بقلم:جاكلين جرجس
رغم الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب المصري إبان هزيمة يونيو 1967 من دماء وأرواح وخسائر مادية وعسكرية ومعنوية ونفسية ، إلا أن استيعاب الدروس الناجمة عن ارتكاب أخطاء وخطايا قد تم بشكل عبقري و سريع ومدروس وعبر رؤية متكاملة لتجاوز كل أسباب الهزيمة والانكسار بشكل علمي وموضوعي و وطني ، والأهم الذهاب لإعادة اكتشاف قدرات وإمكانيات وطبيعة الإنسان المصري ..
 
لقد أدركت القيادة السياسية والعسكرية أهمية الحشد والتعبئة و التخطيط والتجهيز والتدريب ، ولعلنا ونحن نحتفل بمرور 46 سنة على تحقيق انتصار أكتوبر ، أن نتوقف عند أهم قرارات صناعة النجاح وبلوغ النصر :
 
• كان هناك إيمان أولي بأهمية تجهيز البلاد ( قيادات حكومية ، مؤسسات ، بشر ، معدات وإمكانيات .. الخ .. لتكون الجبهة الداخلية قادرة على دعم ومساندة ، وفي حالة تفاعل إيجابي مع جبهة الحرب وجاهزة للمشاركة في دفع ثمن إزالة آثار العدوان مهما كانت التضحيات
 
• تم إعداد خطة الحرب اعتمادًا وبشكل أساسي على مقاتل مختلف تمامًا عن مقاتل حرب 1967  من حيث المؤهل والتجهيز والتدريب والإعداد المعنوي والثقافي والعلمي ..
 
•تم إعداد خطة خداع إعلامية وعسكرية استراتيجية ، خطط لها و أشرف على تنفيذها د. عبد القادر حاتم ، والتي كان من شأنها مباغتة العدو بمواقف ومفاجآت أربكت دفاعاته وقرارات هجومه ، في مجال توقيتات الحرب ، وتطوير عمليات الهجوم وغيرها ..
 
•لقد أدركت قيادات تلك المعارك الاكتوبرية الرائعة مدى نجاح شعبنا في تحقيق الانتصارات عندما تكتمل كل عوامل دعم الوحدة الوطنية بين كل عناصر ومكونات شعبنا ، وكيف كان لشعار " الدين لله ، والوطن للجميع " والإيمان بمفهومه ، و الذي رفع إبان ثورة 1919 النجاح في تكاتف كل قوى المصريين لتحقيق الانتصارات ..
 
لقد كان لروح أكتوبر ودعمها لمفهوم " المواطنة " ودعم أواصر الوحدة الوطنية الأثر البالغ في تكامل المشاركات الإنسانية لتحقيق الانتصار ...
ومعلوم أن المواطن القبطي ــ شأنه كشأن أي مواطن ــ عندما يستشعر أنه حاضر وغير مغيب أو منتقص الحقوق ، فإنه يشارك بكل قوة في حماية وطن شعر في حماه في تلك الفترة بكل مشاعر الولاء والانتماء ..
 
وبهذه المناسبة نعرض لبعض نماذج من بطولات وأدوار وطنية قدمها بعض أبناء مصر من الأقباط للتأكيدعلى أن روح أكتوبر كانت دافعة لكل المصريين لإحراز بطولات عبقرية.. 
 
 فمن منا ينسى اللواء الراحل باقى زكى مخترع الفكرة العبقرية التى أهدت النصر لمصر عبر تدمير خط برليف المنيع قالاً : " الحل فى خرطوم المياه " ، وكان قائد الفرقة هو سعد زغلول عبدالكريم فاجتمع مع الضابط «باقى» الذى طلب منه تسجيل الفكرة بإسمه، ليتصل به فيما بعد: " نا مضيت النهارده على أشرف وثيقة، وأنت أديتنا مفتاح بوابة النصر" ..
 
 وعلى الجبهة كان هناك قائد كتيبة المشاة " شفيق مترى سدراك " ، كان ضابطا مقاتلا فى سلاح المشاة هو أول ضابط شهيد فى حرب أكتوبر،كان بطلا فذا فى معركة " أبوعجيلة " عام 1967 وتعد من أرقى معارك الجيش المصرى،  وكبد إسرائيل خسائر فادحة نال بسببها ترقية استثنائية من جمال عبدالناصر.
 
أما اذا نظرنا إلى السماء نجدها تشهد ببطولات الطيار الفذ " سمير عزيز"، الذى قيل عنه: " كسر العديد من النظريات العلمية حول عمل الطائرات المقاتلة"، لم يخشى أى مقاتل منهم الموت بل كان يواجهه بشجاعة ؛ لذلك كان الموت رفيق الطيار "سمير عزيز "خلال فترات حياته فى الخدمة العسكرية حتى أنه فى يوم النكسة المشؤوم اختصت طائرة إسرائيلية مطاردته على الأرض ، أما أثناء حرب الاستنزاف فأقلع بمفرده من مطار الغردقة وبدون أوامر تجاه أحد مطارات العدو جنوب سيناء "رأس نصرانى - شرم الشيخ حاليا" كى يبث الرعب والفزع فى نفوس الإسرائيليين،  ودرس بطلنا الموقف تماما ليفاجئ الإسرائيليين ، ويعود لقاعدته بدون أن يخبر أحدا .
 
و عن البطل النقيب مجدى بشارة قائد معركة «الجزيرة الخضراء»، أرادت إسرائيل احتلالها قبل حلول ذكرى ثورة 23 يوليو لـ«كسر أنف جمال عبدالناصر»، بدأت العملية فى الساعة الثانية عشرة ليل 19 يوليو، كانت قواتنا نحو 100جندى و5 ضباط، و30 صندوقا لقنابل يدوية بالإضافة إلى قذائف لهب وذخائر وألغام بحرية تم زرعها تحت المياه لمواجهة ضفادع إسرائيل البشرية.
 
واجهت هذه القوات حوالى 800 جندى إسرائيلى حاولوا التسلل بصمت لذبح الجنود المصريين، لتبدأ مواجهة عنيفة عجز الإسرائيليون خلالها عن دخول الصخرة بدماء شهدائنا ،استنفدت الذخيرة، وأصبح عدد جنودنا 24 فقط، وطلب مجدى بشارة إمدادا من قائد الجيش الثانى، فأرسل له 40 جنديا لكنهم استشهدوا بغارة إسرائيلية قبل وصولهم، وبعدها رفض قائد الجيش تكرار الإمداد قائلا لـ«بشارة»: "حارب بما هو موجود لديك"، فقال له بشارة: " أرجوك بعد 10 دقائق افتح كل مدفعية الجيش الثانى على الموقع لإبادة كل من فيه "، أعطى بشارة أوامره لجنوده بنزول المخابئ، وتم فتح النيران ليحدث ما توقعه، فالقوات الإسرائيلية لم تتحمل وانسحبت، وأثناء الانسحاب طاردهم أبطالنا بمدفعين فأغرقوا لنشات إسرائيلية، وقتل 62 وأصيب 110 إسرائيليين.
 
   فى قائمة ابطالنا الأقباط اللواء مهندس "نصرى جرجس" قائد وحدة الرادار المسؤولة عن اكتشاف الطائرات المعادية والإبلاغ عنها، واللواء طيار "مدحت قلادة صادق" صاحب لقب "أفضل قائد قاعدة جوية"، والعميد" ميخائيل سند ميخائيل" الذى كان مسؤولا ضمن قوات الردع الصاروخى، واللواء "فكرى بباوى" الذى أصيب فى حرب أكتوبر إصابة بالغة فصمم زملاؤه المسلمون ومنهم زكريا عامر ومحمد مصيلحى أن يحملوه رغم المخاطر الهائلة لمسافة 3 كيلومترات، حتى وصلوا به إلى موقع الإسعاف، وهناك أبطال آخرون مثل اللواء أركان حرب "طيار جورج ماضى عبده" الذى وصل إلى منصب رئيس أركان الدفاع الجوى واللواء طيار " نبيل عزت كامل"، واللواء " نعيم فؤاد وهبة " أحد قيادات الدفاع الجوى ، واللواء أركان حرب "صليب  بشارة " رئيس هيئة البحوث العسكرية فى مايو 1971 وحتى أكتوبر 1973.
 
 عند ذكر سيرة حرب أكتوبر لا يسعنا إلا أن نتذكر اللواء " فؤاد عزيز غالى "الذى حصل على رتبة فريق بعد الانتصار، قاد "غالى" الجيش الثانى وكان صدى صوت وزير الحربية المشير أحمد إسماعيل يرن فى أذنه: "مكتوب على جبهتك القنطرة، وأتركك الآن حتى تحررها، وسوف تعود إلى قيادة الفرقة 18 مشاة"، وفعلها غالى، وقام بتأمين منطقة شمال القناة من القنطرة إلى بورسعيد. 
 
كانت حرب أكتوبر ملحمة ملهمة و بطولة لكل المصريي
 
ن، مسلمين ومسيحيين، وحتى الأن فى حربها  ضد الإرهاب و قوى الشر لم تعرف مصر التفرقة أو العنصرية أو التمييز فالكل فى بوتقة واحدة ينصهر الجميع فيها لرفع راية النصر و تحيا مصر رغم المحن والصعاب و تبقى راية الوطنية و المدنية هى الأعلى و الأقوى و يظل البقاء للعلم و للإنسانية  لنهضة مصرنا العزيزة .