالآداب العامة.
وتوقف الكاردينال باورلين عند نقاط ثلاث واردة في الوثيقة المجمعية "في الكرمة البشرية" ألا وهي: حماية حقوق المواطنين، تعزيز السلم العام والحفاظ على الآداب العامة. وشدد على أن هذه المقاربة هي موجهة نحو مجتمع يتعايش فيه الإيمان والعقل وحيث تشكل الحرية جسراً نحو الحقيقة والمحبة، لا إجازة لارتكاب الأخطاء وزرع الانقسامات.
لم تخلُ كلمات نيافته من الإشارة إلى المادة الثامنة عشرة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي تبنته منظمة الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، موضحا أن هذه المادة تتماشى مع الوثيقة المجمعية المذكورة، وهي تؤكد على أن لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والمعتقد، بما في ذلك الحق في تغيير الديانة والتعبير عن المعتقدات الدينية علنا. وقال إن هذه المادة تشكل درعاً خلقياً في وجه الأيديولوجيات التوتاليتارية التي أدت إلى المحرقة النازية، الهولوكوست، وفظائع أخرى. وتؤكد على أن المعتقد الديني هو حق عام وجماعي متربط ارتباطاً وثيقاً بالكرامة البشرية. ومع ذلك، لفت إلى أن تقرير هيئة "مساعدة الكنيسة المتألمة" يُظهر مدى هشاشة هذا الحق إزاء الاضطهاد واللامبالاة في مجتمعاتنا اليوم.
بعدها توقف أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان عند التقرير السنوي بشأن الحريات الدينية في العالم، لافتا إلى أن هذه الحرية تخضع لقيود في اثنتين وستين دولة، حيث يعيش خمسة مليارات وأربعمائة مليون شخص، أي ثلثي مجموع سكان الأرض. كما أن التقرير – تابع يقول – يعكس انتشار ظاهرة انعدام التسامح والقمع في عدد من البلدان والمناطق حول العالم. ولفت في هذا السياق إلى أن التقرير يمكن أن يوجِّه انتباه الجماعة الدولية نحو هذه المسألة الخطيرة، كما يحث المجتمعات على النظر في الانعكاسات السلبية، الروحية والخلقية، التي تترتب على إنكار هذا الحق الأساسي.
في ختام مداخلته شاء الكاردينال بارولين أن يذكّر بكلمات البابا لاون الرابع عشر الذي قال إن الحرية الدينية ليست من الكماليات، بل هي مسألة جوهرية، لأنها تصون الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. وبغياب هذه الحرية يتضرر النسيج الخلقي والاجتماعي، وتنشب الصراعات وينتشر القمع. وأضاف نيافته أن الحبر الأعظم يقول أيضا إن السلام الحقيقي يبقى مستحيلاً بغياب الحرية الدينية لجميع الشعوب، ويؤكد على أن ضمان هذا الحق ينبغي ألا يقتصر على الخطابات الرنانة إذ لا بد أن يُترجم إلى خطوات عملية على الصعيد القانوني والتربوي وفي الحياة اليومية. هذا ثم حث بارولين المؤمنين والحكومات على حد سواء على النظر إلى الحريات الدينية كحق كوني ومسؤولية مقدسة، كما أنها ركيزة للكرامة البشرية وحاميةٌ للضمير ومدخل للعدالة والمحبة والسلام الدائم بين الشعوب.