الأقباط متحدون - الوحش الراعي
أخر تحديث ٠٤:٠٧ | الاثنين ٢٩ يوليو ٢٠١٣ | ٢٢ أبيب ١٧٢٩ ش | العدد ٣٢٠٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الوحش الراعي

بقلم : مينا ملاك عازر

قال الراعي في رواية الخيميائي التي ألفها الأديب البرتغالي العالمي "باولو كويلو" في سره عن الغنمات التي يرعاها "وإذ تحولت بين لحظة وأخرى وحشاً وأقدمت على قتلها، الواحدة تلو الأخرى، فلن تدرك ذلك إلا بعد إفناء القطيع بكامله، لأنها تثق بي، ولأنها توقفت عن الوثوق بغرائزها، وهذا كله لأنني أنا من يقودها إلى المرعى".

أرجوك صديقي القارئ، أن تتأمل العبارة التي وردت على لسان الراعي، وكيف يحلل علاقته برعيته؟ وكيف أن ثقتها به وتصديقها له قد يقودها للهلاك في حالة إذا ما تحول وحشاً؟ ورغم أن ذلك أمراً صعباً أن يتحول الراعي الذي يخشى على خرافه ويبذل نفسه عنها إلى وحشاً يقودها للهلاك، ولكننا نستطيع أن ندرك تماماً أن ذلك الأمر قد يحدث تماماً لو سلمت الخراف نفسها لوحش يرعاها فيطعمها ويجمعها ويقودها للهلاك، ساعات ليتاجر بلحمها، ويعرض جسامينها ليرمي بلاء موتها وذبحها على غيره، مستفيداً من ذلك بأن يستدر عطف الآخرين من الحمقى اللذين قد يكونون منتفعين من وراءه أو سذج للحد الذي يجعلهم يصدقون ادعاءاته، ولا ينتبهون إلى أنه بارع في تلطيخ نفسه بدماء رعيته مدعياً سفك دمها على أيد آخرين غيره، وهو الأمر الذي إن سلمنا به فعلينا أن نسأل أنفسنا حينها لماذا ترك الراعي رعيته تساق للذبح هكذا؟ دون أن ينقذها أو يقودها إلى طريق أكثر سلامة عن ذلك الطريق الذي يقودها بها إلا إذا كان مستفيد كما قلنا من سفك دمائها وعرض أعداداً متزايدة منها كضحايا لأعداء وهميين يصنعهم هو بحماقته أو برميه بلاءه على أولائك اللذين يستعديهم عليه ليبقى في صورة الضحية أمام العالم كله.

إن أصبح الوحش راعياً فقد ترى بعينك أعداداً من رعيته يسقطون قتلى على يدي أعداءه، بل قد يسقطون على أيدي فئة من رجاله هو نفسه لأن الوحش لا يعش إلا على الدماء وسفكها ولحم الضحايا، وحين يعجز عن سفك دماء أعداءه فلا يجد إلا رعيته ليسفك دماءها ويقدمها قرابين وذبائح ليعود لكرسيه، فيتركهم يواجهون مصيرهم في مواجهات دامية مع أطراف أخرى في طريق النصر وميدان النهضة وعند كوبري الجامعة وميدان رمسيس وفي غيرها من أماكن متباعدة في محافظات مصر، المهم في الأمر أن يبقى هو في مأمن يتستر وراء الدماء ليعش ليس فقط ليعش وإنما أيضاً لعله يعود لكرسيه حتى يحكم ويتحكم في مصائر آخرين ليس لهم ذنب، ولا يثقون به إلا أنه قدم من الدم واللحم المعروض ما يكفي الغرب ليصدق أنه الضحية، مع أنه في الحقيقة الوحش الراعي لقطعان من السذج في معظم الأحيان والمغرر بهم في بعض الأحيان، والمنتفعين معه في النادر من وصوله للحكم ومن عودته إليه.

كان الراعي في رواية الخيميائي يسوق تلك الفكرة تعبيراً عن مدى ثقة خرافه به ولكنني سقت لحضرتك هذه الفكرة التي وردت على لسان الراعي لأعبر لك عن خطورة أن يرعى الوحش رعية أو أن نسلم بعودته، فإن كان يفعل هكذا برعيته فما بالنا بمن ليسوا رعيته إن عاد وتحكم بمصائرهم أظنها الكارثة بعينها، فمن يضحي برعيته أو تابعيه فلا مانع لديه أن يضحي بأي أحد ليعود إلى ما كان عليه ولا أدل على ذلك مما يفعله بجيشنا بسيناء.
المختصر المفيد الراعي الصالح يبذل نفسه عن رعيته.
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter