الأقباط متحدون - مصير الديمقراطية في مصر
أخر تحديث ١٩:٠٤ | السبت ٦ يوليو ٢٠١٣ | ٢٩ بؤونة ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٧٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

مصير الديمقراطية في مصر

بقلم : د.عبدالخالق حسين
منذ بدء الانتفاضة المصرية الثانية يوم 30/6/2013 لخلع الرئيس المنتخب السيد محمد مرسي، وأنظارنا، كما أنظار كل العالم، متجهة إلى مصر المحروسة، وأيدينا على قلوبنا خوفاً من أن يحصل المكروه، إذ هناك من يراهن على الحرب الأهلية. فبعد عام من فوز حزب الأخوان المسلمين بالسلطة عبر صناديق الاقتراع، نفذ صبر الشعب المصري من سوء أدائهم فقام بالمرحلة الثانية من ثورته التي بدأها يوم 25 يناير 2011 لخلع الرئيس الأسبق حسني مبارك، من أجل ثلاثة أهداف رئيسية: "الخبز، والحرية، والعدالة الاجتماعية"، إذ فشل الرئيس مرسي (الأخواني) وحزبه الحاكم في تحقيق أي من هذه الأهداف.

كانت الاحزاب الإسلامية تردد منذ عشرات السنين أن "الإسلام هو الحل"، أي حل مشاكل القرن الحادي والعشرين بقوانين مر عليها 14 قرناً، ودون الاعتراف بالعلم وما حصل من تطورات مذهلة على الحياة في جميع المجالات. فالشعوب العربية تطغي عليها نزعة المحافظة والتدين، وقد عانت الكثير من استبداد حكومات فاسدة وجائرة أدعت العلمانية، لذلك تأثرت نسبة كبيرة من هذه الشعوب بشعارات الأحزاب الإسلامية فمنحتها أصواتها في الانتخابات بعد انتصار ثورات الربيع العربي.

أكدنا مراراً على أن أفضل طريقة للتخلص من الإسلامويين هو استلامهم السلطة لوضع شعاراتهم على المحك، لأننا كنا واثقين من أنهم سيفشلون، إذ لا يمكن معالجة أمراض اليوم إلا بطب الحديث، وليس بوصفات القرون الغابرة مثل الحروز والتعاويذ والطلاسم، وحفلات الزار...الخ!!. لذلك نعتقد أن فوز الإسلاميين في تونس ومصر قبل عام كان خطوة "رائعة" وفق مقولة "رب ضارة نافعة" للتخلص منهم، وإلا سيواصلون التأثير على ذهنية الجماهير برفع شعارهم: (الحل في الإسلام) وامنحونا الفرصة لنجرب!.

كذلك نعرف من التجربة الجزائرية الدموية المريرة عندما حصد الإسلاميون في الجولة الأولى من الانتخابات عام 1992 غالبية الأصوات، مما أثار رعب الكثيرين في الجزائر وخارجها من الهجرة الجماعية، وفرض حكم "الشريعة"، لذا قامت الحكومة العسكرية بإلغاء الانتخابات ونتائجها، وكان ذلك في رأينا، خطأً كبيراً لأنه أدى إلى حرب أهلية دامت أكثر من عشر سنوات راح ضحيتها نحو ربع مليون قتيل. أعتقد أن مرحلة استلام الاسلاميين للسلطة ما بعد إسقاط الحكومات العربية المستبدة عقب انتفاضات الربيع العربي، مرحلة لا بد منها، بل وربما ضرورية لفضح حقيقة الإسلاميين.

إن مشاكل الشعب المصري، وكأي شعب من الشعوب العربية والعالم الثالث، كبيرة جداً وخاصة الاقتصادية منها، لا يمكن حلها بعصا سحرية، وبعقلية ميتافيزيقية دينية لا تؤمن بالوسائل العلمية والحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان و تحرر المرأة...الخ، خاصة ونحو 70% من السكان لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر، وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب نحو 40% أغلبهم من المتعلمين وخريجي الجامعات، بلا أمل في المستقبل، وفي هذه الحالة لا بد وأن يثوروا، إذ ليس لديهم ما يخسرونه.

لقد منح الشعب المصري الإسلاميين، الفرصة للكشف عن نواياهم الحقيقية من الديمقراطية، وقدراتهم على حل مشاكل الشعب الاقتصادية المتفاقمة. بالتأكيد لا يمكن لأي نظام حكم أن يحل مشاكل الشعب المصري في سنة واحدة، ولكن هذه السنة أكدت فشل الرئيس الأخواني الدكتور محمد مرسي وفريقه في هذا الامتحان. إذ فشلوا في الديمقراطية، لأن مرسي تصرف وكأنه حاكم مستبد يتخذ القرارات كما يشاء، وأنه رئيس للإسلاميين فقط وليس لكل الشعب المصري، وضيَّق الخناق على الحريات وعلى السلطة القضائية وعلى الإعلام، وراح يحكم مصر بنظام إسلامي صارم لا يختلف عن حكم طالبان في أفغانستان. ونتيجة لهذا الفشل، نفد صبر المعارضة التي انضمت إليها غالبية الشعب بمن فيهم نسبة كبيرة من الذين صوتوا لمرسي، فنظمت الحراك الجماهيري الأخير في غاية الحكمة والتنظيم والتكتيك، وقامت بانتفاضتها الثانية يوم 30/6/2013. كما وقام الأخوان المسلمون بمظاهرات مضادة، مما أدى إلى صدامات بين جماهير المعارضة لمرسي والجماهير المؤيدة له، فوقع نحو 30 قتيلاً ومئات الجرحى، الأمر الذي هدد بانزلاق البلاد إلى حرب أهلية خطيرة. وفي هذه الحالة، فالجيش المصري لا يمكن أن يبقى متفرجاً، إذ من واجبه الوطني التدخل وحماية الشعب من كارثة محتملة. وهكذا فإن الانتفاضة الشعبية سبقت تحرك الجيش، أي أن الجيش استجاب لرغبات الغالبية العظمى من الشعب في لحظة تاريخية حاسمة بل وضرورية لتجنب الانزلاق إلى حرب أهلية.

لذلك فقد تصرف الجيش بقيادة وزير الدفاع، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بحكمة وعقلانية، لإخراج البلاد من أزمته، ومنح الرئيس مرسي وقيادات المعارضة 48 ساعة مهلة للتباحث والوصول إلى حل معقول، وإلا فإنه سيتدخل لحل الأزمة على طريقته وفق "خارطة الطريق" التي تضمنت، كما تبين فيما بعد: "تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، ومراجعة تعديلات دستورية مقترحة، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة."

كان المفروض بالرئيس مرسي تبني المرونة والتصرف بحكمة، ووضع مصلحة الشعب والديمقراطية فوق مصلحته الشخصية والحزبية، ولكنه بدلاً من ذلك واجه العاصفة بتعنت، فألقى خطابا طويلاً ومملاً عشية انتهاء المهلة، شدد فيه على تمسكه بـ"الشرعية" التي اكتسبها عبر صناديق الاقتراع في انتخابات الرئاسة العام الماضي، وأنه مستعد أن يموت في سبيلها.

كان على مرسي الاجتماع  بقادة المعارضة لبحث الأزمة معهم، وتشكيل حكومة إئتلافية، أو من التكنوقراط المستقلين، وإعلان موعد لانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، وكان من حقه إعادة ترشيح نفسه. أعتقد لو اتخذ مرسي هذا القرار، لما تدخل العسكر، ولما أوصل البلاد إلى هذا الوضع المخيف الذي يهدد بحرب أهلية على غرار ما حصل في الجزائر في التسعينات.

لقد فاز مرسي بنسبة 52% من الذين شاركوا في انتخابات العام الماضي، وإذا ما أخذنا في نظر الاعتبار أن نسبة المشاركين كانت في حدود 50% من الذين يحق لهم التصويت، لعرفنا أن الذين صوتوا لمرسي لا يزيد على 26% من الذين يحق لهم التصويت، أي أن نحو ثلاثة أرباع الشعب المصري لم يصوتوا له، وهذا يجعله في موقف ضعيف، كان عليه أن يتصرف بمنتهى الحكمة.

ومهما قيل عن تحرك الجيش بعزل محمد مرسي مساء الأربعاء، 3/7/2013 بعد انتهاء المهلة، هو في رأينا انقلاب عسكري رغم أن العسكر ينفون ذلك، ولكنه انقلاب ضروري ومبرر جاء في لحظة تاريخية حاسمة وخطيرة، استجابة لرغبة غالبية الشعب لدرء ما هو أسوأ. وحسناً فعل العسكر في عدم تسلمهم أي منصب في السلطة الانتقالية، إذ تم تكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور لتولي منصب رئيس البلاد بصورة مؤقتة، والذي أدى اليمين الدستورية يوم الخميس 4/7/2013.

اعتراضات على تدخل الجيش
هناك اعتراضات كثيرة مشروعة من مؤيدي مرسي، ومن خارج البلاد أيضاً على تدخل الجيش وعزل رئيس منتخب من الشعب ومهما كانت نسبة الذين صوتوا له. ولكن السؤال هو حول مدى عدالة وسلامة هذا الموقف؟ أيهما أفضل، التمسك بالدوغمائية "الشرعية" وترك البلاد تنزلق في فوضى عارمة وحرب أهلية لا تعرف عواقبها الوخيمة، أم أن يتدخل الجيش لفرض النظام، وحل معقول لحماية الشعب ومستقبل الديمقراطية نفسها؟
أعتقد أن الحل الثاني هو الصحيح لأن اختارته غالبية الشعب المصري. قد يبدو غريباً أن يرحب الشعب بتدخل العسكر ليخلصهم من رئيس منتخب ديمقراطياً. ولكن يجب أن نعرف أن الانتخابات وحدها لا تعني كل شيء في الديمقراطية، إذ هناك حقوق الأغلبية والأقلية، ولا تعني أن يتصرف الحاكم المنتخب كدكتاتور، وإلا صارت دكتاتورية منتخبة. لا ننسى أن هتلر جاء إلى السلطة عن طريق الانتخابات ولكنه قاد إلى كوارث الحرب العالمية الثانية. فهل يعتبر خطأً لو كان الجيش الألماني قد بانقلاب ضد هتلر المنتخب وتجنيب العالم حرباً عالمية؟ وفعلاً كانت هناك محاولات من قبل البعض للتخلص من هتلر، ولكن تم اكتشاف محاولتهم واعدموا. لذلك أرى أن تدخل الجيش المصري كان عملاً صحيحاً فرضته ظروف خاصة لحماية الشعب من حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

ومن أخطاء مرسي أن حزبه ساهم في إثارة التفرقة الطائفية، وتفشي العنف والتمادى في شق صفوف الشعب عبر وسائل إعلامه مثل "فضائية الناس" التي تم إغلاقها مؤخراً لهذا السبب. لذا لقي تدخل الجيش تأييداً كبيراً من غالبية الشعب. وعندما نقول غالبية الشعب فليس ذلك من باب التخمين أو التحيز، بل لما رأيناه من حجم الجماهير المشاركة في التظاهرات المليونية في شتى أنحاء البلاد ضد مرسي، وكذلك من عدد الموقعين على النداء الذي نظمته قيادة المعارضة والذي بلغ 22 مليوناً، لمطالبته بالتنحي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. لذا فهذا الرفض الشديد من 22 مليوناً هو بمثابة تصويت على سحب الثقة بالرئيس المنتخب وفقدانه لشرعيته.

كما وفسر البعض تدخل الجيش لإزاحة رئيس منتخب هو إعلان عن موت الديمقراطية في مصر، أو على الأقل أن الشعب المصري مازال لم يكن مؤهلاً للديمقراطية بعد. أعتقد أن هذا الحكم غير دقيق، فليس هناك شعب مؤهل وآخر غير مؤهل للديمقراطية، بل الديمقراطية لن يتعلمها أي شعب إلا من خلال الممارسة، إذ نعرف من تاريخ الشعوب الأوربية التي سبقتنا في هذا المضمار أنها في بداية ممارساتها للديمقراطية مرت بنفس المراحل المؤلمة التي تمر بها الشعوب العربية الآن، ثم تعودت عليها حتى صارت جزءً من ثقافتها الاجتماعية. فالديمقراطية لم تولد ناضجة ولم تكتمل دفعة واحدة، ولم تكن بلا ثمن، إذ كما قال الفيلسوف الألماني هيغل: "أن ولادة الأشياء العظيمة دائماً مصحوبة بألم". ولا شك أن الديمقراطية من أعظم ما أنجزته الحضارة البشرية، لذا لا بد وأن تكون ولادتها عسيرة ومؤلمة وفي أغلب الأحيان تتم بعملية جراحية قيصرية.

كذلك يجب أن نعرف أن الحكومات العربية اعتمدت في حكم شعوبها على سياسة "فرق تسد"، لذلك فهذه الشعوب تحتاج إلى عشرات السنين للتخلص من حالة التمزق والتشتت، والتركة الثقيلة التي ورثها من الحكومات المستبدة.

وبناءً على ما تقدم، أرى أن ما قامت به جماهير الشعب المصري مؤخراً كان عملاً عظيماً وفي الاتجاه الصحيح. والمفرح في هذه الانتفاضة هو النسبة العالية لمشاركة النساء فيها تكاد تكون مساوية للرجال. وهذا دليل على أن حاجز الخوف قد انهار، ونحن نشهد مرحلة جديدة لجيل جديد واع لا يهاب الخروج على السلطات الجائرة، وأن الشعوب العربية حقاً دشنت مرحلة خوض المعركة من أجل الحداثة والديمقراطية والتخلص من الإذلال والتخلف.

*****************************
ملاحظة ما بعد كتابة هذا المقال Postscript:
بعد كتابة هذا المقال بيوم حصلت تطورات متسارعة إذ بدأ أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي يستخدمون العنف والتحريض عليه والدعوة إلى حرب الجهاد. وللأسف الشديد، آخر الأنباء تفيد عن سقوط عشرات القتلى وأكثر من ألف إصابة في عدد من المدن المصرية أكثرها في القاهرة. يبدو أن الإسلامويين ينوون جر مصر إلى حرب أهلية على غرار ما حصل في الجزائر في التسعينات. أدناه رابط لفيديو معتصمي رابعة العدوية حيث مكان تجمع (الأخوان المسلمين) يهددون بحرب "جهادية" في مصر على طريقة طالبان والقاعدة في أفغانستان


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter