CET 00:00:00 - 09/12/2009

مساحة رأي

بقلم: القس رفعت فكري
منذ أن أخذ الشعب السويسري قراره بحظر بناء المآذن في سماء بلاده, وعدد غير قليل من المسلمين يتباكون على الحريات الضائعة وحقوق الإنسان المنتهكة في بلاد الغرب, وإمعاناً في خداع النفس ومغالطة الضمير وصل الأمر ببعض المتطرفين إلى مناشدة بعض الحكومات العربية بعمل استفتاء مماثل في البلدان العربية,لحظر بناء منارات الكنائس ووضع الصلبان عليها!!   
والمتأمل في حال العرب يمكنه بسهولة رصد الآتي :-
أولاً :- استخدام الكلام الكبير والتضخيم من هول أي حدث عابر, والتضخيم من الإحساس بالظلم والمهانة , والتصميم على أن هناك مؤامرة تُحاك من الغرب ضد العرب , مع أن أمر حظر بناء المآذن إذا وُضع في حجمه الطبيعي سنجد أن الأمر لا يستحق كل هذا الضجيج , فالمساجد منذ نشأة الإسلام لم يكن يها مآذن , والغرب يغلب عليه الطابع العلماني من حيث تحجيم الدين ووضعه في حجمه الطبيعي داخل أماكن العبادة دون خروجه للمجال العام, فعلى سبيل المثال في سويسرا رأت إحدى الأمهات صليباً فوق حائط في إحدى المدارس فما كان منها إلا أنها لجأت للقضاء مطالبة برفع الصليب من مكان العِلم , فالعِلم عِلم والدين دين , وما كان من المحكمة إلا أن استجابت لطلبها, ولم يغضب أحد, فالعلمانية ليست ضد الإسلام كما يصور البعض, ولكنها مع وضع الدين أياً كان في مكانه دون خلط الأمور, ولكن لأن الأمور في عالمنا العربي مختلفة , ولأننا نتنفس ديناً منذ أن نصحو وحتى ننام, فإننا نحاكم العالم المتحضر بقيمنا البالية !!

ثانياً :- لست أدري ما العلاقة بين قرار الشعب السويسري بحظر بناء المآذن في بلاده وبين مطالبة بعض المتعصبين في مصر بضرورة عمل استفتاء مماثل لحظر بناء منارات وقباب الكنائس؟!! إن الإسلام ليس أصيلاً في سويسرا , والشعب السويسري لايدين بالإسلام, ومن ثم فهذا القرار يخص الأجانب الوافدين على أراضيهم, وبالتالي فهم لم يتخذوا قراراً ضد مواطنيهم الأصليين ولكن قرارهم يتعلق بمن هو غريب ووافد عليهم , أما في مصر فالوضع مختلف تماماً, ففضلاً عن أن المسيحيين مواطنون أصلاء يحملون الجنسية المصرية , وفضلاً عن أن المسيحيين موجودون في مصر قبل أن يأتي إليها المسلمون , فإن منارات الكنائس وقبابها كانت ترتفع في سماء مصر قبل أن نرى مآذن لمساجد ,ومن يقرأ التاريخ بدقة وبموضوعية سيعرف أن هناك العديد من الكنائس تحولت إلى مساجد !! فلصالح من خلط الأوراق؟!!

ثالثاً :-  إني أتعجب من التباكي على انتهاك حرية العبادة والعقيدة وحقوق الإنسان , وأتعجب من حديث بعض المسلمين عن المواثيق الدولية, هل انتهكت سويسرا حرية العبادة ؟!! هل انتهكت سويسرا مواثيق حقوق الإنسان؟! هل منعت بناء مساجد على أراضيها؟!! كلا هذا لم يحدث أنها منعت بناء المآذن فقط ولم تمنع بناء المساجد , فما أكثر المساجد الموجودة في سويسرا وفي بلدان الغرب , وهناك لا يحتاج المسلمون لقرار جمهوري إذا ما أرادوا ترميم دورة مياه !!! إن الغرب وصل لدرجة تحضر تمنعه من انتهاك الحريات, فالحرية هي أثمن ما لديه,  فلماذا كل هذا الضجيج وهذا التباكي والإحساس بالظلم أو القهر أو الضطهاد ؟!!

رابعاً :- لست أدري عن أي حقوق إنسان يتحدث المتطرفون؟!! وهل توجد حقوق للأقليات الدينية في البلدان العربية ؟!! هل هناك حرية في بناء الكنائس؟!! ولعل الرسالة التي نشرها الكاتب الكبير المستنير الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي في مقاله ( مأساة لا تخلو من مشاهد هزلية ) بجريدة الأهرام يوم الأربعاء 14 يوليو 1999 تؤكد حقيقة نظرة بعض – وليس كل - المسلمين للكنيسة , فقد ذكر سيادته ما نصه ( أن من الكتب المقررة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة كتابا كان يدرس للدكتور أحمد طه عطية أبو الحاج عنوانه الائتناس في علم الميراث وقد جاء في هذا الكتاب في الفصل الثاني من المبحث الثالث في تنفيذ الوصايا ما نصه يحرم علي الشخص أن يوصي بما يفضي إلى معصية وذلك كوصيته ببناء كنيسة أو ملهي أو ناد للقمار أو لترويج صناعة الخمر وتربية الخنازير أو القطط والكلاب) ويتساءل حجازي : أليس هذا تخريبا ؟!
هذا ما يتعلمه الطالب داخل أسوار أعرق جامعاتنا المصرية, بناء الكنيسة يفضي إلى معصية والكنيسة تتساوى مع الملاهي ونوادي القمار !! وهكذا كل عام تُخرج لنا جامعاتنا العريقة طلبة متعصبون ورافضون للآخر الديني المغاير, أبعد كل هذا هل من حق أحد أن يلوم سويسرا ؟!!

خامساً :- لست أدري متى سيتعلم العالم العربي أن يكون متسقاً مع ذاته , من المؤكد أن هناك شيزوفرينيا فجة, ومن البين أن هناك انفصام واضح في الشخصية العربية , ففي الوقت الذي لا يوجد في العالم العربي أي مساواة حقيقية بين المواطنين , وبينما تنتهك الحريات الدينية للأقليات, وبينما يتم الاعتداء على كنائس من قبل البعض, وبينما توجد بلدان عربية تمنع بناء كنائس – وليس مآذن – على أراضيها , وبينما .... وبينما ...... وبينما.... وبينما........الخ  تجد من يلوم الغرب ويتهمه بعدم احترامه للمواثيق الدولية ولحقوق الإنسان ؟!! ألم يحن الوقت لأن نكف عن مغالطة أنفسنا ؟!! قال السيد المسيح للمتعصبين والمنافقين والمتزمتين دينياً في بشارة متى 7 :15 كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك, . . يامرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك.

وختاماً :- إنني مع استخدام كافة الحقوق القانونية والدستورية المحلية والدولية لجعل سويسرا ترفع هذا الحظر عن بناء المآذن, ولكنني في ذات الوقت أطالب المسلمين في كافة البلدان العربية أن يغيروا مواقفهم المتشددة من بناء الكنائس , وأتمنى أن تسرع الحكومة المصرية بإصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة , وأتمنى أن يكون هناك عقاب رادع لكل من تسول له نفسه بالاعتداء على أي كنيسة, وأتمنى أن يروج المسلمون للإسلام المعتدل الذي يقبل الآخر دون تكفير ودون إرهاب وإراقة دم , وإذا فعل المسلمون هذا بإخلاص أعتقد أن العالم سيغير نظرته للعرب والمسلمين.

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ١٠ تعليق