الأقباط متحدون - البابا لاوُن يحث لبنان على تعزيز السلام والمصالحة خلال لقائه السلطات والمجتمع المدني
  • ٢١:٢٧
  • الأحد , ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٥
English version

البابا لاوُن يحث لبنان على تعزيز السلام والمصالحة خلال لقائه السلطات والمجتمع المدني

محرر الأقباط متحدون

مسيحيون حول العالم

٠٨: ٠٧ م +02:00 EET

الأحد ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٥

محرر الأقباط متحدون
كان لقاء البابا لاوُن الرابع عشر اليوم الخميس مع رئيس لبنان وممثلي السلطات والمجتمع المدني في لبنان أول نشاط رسمي في برنامج زيارة قداسته الرسولية.

عقب وصوله بعد ظهر اليوم الخميس ٢٧ تشرين الثاني نوفمبر العاصمة اللبنانية بيروت ثم لقائه كلا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، التقى قداسة البابا لاوُن الرابع عشر السلطات وممثلي المجتمع المدني والسلك الدبلوماسي. وبدأ الأب الأقدس قائلا: طوبى لفاعلي السلام، مذكرا هكذا بشعار زيارته الرسولية ثم أعرب عن سعادته للقاء الجميع وزيارة هذا البلد والذي السلام فيه أكثر من مجرد كلمة، بل هو توق ودعوة، عطية وعمل جارٍ. ثم تحدث البابا إلى الحضور عما لديهم من سلطات كلٌّ في مجاله وأراد بالتالي تذكيرهم بكلمات يسوع اتي اختيرت الموضوع الرئيس للزيارة أي: طوبى لفاعلي السلام. وواصل قداسة البابا أن هناك ملايين من اللبنانيين سواء داخل البلد أو خارجه يخدمون السلام في صمت يوما بعد يوم، بينما يمكن أن تكون لكم أنتم، يا من لديكم واجبات مؤسساتية هامة، تطويبة خاصة في حال كان بإمكانكم القول أنكم وضعتم هدف السلام قبل كل شيء. وتابع الأب الأقدس انه يريد التأمل حول معنى الكون فاعلي سلام في ظروف بالغة التعقيد ويطبعها الصراع وعدم اليقين.

وبدأ قداسة البابا تأمله مشيرا إلى أنه إلى جانب الجمال الطبيعي والثراء الثقافي للبنان تسطع صفة تُميز اللبنانيين، قال الأب الأقدس، فأنتم شعب لا يستسلم ويعرف دائما أمام الاختبارات كيف ينهض مجدَّدا بشجاعة. تحدث البابا بالتالي عن كون هذا الصمود صفة أساسية لفاعلي السلام الحقيقيين وذلك لأن العمل من أجل السلام هو بداية من جديد دائما. إلا أن الالتزام من أجل السلام وحب السلام لا يعرف الخوف أمام ما تبدو هزيمة ولا يجعلان اليأس يثنيهما، بل ينظران إلى الأمام متقبلَين ومعانقَين الأوضاع برجاء. وشدد البابا هنا على أن هناك حاجة إلى العزيمة لبناء السلام وإلى المثابرة لحماية الحياة وإنمائها.

دعا قداسة البابا لاوُن الرابع عشر الحضور بعد ذلك إلى التأمل في تاريخهم وإلى أن يتساءلوا من أين تأتي هذه الطاقة الر ائعة التي لم تترك شعبكم أبدا ينهار أو يفقد الرجاء، قال البابا. وتابع أنتم بلد، جماعة من جماعات، توحدكم لغة مشتركة، وأضاف أنه لا يقصد هنا اللغة العربية التي ترك بها ماضيكم كنوزا لا يمكن تثمينها، بل يتحدث عن لغة الرجاء التي مكنتكم دائما من البداية مجددا. وأشار البابا إلى ما يوجد في كل مكان حولنا تقريبا من تشاؤم أو شعور بالعجز حيث لم يعد الأشخاص قادرين على أن يسألوا أنفسهم ماذا يمكنهم أن يفعلوا لتغيير مجرى التاريخ. ويبدو أن القرارات الكبيرة تأخذها قلة وذلك كثيرا على حساب الخير المشترك، قال البابا لاوُن الرابع عشر مضيفا أن هذا يبدو لكثيرين مصيرا محتوما. ثم قال للحضور لقد عانيتكم كثيرا من اقتصاد يقتل ومن عدم الاستقرار العالمي والذي له في الشرق أيضا تبعات مدمرة، من راديكالية للهوية وللنزاعات، لكنكم أردتم دائما وعرفتم أن تنهضوا مجدَّدا، واصل الأب الأقدس.

وواصل البابا لاوُن الرابع عشر مشيرا إلى أن لبنان يمكنه أن يفخر بمجتمع مدني نابض يتمتع بتكوين جيد قادر على التعبير عن أحلام وآمال بلد بكامله. وشجع الحضور بالتالي على ألا يعزلوا أبدا أنفسهم عن شعبهم وعلى أن يجعلوا أنفسهم بالتزام وتفان في خدمة شعبهم الغني بالتنوع. وتابع الأب الأقدس داعيا إلى التكلم بلغة واحدة، لغة الرجاء التي توحد الجميع. وأعرب البابا هنا عن الرجاء أن تنشئ الرغبة في العيش والنمو في وحدة كشعب من كل مجموعة صوتا في تعددية أصوات متناغمة، وأشار البابا أيضا إلى ما يمكن أن تقدِّم للسلطات من مساعدة العلاقات القوية التي تربط الكثيرين من اللبنانيين خارج لبنان ببلدهم.

ثم انقل قداسة البابا إلى صفة أخرى لفاعلي السلام، فهم ليسوا قادرين فقط على البدء من جديد بل ويفعلون هذ أولا وفي المقام الأول على درب المصالحة الشاق، حيث هناك جراح فردية وجماعية تحتاج كي تلتئم إلى سنوات كثيرة بل وفي بعض الأحيان إلى أجيال بكاملها. وشدد قداسته هنا على ضرورة العمل على مداواة الذكريات على سبيل المثال من أجل تقارب من عانوا من أخطاء أو ظلم، فبدون هذا يصعب السير نحو السلام. وحذر البابا من خطر أن نظل سجناء آلامنا وطريقة تفكيرنا مشددا على أن الحقيقة تتطلب اللقاء أحدنا مع الآخر، فكل واحد منا يرى جزءً من الحقيقة ويعرف جانبا منها ولكن لا يمكننا إنكار فقط ما يعرفه الآخر أو يراه. وتابع البابا أن الحقيقة والمصالحة ينموان معا وذلك سواء في العائلة، بين الجماعات المختلفة داخل بلد أو بين الأمم.

إلا أنه لا يمكن أن تكون هناك مصالحة دأئمة بدون هدف مشترك أو بدون الانفتاح على مستقبل يسود فيه الخير على الشرور التي تم التعرض لها أو ارتكابها في الماضي أو الحاضر، قال البابا لاوُن الرابع عشر وتابع أن ثقافة المصالحة لا تأتي فقط من الأسفل، من إرادة أو شجاعة قليلين، بل هي تحتاج إلى سلطات ومؤسسات تعترف بكون الخير العام أسمى من المصلحة الخاصة، وهذا الخير هو أكبر من مجموع مصالح عديدة وذلك لأنه يوحد بين أهداف الجميع ويوجهها بحيث يكون لكل طرف أكثر مما كان سيكون له لو سار بمفرده. وأضاف البابا أن السلام هو أكثر بكثير من مجرد توازن لمن يعيشون منفصلين تحت سقف واحد، السلام هو معرفة كيف نعيش معا في شركة كشعب متصالح. وتحدث الأب الأقدس هنا عن المصالحة إلى تُمَكننا من العيش معا وتُعَلمنا أن نعمل معا جنبا إلى جنب من أجل مستقبل مشترك. وأشار الأب الأقدس من جهة أخرى إلى سلام في وفرة تفاجئنا حين تتجاوز آفاقنا الجدران والحواجز. وأضاف قداسته أننا نفكر أحيانا قبل القيام بخطوة جديدة أن علينا إيضاح كل شيء وحله، بينما الحوار المتبادل حتى مع سوء الفهم هو الطريق الذي يقود إلى المصالحة. وأضاف الأب الأقدس أن الحقيقة الكبرى هي أننا نجد أنفسنا معا كجزء من مخطط أعده لنا الله لنكون عائلة.

ثم أراد البابا الإشارة إلى ميزة ثالثة لفاعلي السلام فقال إن لديهم جرأة المثابرة حتى وإن تَطَلب هذا التضحية. وأضاف أن هناك فترات يكون فيها من السهل الرحيل أو التنقل إلى مكان آخر، وهناك حاجة إلى شجاعة وبعد نظر كي يبقى الشخص في بلده. وتابع أننا علم أن هناك أيضا في أجزاء أخرى من العالم عدم يقين وعنف وفقر وتهديدات أخرى كثيرة تقود إلى رحيل الشباب والعائلات المتطلعين إلى مستقبل في مكان آخر حتى وإن كان من المؤلم للشخص أن يترك وطنه. وأضاف ألبابا أن هناك بالتأكيد الكثير من المنافع التي قد تأتي من اللبنانيين في الشتات عبر العالم إلا أن علينا ألا ننسى أن البقاء في بلدنا والعمل يوما بعد يوم من أجل بناء حضارة محبة وسلام يظل أمرا فائق القيمة.

ثم تحدث البابا لاوُن الرابع عشر عن أن الكنيسة لا تهتم فقط بكرامة مَن هم بعيدين عن بلدانهم بل لا تريد لأحد أن يضطر إلى الرحيل، كما وتريد الكنيسة لمن يرغب في العودة أن يتمكن من عمل هذا بشكل آمن. وقال الآب الأقدس في هذا السياق أن انتقال الأشخاص يمثل فرصة كبيرة للقاء والإثراء المتبادل إلا أن هذا لا يضعف الأواصر الخاصة التي تربط كل شخص بأماكن معينة تعود إليها هويته بشكل خاص. وأراد الأب الأقدس هنا التذكير بما كتب البابا فرنسيس في الرسالة العامة Fratelli Tutti حين شدد على حاجتنا إلى النظر إلى ما هو عالمي، إلى الذي ينقذنا من صِغَر النزعة المحلية. إلا أن علينا في الوقت ذاته أن نتولى أمر البعد المحلي بودية، لأنه يحتوي على شيء لا تمتلكه الشمولية: أن نكون خميرة، وأن نثري الآخرين، وأن نضع آليّات لمبدأ التكافل.

وتابع البابا لاوُن الرابع عشر متحدثا عما وصفه بتحدٍ لا فقط للبنان بل للشرق بكامله وهو التساؤل عما يمكن عمله حتى لا يشعر الشباب بشكل خاص بالاضطرار إلى الرحيل والهجرة، وكيف نشجعهم كي يجدوا في بلدهم ضمانات سلام وأن يكونوا روادا له. وأكد هنا أن المسيحيين والمسلمين معا وجميع مكونات المجتمع المدنية والدينية مدعوون على القيام بدور هام والالتزام بزيادة الوعي بهذا الأمر في الجماعة الدولية.

وفي ختام كلمته أراد قداسة البابا تسليط الضوء على الدور الأساسي للنساء في المثابرة وبناء السلام، كما وأراد الحديث عن عامل هام في التراث اللبناني، أي كون اللبنانيين شعبا يحب الموسيقى ما يتحول في أيام الأعياد إلى رقص ولغة فرح وشركة. وأضاف أن هذا البعد من ثقافة لبنان يساعدنا على فهم أن السلام ليس ثمرة الجهود البشرية وحدها بل هو عطية تأتي من الله في المقام الأول، وتكون في قلوبنا شعورا يمَكننا من أن ندع أنغاما أعظم تقودنا، أي المحبة الإلهية.