الأقباط متحدون - خطوات عملية لاجتثاث الفكر السلفي
أخر تحديث ١٤:٠٦ | الخميس ١ اغسطس ٢٠١٣ |   ٢٥ أبيب ١٧٢٩ ش   |   العدد ٣٢٠٥ السنة الثامنة  
إغلاق تصغير

خطوات عملية لاجتثاث الفكر السلفي

بقلم إسماعيل حسني
 
لم يكن دخول الفكر السلفي إلى مصر عملية عفوية يمكن تفسيرها بزيادة الشعور الديني لدى المصريين، بل كان مؤامرة متكاملة الأركان لتغييب العقل المصري قامت الدولة بتنفيذها خلال الأربعة عقود الماضية.
 
فلقد وافق الرئيس المصري أنور السادات بناءا على نصيحة أمريكية على استيراد الفكر السلفي القائم على مفهوم الخلاص الفردي من موطنه في بوادي الجزيرة العربية من أجل استبدال الهوية الوطنية الجامعة للشعب المصري والتي نشأت عليها أجيال إبان المرحلة الناصرية بهوية دينية، تفرق بين المصريين، وتجعلهم شعوبا وقبائل، مما يُمَكِن السادات من القضاء على المعارضة اليسارية، والإنفراد بالحكم، والتحول من النظام الإشتراكي إلى النظام الرأسمالي حتى تستطيع أمريكا دعمه ومساعدته في حل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي.
 
ولقد نجحت الخطة، وتمكنت العملة الرديئة من طرد العملة الجيدة من السوق طيلة الثلاثين عاما الماضية، وانزوت قضايا الوطن من تحرير وتحرر وإستقلال وسيادة وتنمية من العقل الجمعي للأجيال الصاعدة، لتحل محلها قضايا الدين من إيمان وكفر ولحية وحجاب ونقاب ومفاخذة ونكاح، وتراجعت قيم الوطنية والعلم والعمل والإنتاج والإدخار واحترام الوظيفة العامة أمام القيم الأنانية الفردية، وغرق المجتمع في الإستهلاك والخرافة والشعوذة والمحسوبية والرشوة والفساد، وتحققت أهداف النظام الحاكم وأمريكا وإسرائيل، وعادت مصر عقودا إلى الوراء.
 
إننا لن نستعيد مصر ونضعها على الطريق الصحيح إلا بالقضاء على هذا الفيروس السلفي، الذي أصاب عقل المصريين بجميع طبقاتهم بل وأديانهم، وهي معركة يجب أن تتضافر فيها جهود الدولة بجميع مؤسساتها مع كافة منظمات المجتمع المدني في استراتيجية متكاملة حتى يمكن محاصرة هذا الفيروس الرجعي المتوحش، واجتثاثه.
 
وأول ما تتطلبه هذه الإستراتيجية هو أساس دستوري وتشريعي قوي يمكنها من العمل على أرض الواقع، فلابد للدستور الجديد أن ينص على مواد تضع أسس وأركان الدولة المدنية الحديثة، مثل إقرار الحريات المدنية المقررة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجريم أي اعتداء عليها، وأن يمنع قيام أحزاب سياسية ذات مرجعية دينية، وأن يحفظ للأزهر الشريف مكانته كقلعة للفكر الأشعري المناهض للفكر الوهابي السلفي، وأن يضمن استقلاله الإداري عن أجهزة الدولة،  كذلك لابد أن يضمن الدستور حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية لكافة الأديان والمذاهب على الإطلاق، وأن ينص على تجريم كافة صور التمييز الديني، فيحفظ للدين مكانته السامية، ويمنع احتكاره من قبل البعض، ويجعل الدولة على مسافة واحدة من جميع مواطنيها.
 
أما على مستوى التشريع والإجراءات العملية، فينبغي على الدولة إطلاق عدة مشروعات قومية تشترك في تنفيذها كافة منظمات المجتمع المدني، مثل مشروع محو الأمية حيث أن التعليم هو حائط الصد الأول الذي يحمي المواطنين من الوقوع في براثن جماعات التطرف، ومشروع مكافحة الفقر، ومشروع الرعاية الصحية، من أجل سد الفرج التي تتسلل منها جماعات التطرف الديني إلى عقول المواطنين من خلال تقديم المساعدات والخدمات التي تعجز الدولة عن تقديمها.
 
كذلك يجب على وزارة الثقافة بقصورها الثقافيه المنتشرة في أرجاء البلاد أن تقوم بدور تنويري يشمل التصدي للأفكار والقيم الرجعية، ونشر جميع أنواع الفنون، وتنظيم مهرجانات شعبية وموسيقية وسينيمائية في المراكز والمناطق الريفية.
 
كما يجب على وزارة الشباب بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني العمل على تضييق الفجوة الثقافية بين الريف والحضر في بلادنا، وذلك من خلال  التنظيم المستمر للرحلات والمعسكرات والمهرجانات الشبابية في المدن الكبرى والأرياف والنجوع، مما يحقق التلاقح الثقافي المنشود.
 
كذلك يجب أن يشترك الجميع في المراقبة المستمرة لإتجاهات التطرف في المدارس والمساجد والكنائس والزوايا، والتصدي لها، وتقديم شكاوي وبلاغات بشأنها للوزارات المختصة وللسلطات القضائية.
 
إن التصدي للفكر السلفي وإقامة الدولة المدنية الحديثة عمل شاق ومتواصل يحتاج إلى جهودنا جميعا، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter