الثقافة
الأب أغسطينوس ميلاد
الثلاثاء ٤ نوفمبر ٢٠٢٥
الأب أغسطينوس بالميلاد ميلاد سامي ميخائيل بطرس...
يا أستاذ، لقد قرأتُ كتبًا كثيرة… ولكنّني نسيتُ معظمها، فما فائدة القراءة إذن؟
كان هذا سؤالَ تلميذٍ فضوليٍّ لمعلّمه.
لم يُجب الأستاذ، بل اكتفى بالنظر إليه بصمت.
وبعد أيّام، كانا جالسين قرب النهر،
فقال الاستاذ لتلميذه فجأة:
أنا عطشان…
أحضر لي بعض الماء، ولكن باستخدام ذلك المصفاة القديمة هناك.
تعجّب التلميذ، فكان الطلب غريبًا، كيف يمكن إحضار الماء بمصفاة مثقوبة؟
لكنّه لم يجرؤ على الاعتراض.
أخذ المصفاة وجرّب مرارًا وتكرارًا…
مرة، ومرتين، وعشر مرات…
ركض بسرعة، غيّر الزاوية، وحاول أن يسدّ الثقوب بأصابعه،
لكن دون جدوى،
لم يستطع أن يحتفظ بقطرة واحدة من الماء.
تعب وألقى المصفاة عند قدمي الأستاذ قائلاً:
آسف يا أستاذ، لم أستطت، الأمر مستحيل.
نظر إليه الأستاذ بلطف، وقال:
لم تفشل، انظر إلى المصفاة.
نظر التلميذ…
فرأى شيئًا غيّرَ نظرته
المصفاة القديمة السوداء المتّسخة أصبحت الآن تلمع!!!
فقال الاستاذ مبتسمًا:
الماء لم يبقَ فيها، لكنه مرّ عبرها مرات كثيرة فغسلها ونقّاها.
والقراءة كذلك يا بُنيّ،
لا يهم إن لم تحفظ كل ما تقرأ،
ولا يهم إن تسربت المعلومات من ذاكرتك كالماء من المصفاة،
فحين تقرأ، يتجدد عقلك،
وتنتعش روحك،
وتتنفس أفكارك،
وحتى إن لم تشعر بذلك فورًا، فإن داخلك يتغيّر بهدوء.
وتعطي الاحترام لمن كتب، ولمن صنع الحضارات...
حتى تصبح متحضرًا وتحترم إنسانيتك وإنسانية الآخرين
هذا هو المعنى الحقيقي للقراءة —
ليست لملء الذاكرة،
بل لغسل الروح وإغنائها.
الأب أغسطينوس بالميلاد ميلاد سامي ميخائيل بطرس...
