الأقباط متحدون - متى نخرج من القرون الوسطى؟
أخر تحديث ٠٧:١١ | الثلاثاء ٩ يوليو ٢٠١٣ | ٢ أبيب ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٨٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

متى نخرج من القرون الوسطى؟

بقلم: مؤمن سلام
شعرت بالسعادة عندما سمعت أن الإعلان الدستوري المنتظر قد صدر، فأنا من مؤيدي الاستمرار في التقدم للأمام حتى نخرج من النفق الذي أدخلنا فيه الإسلام السياسي خلال العام الماضي بأقصى سرعة ممكنه. ولذلك كنت أستعجل صدور الإعلان الدستوري وتشكيل الوزارة، فكلما تقدمنا إلى الأمام كلما كان من الصعب العودة للوراء والتراجع عن ما أنجزناه في 30 يونيو.
 
ولكن ما أن قرأت الإعلان الدستوري الصادر حتى شعرت أن أحدهم قد صفعني على وجهي لأفيق من حلم مصر الديمقراطية الحديثة، وأرى الواقع أننا مازلنا مصر المملوكية ونعيش في القرون الوسطى. إعلان دستوري وضح فيه التأثير السلفي، هذا الفكر الذي يعيش في قرون سحيقة ويريد إنتاج نظم وقوانين عفي عليها الزمان غير مدرك لتغيرات الزمان والمكان.
 
جاءت المادة الأولى تحمل إلينا المادة الثانية من دستور 1971 والتي لطالما طالبنا بإلغائها، ليأتي إلينا مرسي العياط وجماعتة في دستور قندهار ويزيدوا الطين بله بإضافة تعريفات لكلمات المادة الثانية ليجعلوها أكثر تحديدا وبالتالي ضيقا وتفتح الباب أكثر أمام الحكم الديني المستبد. مع ثورة 30 يونيو توقعنا أن نتخلص من كل الآثار السيئ للحكم الديني وعلى رأسها هذا الدستور القندهاري الذي فرض على الأمة المصرية فرضا. واستبشرنا خيرا بكون رئيس الجمهورية رئيس المحكمة الدستورية وبالتالي فهو من أكثر الناس علما بكيفية كتابة الدساتير وضرورة توافقها مع المبادئ الدستورية التى توافق عليها العالم والتي يجب أن تتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكافة الاتفاقات الدولية.
 
ولكن خاب الأمل ونصت المادة الأولى على التالي "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة، والإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية التى تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة، المصدر الرئيس للتشريع." مرة أخرى تحديد دين للدولة وكأنها فرد سيحاسبه الله يوم القيامة على دينة وعلى سلوكه وأفعاله. ومرة أخرى ضم القواعد الأصولية والفقهية لمبادئ الشريعة الإسلامية لتخرج علينا بعد ذلك، وبناء على هذا النص، قوانين تحرم علينا كل شيء وأي شيء لا يرضى عنه كهنة السلفية. يا سادة لقد قمنا بثورة من أجل دولة ديمقراطية حديثة وليس من أجل دولة دينية تعيدنا إلى القرون الوسطي.
 
وتأتى المادة السابعة لتوجه صفعة أخرى لكل الحالمين بدولة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات لكل المصريين حيث نصت " حرية الرأى مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون. وتكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية لأصحاب الشرائع السماوية." أيها السادة، أولا لابد أن تعلموا أن كل الديانات تعتبر نفسها ديانات سماوية وأن مصدرها الخالق، وإلا لما سمت نفسها دين، ولذلك فالديانات الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) تسمى الديانات الإبراهيمية وليس السماوية. ثم ألم يخبركم أحد أن هناك ديانات ومعتقدات أخرى في مصر غير الأديان الإبراهيمية؟ ألا تعلمون أن هناك بهائيين يعتبرون أنفسهم أصحاب ديانة سماوية؟ ألا تدركون أن هناك لادينيين في مصر أكثر مما تتخيلون؟ وربما كانت هناك معتقدات أخرى لا نعلمها، فكيف تحصرون حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية في ثلاث أديان فقط؟
 
هذه أفكار القرون الوسطي، قرون محاكم التفتيش، قرون القتل على الديانة وممارسة الشعائر التى تخالف عقيدة أغلبية سكان المجتمع. ولا أدري كيف تقولون في المادة الأولى أن مصر تقوم على مبدأ المواطنة، ثم تعودون في المادة السابعة لتفرقوا بين المصريين على أساس العقيدة؟ لا أستطيع أن أتهم من فعل ذلك بالجهل فرئيس الدولة فقيه دستوري ولا تفوته هذه الأمور، فلا أجد مبرر لهذا التناقض إلا أن يكون خضوع للسلفيين.
 
من هم السلفيين الذين تخض لهم السلطة المؤقتة في مصر؟ إنهم أصحاب فكر بول البعير ونكاح الصغيرة ومضاجعة الوداع وتحريم الفنون وطمس الآثار. إنهم من يسب كل الديانات والمذاهب المخالفة لفكرهم الوهابي، إنهم من حرض وشجع على سحل وقتل المصريين الشيعة في مشهد بشع روع العالم كله، ثم خرجوا مهللين فرحين بهذه المذبحة. السلفيين الذين رفضوا مظاهرات 25 يناير وحرموا الخروج على الحاكم، ولم يشاركوا في مظاهرات 30 يونيو، وشاركوا الإخوان في وضع دستور قندهار الذي نريد التخلص منه، والآن يجلس قادتهم مع التيار المدني بينما قواعدهم في رابعة العدوية. فبأي منطق يصبحوا جزء من العملية الانتقالية بل وتخضع لهم السلطة المؤقتة وتعصف بحقوق الإنسان من أجل إرضاءهم.
 
نعم نحن نريد التوافق بين كل أطياف الأمة المصرية، ولكن لابد أن يكون هناك قاعدة مشتركة وحد أدنى لا يتم التنازل عنها وهى الدولة الديمقراطية الحديثة، دولة تحترم حقوق الإنسان وتقوم على المساواة الكاملة بين كافة المواطنين، أما غير ذلك فسيكون بمثابة الإصرار على البقاء في العصور الوسطي، عصور التمييز بين الناس على أساس العقيدة والعرق والجنس.
أيها السادة لقد قمنا بثورة 30 يونيو من أجل مصر الديمقراطية الحديثة، وليس مصر المملوكية القروسطية.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter