بقلم: فيولا فهمي
من الماركسية حيث يكمن صلب الفكر اليساري إلى السلفية في أقصى اليمين.. هكذا يترنح قطار التحولات الفكرية بالدكتور محمد عمارة ليتوقف به حيث يصل إلى محطة المصلحة والشهرة والمال أينما وجدت أو كانت، فبعد أن كان الرجل من ألمع وجوه التيار اليساري في سبعينات القرن الماضي بات من أشد المدافعين عن الأفكار السلفية والتيارات الإسلامية، حيث اشتهر بكتابة الدراسات والمؤلفات الإسلامية عن المفكرين السلفيين أمثال سيد قطب والشيخ محمد الغزالي، ثم تولى مهمة الدفاع عن ثوابت الدين بالقاء الخطب في المجالس واللقاءات وكتابة المقالات في الصحف القومية والتي خصص معظمها –كعادة الكُتّاب السلفيين- للهجوم على الشيعة وأصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى على اعتبار أن ما يدعو إليه ليس من صحيح الدين أو ثوابت الإسلام، كما أولى اهتمامًا بالغًا بتكفير والتحريض على اصحاب الديانات الأخرى كالمسيحيين واليهود باعتبارهم رواد طريق الضلال.
اعتبر البعض الدكتور محمد عمارة صاحب مشروع فكري نهضوي ومن مفكري الصفوف الأولى في التنظير للحركة الإسلامية –بالرغم مما كان يدعو إليه ويجاهر به من أفكار تحريضية وتكفيرية- حيث هاجم في العديد من كتاباته جلسات ولقاءات حوار الأديان وقال في مقدمة كتاب "مأزق المسيحية والعلمانية في أوروبا" أن تلك اللقاءات المعنية بقضية بحوار الأديان لا تختلف كثيرًا عن المؤسسات التنصيرية، بالإضافة إلى دوره البارز في التحريض على البهائيين حيث دعا لتكفيرهم وإصدار قانون لتجريم اعتناق البهائية، وحذر عمارة في عموده بجريدة الأخبار "القومية" مرارًا وتكرارًا من حملات التنصير في العالم العربي، منافسًا بتلك المواقف العدائية للآخر أشد شيوخ التطرف مغالاة للكراهية والحقد ونبذ الآخر.
كما شهد عام 2007 أقوى الجولات التحريضية لمحمد عمارة ضد المسيحيين، حين أصدر كتاب "فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية" تحت إشراف وزارة الأوقاف حيث ورد بالكتاب فتوى تبيح إهدار دم المسيحيين واليهود، الأمر الذي أثار غضب المثقفين والمفكرين المستنيرين باعتبارها دعوة للرجعية والهمجية ضد الأقليات الدينية بالمجتمع، وتحت ضغط الرأي العام قدم عمارة اعتذارًا عن ما ورد بالكتاب والذي كان يعتبر اقتباسًا عن الشيخ أبو حامد الغزالي، وتعذر حينها بالسهو والنسيان والثقة المفرطة في آراء حجة الإسلام الغزالي.
وكعادة المفكرين الإسلاميين التقليديين صب محمد عمارة جام غضبه على الولايات المتحدة حيث كان خصص نصيب الأسد من مقالاته للهجوم على أمريكا بوصفها قطب الشر المطلق في العالم، وحذر من تصاعد وتيرة الحرب الثقافية والفكرية والإعلامية الغربية التي تقودها أمريكا ضد الإسلام، كما اعتبر البعض محمد عمارة من أهم المروجين لفكر جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة في ظل تواجده في جميع الاحتفاليات والمناسبات الإخوانية وقوله بأن دعوة الإخوان تعتبر بمثابة العدسة المجمعة لما تفرق من أشعة تجديد الفكر الإسلامي، وما تبدد من محاولات الإصلاح في مسيرة الأمة.
ولذلك سوف يظل الدكتور محمد عمارة المفكر السبعينى مواليد 1931 بمركز قلين محافظة كفر الشيخ، الذي تخرج في كلية دار العلوم عام 1965 ودرس الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية عام 1975، هو أكثر وأشهر الكتاب الإسلاميين إثارة للجدل وتفجيرًا للمفاجآت الطائفية. |