الأنبا توما يترأس قداس النذور الأولى للأخت كلارا هندي من راهبات أم المخلص بسوهاج
محرر الأقباط متحدون
الاثنين ٣ نوفمبر ٢٠٢٥
محرر الأقباط متحدون
ترأس أمس، نيافة الأنبا توما حبيب، مطران سوهاج للأقباط الكاثوليك'> إيبارشية سوهاج للأقباط الكاثوليك، قداس النذور الأولى للأخت كلارا هندي، من راهبات أم المخلص، بمشاركة الأب بيشوي عزمي.
وألقى صاحب النيافة عظته قائلًا: أيها الأحباء في المسيح، احتفلنا عيد جميع القديسين، ذلك العيد الذي يرفع أنظارنا إلى السماء، حيث جمع الله أبناءه القديسين، الذين عاشوا على الأرض مثلي ومثلكم، ولكنهم أحبوا الله بكل قلوبهم، وساروا في طريقه حتى النهاية.
هذا العيد لا يخص فئة قليلة، أو نخبة من المؤمنين، بل هو دعوة لكل واحد منا أن يعيش القداسة في حياته اليومية. فالقداسة ليست امتيازًا خاصًا بالكهنة، أو الرهبان، بل هي دعوة عامة لكل إنسان معمّد، لأن الرب يسوع قال: "كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم السماوي هو كامل" (متى 5: 48).
كثيرون يظنون أن القداسة بعيدة المنال، لكنها في الحقيقة مسيرة يومية في الحب والإخلاص. القديسون لم يكونوا ملائكة، بل بشر ضعفاء مثلنا. فيهم من سقط، لكنهم لم يستسلموا للسقوط. نرى في بطرس الرسول إنسانًا أنكر، وفي أوغسطينوس خاطئًا تائبًا، وفي تريزا الطفل يسوع قلبًا بسيطًا أحب الله في الأمور الصغيرة، القداسة تبدأ حين نسمح للنعمة أن تعمل فينا، ونقول من القلب: "يا رب، لستُ قديسًا، لكني أريد أن أحبك أكثر"، إذا أرادنا نكون قديسين لابد أن نعيش التصويبات، وهي دستور القداسة، "طوبى للمساكين بالروح"، من يعيش الاتكال على الله لا على ذاته، "طوبى لأنقياء القلوب"، من يعيش البساطة والنقاوة بلا خبث، طوبى لصانعي السلام"، من يسعى إلى المصالحة لا إلى الخصام، " طوبى للمضطهدين من أجل البر"، من لا يخاف أن يشهد للحق ولو تألم.
كل تطويبة هي طريق إلى السماء، لأن من يعيشها يشارك القديسين في فكر المسيح، وسيرته، وأيضًا اليوم نحتفل بعيد الموتى المؤمنين: اليوم تقف الكنيسة الجامعة في خشوع وصمت مقدّس، ترفع قلبها، وعيونها نحو السماء وهي تتذكّر أبناءها الذين سبقونا على درب الحياة، هؤلاء الذين ماتوا في الإيمان والرجاء والمحبة، لكنهم ما زالوا في مسيرة التقديس نحو مجد الله، نحن اليوم لا نحتفل بالحزن، بل بالرجاء، لا نحيي ذكرى الفقدان، بل نعلن إيماننا بأن الموت ليس الكلمة الأخيرة في حياة الإنسان المؤمن، بل هو عبور، هو "الفصح الثاني"، هو الباب الذي يُدخلنا إلى الحياة الأبدية.
إن كلمة الله اليوم تعزّينا، وتذكّرنا بما قاله الرب يسوع لمارتا أمام قبر أخيها لعازر: "أَنَا هُوَ القِيَامَةُ وَالحَيَاةُ. مَن آمَنَ بِي وَإِنْ مَاتَ فَسَيَحْيَا" (يو 11: 25).
بهذه الكلمات، كشف المسيح أن الموت لم يعد نهاية، بل طريق إلى اللقاء به. فالمسيح مات، وقام، وبقيامته غلب الموت، وأعطانا الرجاء بالحياة الجديدة.
من هنا، لا يمكن للمسيحي أن ينظر إلى المقابر كأماكن ظلام، بل كمحطات انتظار النور، لأن الذين يرقدون في المسيح ينتظرون القيامة المجيدة في اليوم الأخير.
الكنيسة تعلّمنا أن هناك ثلاث جماعات في جسد المسيح الواحد: الكنيسة المجاهدة على الأرض: نحن الذين لا نزال نجاهد ضد الخطيئة، ونسعى إلى القداسة
الكنيسة المتطهّرة في المطهر: النفوس التي أنهت مسيرة الحياة، لكنها ما زالت تتطهّر بمحبة الله، والكنيسة الممجَّدة في السماء: القديسون الذين بلغوا ملء الاتحاد بالله.
هؤلاء الثلاثة متحدون في شركة واحدة: شركة القديسين، حيث لا يوجد فاصل بين الأحياء، والأموات في المسيح.
الموت لا يستطيع أن يقطع رباط المحبة، لأن المحبة التي في المسيح أقوى من الموت.
لهذا نصلي من أجل موتانا، لأننا نؤمن أن صلواتنا، وأعمالنا الصالحة يمكنها أن تعينهم في رحلتهم نحو الكمال الإلهي. وفي المقابل، القديسون في السماء يشفعون فينا، يدعموننا، ويصلّون لأجل خلاصنا.
والاحتفال الثالث بنذور الأخت كلارا، من راهبات أم المخلص، كما اليوم نحتفل بعمل نعمة الله في قلب إنسانة اختارها المسيح لنفسه، لتكون عروسًا له، وشاهدة لحبه في العالم. إن النذور ليست مجرد كلمات، بل هي تعبير عن عطية حياة كاملة للمسيح الذي أحبها أولًا.
وأوضح الأب المطران معنى النذور الثلاثة: النقطة الأولى: نذر العفة: حب كامل ومكرَّس للمسيح، العفة ليست رفضًا للحب، بل هي اختيار للحب الكامل، حب لا يُقسَّم ولا يتوقف عند حدود بشرية، الراهبة بنذرها العفة تقول ليسوع: أنت نصيبي وميراثي، فهي تُصبح علامة حيّة على أن الله وحده يكفي، وأن القلب البشري لا يجد سلامه الحقيقي إلا في حب الله، كما يقول القديس أوغسطينوس: قلبي لا يهدأ حتى يستريح فيك يا الله.
النقطة الثانية: نذر الفقر: الحرية في الله نذر الفقر ليس حرمانًا، بل تحررًا من عبودية الماديات، لكي تكون الراهبة غنية بالله وحده، هي تضع ثقتها الكاملة في عناية الآب السماوي الذي يُطعم طيور السماء، ويكسو زنابق الحقل
الفقر الإنجيلي يجعلها تشارك المسيح الذي "افتقر وهو الغني لكي يُغنينا بفقره"(2 كور 8:9)، وتشهد أن قيمة الإنسان ليست بما يملك، بل بما هو في نظر الله.
النقطة الثالثة: نذر الطاعة: اشتراك في طاعة المسيح حتى الصليب الطاعة هي تاج النذور، لأنها تُعبّر عن الاتحاد الكامل بالمسيح الطائع حتى الموت، الراهبة تضع مشيئتها بين يدي الله من خلال رؤسائها، لتقول كل يوم: "لتكن مشيئتك لا مشيئتي” هذه الطاعة ليست ضعفًا، بل قوة الإيمان الذي يثق أن الله يعمل كل شيء للخير، ومن خلال الطاعة، تصبح الراهبة أداة طيّعة في يد الرب، تُنير العالم بسلامه ومحبته.
إذن، في نذورها الثلاثة، تعلن الراهبة للعالم أن الله حيّ، وأن المسيح يستحق أن يُعطى له كل شيء، فليكن نذرها اليوم دعوة لنا جميعًا أن نُجدّد أمانتنا لله في حالتنا الخاصة، وأن نسير وراء المسيح بمحبة وبساطة القلب.
وبهذه المناسبة، يهنئ المكتب الإعلامي الكاثوليكي بمصر، الأخت كلارا هندي، كما يتمنى لها حياة مكرسة مباركة، بمعونة وإرشاد الروح القدس.
