خالد منتصر
لم أندهش عندما ترددت أخبار سنة ١٩٩٠ عن أن وزير الداخلية آنذاك عبدالحليم موسى قد عقد صفقة مع الشيخ عمر عبدالرحمن فى إطار ما سُمى بالمراجعات التى تخيَّل النظام وقتها أنها ترويض لتلك الجماعات الإرهابية وعودة بها إلى صراط الحق وبداية مصالحة ودمج، البند الرئيسى فى الصفقة هى سفر أو تسفير عمر عبدالرحمن إلى السعودية، ومنها بدأت رحلته إلى أفغانستان والسودان ثم أمريكا ليحكم عليه هناك بالسجن مدى الحياة ثم يموت هناك ويعود ليدفن بعد أن حاول الإخوان الضغط على أمريكا للإفراج عنه دون جدوى، وإذا كانت رحلة عمر عبدالرحمن قد انتهت فى أمريكا فقد بدأت فى الفيوم وفى سنورس بالتحديد، وهذه البداية الفيومية تم رصدها فى عدة دراسات، منها دراسة مهمة نشرت فى «جريدة الجمهورية»، هبط عمر عبدالرحمن أرض الفيوم فى منتصف ستينات القرن الماضى للعمل إماماً وخطيباً بأحد مساجد الأوقاف بإحدى قرى سنورس، حيث شن حرباً شعواء على جمال عبدالناصر فى خطبه، انضم الشيخ عبدالرحمن لجمعية النهضة التى كانت تتخذ مقراً ومسجداً لها بشارع متفرع من شارع بطل السلام بحى الحواتم بمدينة الفيوم، ثم انفصل عن الجمعية لخلافات وقعت بينه وبين بعض قياداتها، وحصل خلال تلك الفترة على الماجستير والدكتوراه والتى كان عنوانها «موقف القرآن من خصومه فى سورة التوبة» والتى تحدث فيها عن الحاكمية والجهاد والولاء والبراء وحصل بها على امتياز مع مرتبة الشرف وعمل بعدها مدرساً بكلية أصول الدين بفرع جامعة الأزهر بأسيوط.
فى خلال فترة الفيوم ارتبط بعلاقات قوية مع قيادات الجماعة الإسلامية بمحافظات الصعيد ومنها إلى الجامعات المصرية، حيث تواصل عمر عبدالرحمن مع أبوالعلا ماضى وكرم زهدى وعبدالمنعم أبوالفتوح وعاصم عبدالماجد وعصام دربالة وغيرهم وكوَّنوا فيما بعد الجماعة الإسلامية، وكان يخطب الجمعة بعدد من المساجد بمدينة الفيوم ومنها مسجد التقوى بالنويرى ومسجد الشهداء بتقسيم مصطفى حسن، ويتنقل بين أكثر من مسجد بالمحافظة لإلقاء خطبه رغم التضييقات الأمنية عليه، وبعد رحيل الرئيس عبدالناصر وتولى الرئيس السادات مقاليد الحكم أفتى بتكفيره، وهى الفتوى التى استند عليها الإرهابيون فى اغتيال الرئيس السادات، تردد اسم الفيوم كثيراً مع تزايد نشاط عمر عبدالرحمن فى النصف الثانى من الثمانينات، ففى مارس عام 1989 ألقى مجهولون عبوات حارقة على عرض مسرحية «أصل وخمسة» التى نظمتها نقابة الزراعيين، ما تسبب فى إصابة ضابط كان يقوم بتأمين العرض وآخرين، ويوم الجمعة 7 أبريل من نفس العام وقع صدام مسلح بين أنصاره والشرطة عقب الصلاة أمام مسجد الشهداء بمصطفى حسن تم خلالها ضبط 16 من أتباعه وبحوزتهم أسلحة نارية، وقررت النيابة حبسهم، ومنهم عمر عبدالرحمن، بتهمة مقاومة السلطات واستغلال الدين فى ترويج أفكار بقصد إثارة العنف وإحراز أسلحة نارية والشروع فى قتل مأمور بندر الفيوم آنذاك، وأعقب ذلك يوم السبت 15 أبريل إلقاء زجاجتين حارقتين من قطار الفيوم - أبشواى على رواد سينما عبدالحميد بميدان السواقى، ما تسبب فى إصابة عدد من الرواد أثناء وقوفهم أمام شباك التذاكر، وتم ضبط الفاعل وهو من أتباعه بعد مطاردة مثيرة وهو نفس الشخص الذى قام فيما بعد بتكرار لإلقاء العبوات الناسفة على السياح بميدان السواقى وأصاب سبعة منهم، كما ألقى عبوة ناسفة على حفل للمرضى بمستشفى الفيوم العام نظمته جمعية أصدقاء المرضى وطلاب كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة الفيوم، ما تسبب فى إصابة عدد منهم وطالبة وطفلة وإحدى عضوات مجلس إدارة الجمعية، وهذا العضو الذى كان ناشطاً فى هذه الأعمال بجماعة عمر عبدالرحمن كان من بين المتهمين فيما بعد فى قضية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق، ثم وقعت فى أبريل عام 1990 أحداث سنورس التى هاجم خلالها المتطرفون 3 صيدليات، وأشعلوا النار فى عدد من المنازل ودراجة بخارية فى محاولة لإثارة فتنة طائفية، وتصاعدت الأحداث بإلقاء عبوة ناسفة وإطلاق النار على قوة تأمين كنيسة العذراء بقرية سنهور القبلية بسنورس أثناء تناولهم الطعام عقب انطلاق مدفع الإفطار، مما أسفر عن استشهاد مساعد شرطة وإصابة اثنين من قوة الحراسة، خلال تلك الفترة نشب خلاف كبير بين الدكتور عمر عبدالرحمن مفتى ما يسمى تنظيم الجهاد وأحد أتباعه المقربين المهندس شوقى الشيخ، وهذا المهندس شوقى هو الذى بدأ قصة دموية أخرى فى الفيوم لنا وقفة معها.
نقلا عن الوطن