الأقباط متحدون - في مِثل هذا اليوم: الاختيار الإلهي
  • ١١:١٨
  • الثلاثاء , ٤ نوفمبر ٢٠٢٥
English version

في مِثل هذا اليوم: الاختيار الإلهي

القمص يوحنا نصيف

مساحة رأي

٠٣: ٠١ م +02:00 EET

الثلاثاء ٤ نوفمبر ٢٠٢٥

القمص يوحنا نصيف
    لا شكّ أن اختيار مثلّث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث للجلوس على كرسي مارمرقس كان اختيارًا إلهيًّا.. وفي مُدّة حبريته المباركة امتدّت الكنيسة في داخل وخارج مصر، ونما الشعب المسيحي في محبّة الله وفي المعرفة الروحيّة وفي الارتباط بالكنيسة بدرجة هائلة..

    لعلّ أحد أهم أسباب هذا النجاح العظيم لخدمة قداسة البابا شنودة الثالث أنّه كان يهتمّ جدًّا باختيار الأساقفة والكهنة الذين يملأ بهم حقول الخدمة، فكان يختار من أفضل وأكفأ الخدّام ليكونوا في موضع المسئوليّة، ولا يجامِل أبدًا في هذا الأمر.. ومع أبوّته وتشجيعه المتواصِل كان للجميع قلب في العمل الروحي، فنَهَضَت الكنيسة..

    كان البابا شنودة كلّما امتدحه أحدٌ على نجاحه يتحدّث عن حقيقة عمل الله العظيم في الكنيسة، وأنّنا مجرّد أدوات في يده نحاول أن نكون أمناء ومُخلِصين في المتاجرة بوزناتنا، لكنّ العمل هو عمل الله ونحن لنا الشرف أن نشترك في العمل مع الروح القدس..

    والحقيقة أنّ الروح القدس هو الذي يقود الكنيسة منذ يوم الخمسين وحتّى الآن.. فهو الذي أعطى الرسل المواهب (1كو12) وزيّن الكنيسة بالفضائل والثمار الحلوة (غل5: 22-23).. وهو الذي ألهم الرسل في كتابة أسفار العهد الجديد.. وهو أيضًا الذي يرشد الكنيسة إلى اتخاذ القرارات الهامّة لبنيان كلّ نفس فيها، فنرى مثلاً في مجمع أورشليم بعد صلوات وجلسات استماع ومناقشات عديدة، كيف صدر قرار المجمع وفيه تأكيد أن قائد الكنيسة هو الروح القدس "قد رأى الروح القدس ونحن أن...." (أع15: 28)، وهذا معناه بوضوح أنّ خُدّام الكنيسة الأمناء يحاولون باستمرار استكشاف ما يريده الروح القدس، ثمّ ينفذُّون بدِقّة توجيهاته وإرشاداته.. وهذا أحد أسرار نجاح خدمة البابا شنودة.. فكلّما كان هناك أناس متقدّسون، مواظبون على الصلاة، ومُطيعون لصوت الروح القدس، كلّما حلّت البركة الإلهيّة وانتعشت الخدمة واستضاءت المسكونة بالنور الإلهي المُشعّ من الكنيسة وقدّيسيها.

    إذا كان الأُسقف هو الذي يقود الكنيسة بحسب التسليم الإلهي منذ عصر الرسل، فالأسقف الناجح لا يتصرّف بحسب أهوائه الخاصّة، بل يُنصت أولاً لما يقوله الروح للكنائس (رؤ2: 7)، ثمّ يسير بحسب توجيهات الروح..

    هنا أتذكّر عبد إبراهيم، هذا الرجل التقي الذي شرب من روح سيّده إبراهيم الإيمان والصلاة والاتكال على الله، عندما كُلِّفَ بإحضار زوجه لإسحق من أرضهم وعشيرتهم بمنطقة "فدّان آرام" (تك24).. لم يشغل الرجل نفسه باختيار فتاة بمواصفات عالية من جمال الشكل والثراء المادي والأخلاق الطيّبة، بل كان كلّ هدفه أن يستكشف مَن هي الفتاة التي عيّنها الله كزوجة لإسحق ابن سيّده إبراهيم؟.. فقد كان يؤمن أنّ اختيار الله هو أفضل اختيار، وهو فقط يريد أن يتعرّف على الفتاة التي اختارها الله كي يُحضرها معه لتصير زوجة لإسحق، لذلك كان يصلّي طوال الوقت ويطلب معونة الله وتدبيره.. وبالفِعل كشف له الله اختياره بسرعة عجيبة وبكلّ وضوح..

    هكذا نحن الآن نريد أن يختار الله للكنيسة، لأنّنا نثق أنّه سيختار الراعي الصالح، كما اختار للكنيسة من قَبْل البابا شنودة الثالث والبابا كيرلس السادس.. وستكون القُرعة الهيكليّة، بعد أن نسكب أمام الله توسلاتنا على مدى هذه الشهور، بمثابة إعلان الله عن اختياره المُبارك لكنيسته المحبوبة..

    لنتذكّر جيّدًا أن الله يعرف مَن هو البطريرك القادم، ونحن مُطمئنّون أنّ الله حيّ في وسط كنيسته يدبّر لها كلّ الخير والسلام والبنيان.. لذلك لتكُن صلواتنا إليه كما كانت صلوات آبائنا الرسل قبل إجراء القُرعة: "أيّها الرب العارف قلوب الجميع، عَيِّن أنت..." (أع1: 24)، وكما تُعلِّمنا الكنيسة بمردّ الشماس الذي يقوله في أوشية الآباء طوال هذه الفترة:

"صلوا واطلبوا من أجل نياح نفس أبينا الطوباوي المكرّم، البابا الأنبا شنودة الثالث، لكي ينيح الربُّ نفسه الطاهرة في فردوس النعيم.

صلوا واطلبوا لكي يقيمَ لنا الربُّ راعيًا صالحًا حَسَب قلبِه، يرعى شعبَه بطهارةٍ وبرّ.

صلوا واطلبوا من أجل سائر أساقفتنا الأرثوذكسيّين".
القمص يوحنا نصيف
                                   + + +
    كتبتُ هذا المقال يوم 27 مارس 2012م، أي بعد عشرة أيّام فقط من نياحة البابا شنودة الثالث.

    وفي مثل هذا اليوم 4 نوفمبر من نفس تلك السنة، اختار الله الأمين لكنيسته راعيًا صالحًا حسب قلبه، ليواصِل قيادة الكنيسة، ويرعاها بطهارة وبرّ؛ قداسة البابا تواضروس الثاني، الأب الجميل المُحِبّ، المُثَقَّف المُنفَتِح المُجَدِّد، الحكيم المتسامح المتواضع، المُحتَضِن للجميع..

    كلّ عام وقداستكم في ملء النعمة والسلام والصحّة والفرح يا قداسة البابا المحبوب.

ابنكم
القمص يوحنا نصيف

4 نوفمبر 2025م
* الصورة في أحدث لقاء مع قداسته، بعد قدّاس عيد النيروز في 11 سبتمبر 2025م.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع