CET 00:00:00 - 10/12/2009

مساحة رأي

بقلم: د. ماجد عزت إسرائيل
كانت المغارة للأب "متى المسكين" حلمًا لاستكمال حياته الرهبانية التي كان قد بدائها بدير الأنبا "صموئيل"؛ فانطلق في الوحدة المطلقة بعد فترة قصيرة قضاها بين جدران دير السريان؛ استضافه الأب "عبد المسيح الحبشي" لحين الانتهاء من حفر مغارته. فقام بحفر مغارة بالقرب من دير السريان تبعد نحو أربعون دقيقة سير على الأقدام؛ وكان لا يتجه إلى الدير إلا كل أربعين يومًا لحضور وصلاة القداس والتناول من الأسرار المقدسة.
والأب "متى المسكين" كان يقضي يومه في الصلوات والتأملات ليل نهار، حيث ذكر قائلاً: "عندما كنت أعيش متوحدًا كنت أصلى بحرارة، فأبدأ التسبحة في الساعة السابعة مساءً حتى الساعة السابعة صباحًا، فكنت أقرأ كل ربع وأهلل وأسجد وأقوم وهكذا، ثم انتقل من الإبصلمودية السنوية إلى الكيهكية دون الالتزام بالتواريخ، فأخذت الكثير جدًا.

وكانت حياته جوه المغارة في وحدة مطلقة حيث تحررت روحة من القيود وازداد تعمقه في الإحساس بالوجود الإلهي الكلى، وأدرك علاقة الله بالكون، وأحس بالأبدية، واستنشق روح الله وذاق السرور وكأنه يردد مع المرنم قائلاً: ما أحلى العشرة ويا يسوع رب السماء........، وفهم الأب "متى" معنى أن الله واحد وأنه بسيط وكلي القدرة والوجود وأنه واجب الوجود بذاته.
وعلى أضواء لمبة الجاز (الغاز) نمرة خمسة –اللمبات كانت أنواع منها لمبة بعويل من القطن، ولمبة بشريط من التيل، منها نمرة عشرة، وخمسة– التي تضيء جوه المغارة، كان يقرأ الكتاب المقدس طبقًا لترتيب قرأته، الإصحاح تلو الآخر، دون ملل ،لدرجة وصل ما يقوم بقراته في الليلة الواحد ستون إصحاحًا مصاحبة بالتأمل والتفسير.

على أية حال كان جوه المغارة لا يفصله عن كنائس العالم، وذكر الأب متى على لسانه قائلاً: "كنت في المغارة يوم الأحد دائمًا أحس بالكنائس، فأصلى من السابعة صباحًا وحتى الحادية عشر صباحًا من أجل الكنيسة بحرارة وأسجد وأقول: "يا ترى ما هو حال الكنيسة التي تصلي الآن؟ فأذكرها وأعيش في وسط شعبها، وكنت أحس بالألحان والمرددات".
جوه المغارة عاش الأب "متى المسكين" معاشرًا الثعابين، فيحكى أبينا في أحد وعظاته قائلاً: "ذات مرة تركت باب المغارة مفتوحًا فتسلل ثعبانًا كبيرًا إليها، في بداية الأمر ارتعبت واضطربت وارتبكت جدًا ولكن في هذه اللحظة الحرجة ألهمني الرب سريعًا بهذا الشعور: لا يعتبر هذا الوحش أحد خليقة الله؟ فليس له سلطان على إلا بسماح من الله، وإن كانت إرادة الله تسمح له أن يؤذيني فلتكن إرادته! وبهذا الفكر هدأت ودخل في سلام وعدم خوف قط من هذا الثعبان، وهو بدوره بدأ ينظر إلى ويحني رأسه فقلت: أجرب وأعطيه قليلاً من الطعام ومددت له يدي ببعض الطعام الذي كان في المغارة، فمد رأسه وأخذ الطعام بهدوء، ومكث بالمغارة مدة ما، وعندما كنت أصلى أقول له: "اذهب"فيفهم ويذهب! فكنت أتعجب من هذا الثعبان الذي كنت أرهبه منذ قليل هو نفسه يخضع لي ويتصالح معي".

وعندما انتشر بوادي النطرون كثير من الضباع الشرسة، لدرجة جعلت من بوليس الوادي أن يصدر تعليماته عن طريق النشرات الدورية ومكبرات الصوت ورجال الحراسة الليلية، كانت يد الله تحمي مغارته من شرهها، فيقص لنا الأب "كيرلس المقارى" قائلاً: في ذات ليلية تعرضت مغارته لهجوم من هذا الضبع، لأنه شم رائحة فروة الخروف التي يتكأ عليها الأب متى المسكين، فأخذ يخدش بالباب، وإذ بأبينا يجهز السكين وحديدة كوسيلة للحماية وفى لحظة سريعة؛ أدرك أن يد الله أقوى من كل شيء، فترك ما بيده وركع وصلى وفي الصباح وجد آثار أقدام ضبع الوادي الشرس".
وذات ليلية أدرك الأب "متى المسكين" بوجد الله بمغارته بدير السريان، وأشار كتاب السيرة التفصيلية عن هذه الواقعة حيث ذكر: "في أحد الأيام كنت أصلى بحرارة إمام الله وأنا أقول: أريد أن أعرفك. أريد أن أدركك. هل يمكن للإنسان أن يدركك يا إلهي؟ فسمع صوتًا يقول له: العبارة التي كتبها فيما بعد في كتاباته: "الله مدرك كامل. ولكن لا يدرك كماله".
على أية حال، قضى الأب "متى المسكين" ما يقرب من ثلاث سنوات متصلة بمغارته بدير السريان متعبدًا ناسكًا يحيا حياة الإيمان المسيحي السليم.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١٢ تعليق