بقلم : رفعت السعيد
دعونا نتطلع إلي المستقبل الذي فرض نفسه ولم يزل يفرضه رغم كل غباوات الذين لا يرون الحقائق عن عمد أو عن بؤس فكري وافتقاد للبصيرة ، ويتمتعون بقدره فائقة علي إنكار الحقيقة.
إنها عقلية الفاشي المتأسلم ذلك أن أسوأ أشكال الاستبداد والفاشية هي ذلك النوع الذي يمنح نفسه لباساً متأسلماً ينطق بكلمات توحي بأنها إسلاما بينما الفعل تأسلماً يستهدف تحقيق مصالح ذاتية وستر عورات سلطتهم . ألم نقرأ في القرآن الكريم ” قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ” ( الكهف – 104 ) .. وفي الحديث الشريف ” تحقر صلاة أحدكم في جنب صلاتهم ، وصوم أحدكم في جنب صومهم لكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم ” .
لكن جماعة الإخوان لم تكتف بالتسلط الفاشي المغلف بالدين ، بل مارسته بواقع فعلي مرير . فجوهر التعصب الفاشي يقوم علي أحادية الرؤية فلا يري صاحبه سوي رؤية واحدة ويرفض كل ما عداها ويعتبر أن هذا الآخر هو العدو الذي يتعين اختفاؤه . وهكذا مارسوا كل أنواع العسف ضد أجهزة الإعلام وضد المثقفين والخصوم السياسيين ثم ضد حلفائهم، وحاولوا فرض رؤيتهم وحدها ، وفرض سياسة الأخونة علي مختلف المؤسسات الإعلام – الإدارة المحلية – القضاء – جميع أجهزة الإدارة ليس فقط للسيطرة علي مفاصل الدولة وإنما لتجهيز الساحة لانتخابات برلمانية كانوا يعدون للإسراع بها وتزويرها ذلك التزوير الذي اعتادوا عليه سواء في المطابع الأميرية أو بأقلام الحبر المتطاير أو شراء الأصوات أو كراتين توزع علي الفقراء بطعام يفتقدونه .
لكنهم حاولوا هذه المرة الإطاحة بثلاثة آلاف وخمسمائة قاض ليحل محلهم محامون إخوان ومتأخونون ومساكين من المحامين يقفون بالساعات علي سلالم المحاكم لاستجداء أية فرصة ، ثم يقوم هؤلاء بالإشراف علي الانتخابات ليكون هناك مزوراً علي كل صندوق بدلا من قاض علي كل صندوق . وفي سبيل هذا المخطط ارتكب الإخوان كل الغباوات الممكنة وغير الممكنة بما أفقدهم مؤسسات بأكملها مثل مؤسسة القضاء ذات المكانة والمهابة عبر التاريخ المصري الحديث ومؤسسات الحكم المحلي التي أطاحوا بقياداتها من أجل أخونتها واستخدامها في تزييف الانتخابات والجيش والشرطة .. إلخ
لكن الشعب أبي وثار ثورة لم تحدث من قبل في تاريخ مصر سواء من حيث اتساعها وشموليتها ووضوح شعاراتها الكراهية التي تختزنها جماهير الشعب .
والحقيقة أن مرسي قد أعطي نفسه الحق في الدخول إلي موسوعة جينيس فهو الرئيس المنتخب ( كما يزعمون ) ولكن تسايلت شعبيته فور تسلمه السلطة ثم تدهورت بسرعة غير مسبوقة . فمرسي الذي فاز بفارق 3ر1% وبسبب من تدخلات خارجية والذي منحه البعض أصواتهم لمجرد أنهم لا يريدون الآخر ، مالبث بعد عدة أسابيع أن فقد ليس فقط تأييد من خاصموه في المعركة الانتخابية وإنما أيضاً من منحوه أصواتهم ومع كل يوم يرتكب مكتب الإرشاد الإخواني أخطاء يمليها علي مندوبه في رئاسة الجمهورية وتبدي مرسي أمام الجميع بأنه مجرد ألعوبة في يد قادة مكتب الإرشاد الذين كانوا يتعمدون إظهار سيطرتهم عليه وسطوتهم الباغية والمفتقدة للذكاء علي كل الأجهزة الهامة في الدولة .
والآن فقد مرسي كل تأييد فيما عدا الإخوان والمتورطين معه من الإرهابيين السابقين الذين أفرج عنهم من السجون أو استدعاهم من أفغانستان والذين ازدادت سطوتهم حتي عليه هو نفسه . ذلك أن العلاقة بين الإخوان والعناصر الإرهابية السابقة تحكمها علاقة فلسفية يمكن تسميتها ” التناقض المتداخل ” طرفان يتحالفان ويتداخلان في آن واحد وكل منهما وخلال هذه العملية يؤثر في الآخر ويتأثر به . فالإخوان استفادوا من إبراز هذه العناصر ومن تطرفهم الذي يصل إلي ما فوق الجنون ليوجهوا رسائل لنا وللشعب ولأمريكا والأوروبيين مؤكدين أنهم أرحم وأخف وطأة من هؤلاء المتشددين ويستفيدون من ذلك بينما هؤلاء المتطرفين يتجهون إلي أتباعهم نحن حراس الشريعة ( وما هم كذلك ) أما الإخوان فمراؤون .
لكن هذا الحلف غير المقدس يمثل ضغطا علي كل من طرفيه وربما قيدا أيضا . ومع انهيار الحكم الإخواني يتسرب المتأخونون والحلفاء والمؤلفة قلوبهم .. تاركين السفينة الغارقة لأصحابها .
والمثير للدهشة أن هؤلاء الذين وصفهم مكتب إرشادهم بأنهم أصحاب الأيدي المتوضئة كانوا في عديد من الأحوال أكثر فساداً من سابقيهم وفشلوا فشلا ذريعاً في إدارة شئون مصر لأن الاختيار كان يتم علي أساس الولاء والسمع والطاعة للرجل القوي المختفي خلف مرسي . واكتشف المصريون أن كثيراً منهم قد هبطت عليهم ثروات لا تأتي من مجرد عمل شريف أو حتي غير شريف وأنهم يسعون فحسب نحو الإثراء ، حتي بغض النظر عن النوازع الدينية . فهل يصدق أحد أن أحد كبار قادة الإخوان هو الوكيل الحصري لمحلات زارا الأوروبية الشهيرة والتي تبيع حصرياً أيضاً وفي مصر الأزياء الأوروبية التي يقولون هم أنها فاضحة بما فيها مايوهات البيكيني .. هل يصدق أحد أن هذا اسلام .؟
.. ومع تدني شعبيتهم إلي الحضيض كانت حملة تمرد ( أكثر من 22 مليون توقيع ) وكانت مظاهرات غير مسبوقة قالت وكالة رويتر ودعمتها ” جوجول” أن المتظاهرين في محافظات مصر الذي هتفوا من أعماقهم ” يسقط حكم المرشد ” يوم 30 يونيو بلغوا 14 مليونا .
والحقيقة أن الجريمة الأكبر التي ارتكبها الحكم الإخواني والتي عبأت الجماهير ضدها هو عبثها بالسيادة المصرية علي حدود الوطن . ( الأنفاق التي ينهمر منها علنا إرهابيون وأسلحة ومخدرات ) والمؤامرات التي تجري حول تعديل حدود سيناء ، وفوق هذا السماح للإرهابيين من أصدقاء وحلفاء مرسي بالاحتشاد فيما أسموه بإمارة جبل الحلال بوسط سيناء وهو ما أثار مواطني سيناء ورجال الجيش والشرطة وكل المصريين ضد مرسي .
.. والحقيقة أن جماعة الإخوان قد فقدت بهذه الممارسات تأييد الأغلبية الكاسحة للمصريين . والتي حشدت نفسها لتفرض إرادتها .. وقد فرضتها .. وما القوي السياسية الشابة أو التقليدية سوي صدي لغضب شعبي لم تعرف له مصر شبيهاً من قبل .
فهل أدرك الإخوان وبعد فوات الأوان أنهم بهذه الممارسات لم يغلقوا أمام أنفسهم فحسب باب الوجود المؤثر مرة أخري ولعقود عديدة وليس هم وحدهم وإنما كل من علي شاكلتهم سواء من دول الربيع العربي أو حتي علي نطاق العالم ؟ فكما بدأت جماعة الإخوان في مصر انتهت في مصر وكما أسهمت في انتشار تأسلمها دوليا فقد أطفأته دولياً أيضاً .
والإجابة لا أعتقد . فمن واقع دراستي لتاريخهم أجدهم يرتكبون الخطأ وعندما يترتب عليه كارثة يعتبرونه مجرد امتحان من الله .. ويواصلون ودوما ارتكاب ذات الأخطاء ليضعوا أنفسهم في كل مرة خارج إطار العقل . ويبدأون من جديد ليخطئون ذات الأخطاء ويهزمون من جديد .
ثم .. وماذا بعد ؟ ونقول لقد نجحنا بتحالف شعبي واسع في شطب صفحة الإخوان وقد تطلب ذلك جهداً وفكراً ومناكفة وحتي خصومة مع كثيرين من القوي غير المتأسلمة بل حتي مع بعض اليساريين وبعض من قيادات التجمع وهذا هو الجهاد الأصغر .. أما الجهاد الأكبر فهو وماذا بعد ؟
وأقول وكما ألقي التاريخ علي عاتق حزب التجمع عبئ المواجهة الحاسمة مع الإخوان فكراً وممارسة، فإنه يلقي علي عاتقه اليوم عبئ قيادة مرحلة جديدة .. مرحلة بناء دولة مدنية حقا ، حديثة حقاً وليبرالية حقاً . تكون فيها المواطنة أساس الفعل وتسود المساواة ” المرأة تماماً كالرجل ” والمسيحي تماماً كالمسلم والفقير تماماً كالغني . وهنا أذكر الجميع أننا كما خضنا وحدنا في البداية المعركة ضد التأسلم الإخواني فقد خضنا وحدنا أيضاً معركة تحرير المرأة ومساواتها ومعركة الدفاع عن حقوق الأقباط ولم يزل الأمر منوطاً بنا . وإذا كنا قد أغمضنا طرف العين عن قضية العدل الاجتماعي الفعلي، وليس المناور كي نحافظ علي وحده جبهة المواجهة مع الحكم الإخواني . فإن حقوق الشعب الفقير والعامل والفلاح والمتعطلين وأصحاب المعاشات أولي بنا ونحن أولي بها .
وإذا كان التجمع قد نجح في المساهمة الفاعلة في توحيد قوي المواجهة للتأسلم فيتعين عليه الآن أن يبني أكثر من محور لتحركه الجماهيري والسياسي المقبل .. توحيد وتنشيط الحركة النسائية الليبرالية، وتوحيد وتنشيط قوي الدفاع عن حقوق الأقباط ، وتوحيد وتنشيط قوي الدفاع عن الفقراء .. العمال .. الفلاحين .. المتعطلين .. المهمشين . وإذا كان الشباب من كل الاتجاهات الليبرالية قد تألقوا كقادة فعليين للفعل الثوري الجماهيري وإذا كان شبابنا قد أسهموا بكفاءة وقدرة في التحرك الثوري وفي إطار شباب جبهة الإنقاذ ، فإن الانقسام في صفوفهم يضعفهم ويضعفنا ولابد من تصحيح هذا الأمر وفوراً . واعتدنا أن نقول أن المحور الأساسي لتحالفاتنا هو وحدة اليسار فإن مهمتنا أن نجبر كل المشاركين معنا فيه علي تقليل اللغو وتنشيط الفعل ولانضيع وقتنا في أي لغو يضيع الوقت ولا يبني شيئاً. وباختصار فإن حزب التجمع هو ذاته بحاجة إلي ثورة جديدة تضعه في موقعه الفعلي والمستحق في قيادة مسيرة مصر الجديدة.