CET 17:23:12 - 23/06/2010

مساحة رأي

بقلم: القس. أيمن لويس
وجدت أنه من المهم تناول هذا الموضوع الهام من هذا المنظور، وذلك بعدما وجدت أن نفرًا من الكُتاب لم يتطرق له رغم كل ما أُثيرمن نقاش وجدل في أوساطنا الإعلامية حول موضوع الزواج المسيحي، والضغوط الخارجية التي تُمارس على الكنيسة لتغيرموقفها، وترضى بقبول كلمة الطلاق لأي سبب؛ لتُصبح مبدءًا مستصاغ، وكلمة متداولة بين العائلات المسيحية، وهذا أمر في غاية الصعوبة.

 كما لوحظ مؤخرًا أن هناك بعض من الكُتاب من غيرالمسيحيين أعطوا أنفسهم الحق للإفتاء في موضوع الزواج عند المسيحيين، مقدمين تفسيرات خاصة ونقد غيرموضوعي، دون أدنى جهد للاستناد بأي فكر صادرمن الجانب المسيحي، وفي جهل واضح بمعرفة النصوص الكتابية.

من كام سنه فاتت.. كنت في زيارة لـ "أوكرانيا"، ولاحظت ندرة الذين يتحدثون الإنجليزية حتى لو (تهته) مثلي، أدركت ساعتها صعوبة أنك تتحدث لغة مختلفة عن لغة الاغلبية، هكذا الحال عندما يتحدث المسيحيون المحافظون عن الزواج  في مصر الآن.
إذ يقدم العالم بصفة عامة ومجتمعنا بصفة خاصة مفاهيمًا مغايرة ومختلفة عن المفهوم والثقافة المسيحية والكتابية للزواج، للدرجة التي نرى أنها جعلت الزواج انحرف عن المسار الذي شرعه الله، والقصد الذي أوجده من أجله.

كما نرى أيضًا أن هذا الانحراف هو السبب الأساسي لفشل تحقيق السعادة الزوجية، وظهور الكلمة الكريهة الطلاق، وهى بالطبع غريبة على بدن إيماننا وعقيدتنا.

أتذكر وأنا طفل عندما كان يُذكر أن فلان أو فلانه طُلق.. نشعر بهول المصيبة والخجل، كما كانت الكلمة نادرة الذكر؛ تكاد تصل لحد العيب، ولم يكن لها ذكر تقريبًا بين العائلات المسيحية، ولكي نعود لأصل هويتنا في هذا الموضوع المقدس، لابد أن نكون على إدراك وفهم لثقافة مجتمعنا وقيمه عن الزواج، وهل هي تتوافق مع قيمنا وثقافتنا الروحية؟ وهل سلوكيتنا في كل ما يتعلق بموضوع الزواج يسير وفق مفاهيم المجتمع؟ متأثرين بكل ما يمارس من ضغوط  الثقافة الدينية المغايرة؟ أم بحسب القيم الروحية التي نؤمن بها؟ وهل فقد الجزء ثقافته متأثرًا بالكل كما يتلاشى الدخان في الفضاء الفسيح؟
وللمساعدة.. تعالى معي عزيزي نحلل معًا ما نؤمن به نحن المسيحيون، وما يؤمن به مجتمعنا من قيم وثقافة، و يمكن إيجازها في النقاط التالية:                                                               
أولاً: استخدام كلمة "نكاح" عوضًا عن كلمة "زواج".
ثانيًا: أسس ومبادئ الاختيار للارتباط (الجمال، المال، النسب).
ثالثًا: الزواج كعهد وليس كعقد، والعلاقة والفرق بينهما.
رابعًا: مفهوم صلة الرحم، والخضوع للوالدين على حساب العلاقة الزوجية.
خامسًا: المرأة وقيمتها ودورها ومدى أهليتها.
 
أولاً: منذ بدأ منحنى التحول من الدولة المدنية للدولة الدينية في التصاعد، بدأ معه ظهور العديد من المصطلحات والكلمات التي لم نكن نسمعها؛ مثل كلمة "نكاح".

وفي علم الدلالة نتعلم أن اللفظ يعبر عن المعنى، والمعنى يحدد الهدف.. وفي مجتمعنا أصبح شائع استخدام كلمة نكاح عندما يتكلمون عن الزواج والارتباط، خصوصًا في البرامج الدينية في الإعلام العربي، والمعنى اللغوي الدال على كلمة "نكاح" هو؛ "العلاقة الجنسية"، وحينما يُستخدم هذا اللفظ للتعبيرعن العلاقة الزوجية، فهذا يحدد الهدف والغاية الأساسية من الارتباط، وبذلك يصبح الهدف الأساسي من الزواج هو اشباع الاحتياج الجنسي، والإشباع الحسي لإرضاء ظمأ الشهوة.

وبالبحث في المسيحية، ومن خلال نصوص الكتاب المقدس، لا نجد أي وجود لهذه الكلمة –النكاح-، بل كلمة "الزواج" هي الأكثر شيوعًا، ومنذ البداية يعلن الله أن الهدف من الزواج هو الاتحاد بين اثنين؛ ذكر وأنثى، يلتصقا ليصيرا جسدًا واحدًا (تك2:24)
وحسب النص بالوحي: "وقال الرب الإله: ليس جيدًا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معين نظيره"، فالهدف هو رغبة الله في جعل الإنسان الذي خلقه يشعر بالسعادة، ولعلم الله سبحانه لاحتياج الإنسان لشريك يؤنس وحدته، فجبل من آدم الإنسان الأول حواء، هذا هو الهدف الأول والأساسي والأسمى لخطة الله من الزواج.

ويأتي الهدف الأخر أنه من خلال ممارسة السعادة والحب يكون الإكثاروالإثمار، فنجد الكتاب المقدس يستخدم  لغة راقية ووقورة للإشارة عن العلاقة الجسدية بين الزوجين، فيقول: "وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين.." (تك4: 1).
فهناك أهداف سامية للعلاقة الزوجية،  إلا أن اختزال الأمرفي التمتع باللذة الجنسية يوضح لنا الصورة، لماذا كل هذه الأنواع من أنظمة الزواج التي نسمع عنها في مجتمعنا؟!!، ولماذا خالف ملوك وأنبياء سنة الله بعدم الإكتفاء بزوجة واحدة؟؟!

ثانيًا: ولما عرفنا أن القصد الأعلى في مجتمعنا من الزواج هو النكاح؛ فمن الطبيعي أن تكون أسس الاختيار مبنية على هذه القيم بحسب ترتيبها.. ولأن العُرف من البدء أن للرجل حق المبادرة والاختيار، فقد أعلن المجتمع أن المرأة تُنكح لثلاث؛ جمالها ومالها ونسبها.
وطبيعي أن يكون تقييم العروس أيضًا للعريس على هذه العناصر الثلاث، مع اختلاف الأولويات، وهذا مخالف لأسس الاختيار التي يقدمها الإيمان المسيحي، فالوحي يحذرنا من الانقياد لهذه الأشياء الثلاثة كأسس عند اختيار شريك الحياة.
ويقدم لنا الكتاب المقدس الوصايا والعِبرالتي تعرفنا مبادى‘ وأسس الاختيار الصحيح، والنتائج الخطيرة المترتبة على الاختيار بحسب ثقافة المجتمع.
•المبدأ الأول.. "الجمال": يقدم لنا الكتاب المقدس قصصًا  للزواج لكي نعتبر بها، ووصايا لكي نلتزم بها، نختار منها ما يلي:

1-في قصة زواج "اسحاق ابن إبراهيم" (تك 24)، في حدود سنة 2026ق.م تقريبًا، نرى أن أسس الاختيار لم تكن هي الجانب الحسي، أو الشكل الخارجي، بل جمال الروح والطباع والشخصية بعد طلب المشورة الألهية، وهذا هو النموذج الامثل

2-أما في قصة زواج "شمشون" (قض14،16)، فنجد نموذج الزواج حسب مفهوم العالم والمجتمع، فيقدم لنا الكتاب النتائج المترتبة علي الزواج الذي يُبنى على الرغبة والشهوة، وما يترتب عليه  من ندم ودمار.

3-وأخيرًا ما تكلم به الوحي في سفر الأمثال 31 مقدمًا  لنا شرحًا تفصيليًا  عن صفات الزواج الصالحة، والأسس التي يتم عليها الزواج، وقبل نهاية الإصحاح يفجر لنا الوحي المفاجأة في عدد 30، عندما يقول: "الحُسن غش، والجمال باطل، أما المرأة المُتقية الرب فهي تُمدح".

إن مَنْ يضع اهتمامه  فقط على الجمال الظاهري، إنما نشبهه بمَنْ يعجب بقارورة عطر جميلة جذابة ويقتنيها، ولايعلم أن بداخلها سُمٌ  زعاف.
فكم من جمال خارجي خادع يخفي خلفه من القُبح ما يستعصي معه الشفاء، ويعجزعن العلاج، وكم من أصحاب بشرةٍ سمراء يمتلكون قلوبًا ناصعة البياض.
•المبدأ الثاني.. "المال": المال يميل مع الزمن، هذا المبدأ ينزل بالزواج لمستوى الصفقات التجارية، وليس منظورنا للمال أنه من زينة الحياة الدنيا، بل تعلمنا كلمة الرب أن "محبة المال أصل كل الشرور. الذي وإن ابتغاه قوم ضلوا وزاغوا عن الإيمان"، وأن محبة المال تفسد المحبة الحقيقية السامية التي ترتقي بالمشاعر الإنسانية.. فالمال وسيلة وليس هدف.
إن القيمة الحقيقية في المسيحية للفرد وليس للأشياء (عب13: 5)، "لتكن سيرتكم خالية من محبة المال"، وليس من قبيل الصدفة أن تأتي هذه الوصية التي تتحدث عن المال مباشرة بعد الوصية التي تتحدث عن الزواج!

•أما المبدأ الثالث.. "النَسب": يهتم الكتاب المقدس بالنَسب، ولكن بمفهوم مختلف عن المفهوم المُقدم لنا من العالم الخارجي من مجتمعنا، فالمجتمع يتكلم عن النسب من جهة أمرين؛ الأول: السلطة والنفوذ، والثاني: من باب الغنى والتفاخر والتعالي، وهذه القيم ضد القيم التي يريدنا الرب أن نسلك فيها، فعندما يكلمنا الكتاب المقدس عن النَسب، يكلمنا عن طيبة الأصل ورقي الطباع وحالة الإيمان.
إن المفاهيم الأولى عن النَسب؛ إنما تُرضي الطبيعة الساقطة من إشباع للشهوة والأنانية والطمع.

ثالثًا: بالنسبة لنا نحن "معشر المسيحيين"،  فالزواج هو عهد مع الله قبل أن يكون عقد (ملا2: 14-16)، "من أجل أن الرب هو الشاهد بينك وبين امرأة شبابك، وهي قرينتك وامرأة عهدك،  فأحذروا لروحكم ولا يغدر أحد بامرأة شبابه، لأنه يكره الطلاق قال الرب".
فيه يتعهد كل من الطرفين راغبي الارتباط مع الله، ويكون أمام  الكنيسة بصفتها الجهة التي خوَّل لها الرب المسئولية والسلطان لإدارة الأمور الروحية، وفيه يقدم كل طرف ذاته للآخر، والمرأة المسيحية تأتي بنفسها لتضع يدها في يد من اختارت أن تقترن به.
ولأن الزواج منذ البدء مشروع إلهي، خصه الرب بقدر كافٍ بنصوص في الوحي، جعلته جزءًا لايتجزأ من المنظومة الروحية -العبادة والعقيدة- فالكنيسة لا تستطيع بحال من الأحوال التحلل من مسئوليتها ورسالتها في أمر الزواج.

ولأن الله "ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع1: 17)، فالعهود معه له المجد هي عهود مقدسة لا تتغير، والمسيحي يهتم بالعهد الكنسي أكثر من العقد المدني.
والمسيحي الحقيقي يرى أن "العهد أقوى من العقد"، فالأول عمل مقدس، والأخر يمكن العدول عنه وفسخه، وعديمي الإيمان لا يدركون ما هو العهد ومدى قدسيته ومسئولياته.

فهؤلاء مسيحيون بالاسم، لا يعرفون من الإيمان إلا الشكليات والممارسات الطقسية، حتى وإن ذهبوا الى الكنيسة، وعادة ما تظهر النزعة لطلب الطلاق عند هؤلاء، وهذا أمر طبيعي؛ لأنه كيف نحكم بالروحيات لمَنْ هو جسدي، وليس معنى هذا أن المسيحيين الذين يسلكون بالوصية لا يجتازون أزمات زوجية يمكن أن تصل لحد استحالة العشره الزوجية أبدًا.
لكن هؤلاء غالبًا ما يقنعون بنصيبهم ويكتفون بالانفصال فقط، أو يجدون وسيلة لتوفيق أوضاعهم.
والحياة الزوجية عمومًا تستحق بعض التنازلات من الطرفين.

أما المجتمع.. فيهتم بأن يقدم  الزواج على أنه عقد اتفاق مُبرم، وبه شروط مالية وجزاءات00إلخ.
وفي الحقيقة  نحن نرى أن القوانين المعمول بها في مجتمعنا تبخس من حقوق المرأة وتنحاز للجانب الذكوري، فهي تكتفي فقط بتقديم بعض الفتات من الأمور المادية، مثل القايمة ومؤخر الصداق والمهر..ألخ.
ولكن على المسيحي أن يعرف أن مجتمعنا به أساليب وأنواع وأنظمة لعقود زواج لا يقرها نظام الزواج المسيحي، مثل زواج المسيار، والزواج العرفي..إلخ.
وفي الحقيقة لا يوجد أي تضارب بين العهد والعقد، فما للرب للرب وما لقيصر لقيصر، ومن حق الدولة ومسئوليتها تجاه رعاياها أن تنظم بالقوانين ما يحفظ السلام الاجتماعي ويحقق العدل.

والعقد يكمل العهد، ولاسيما لأصحاب النفوس الضعيفة والضمائر المريضة الذين لايخافون الله، فلأجل قساوة قلوب هؤلاء يجب فعل هذا؛ ولأن ليس الجميع مسيحيين حقيقيين، يسلكون بوصايا الرب.
ولمثل هؤلاء ننصحهم بالاكتفاء باتخاد الإجراءات المدنية والقوانين الوضعية، فالعقد أنسب لهم دون العهد حتى يريحوا أنفسهم ويريحوا الكنيسة.

هكذا يتضح لنا مدى اختلاف وجهة نظر الإيمان المسيحي في أسس الاختيار التي ينبغي أن يُبنى عليها الزواج عن الشائع في ثقافة مجتمعنا.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق