الأحد ٤ اغسطس ٢٠١٣ -
٤٥:
٠٩ ص +02:00 EET
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (449)
بقلم: يوسف سيدهم
مشهد الجمعة 26 يوليو- جمعة خروج المصريين لرفض الإرهاب؟- كان عظيما بجميع المقاييس, فمن حيث الاحتشاد عددا أجمعت الآراء أنه فاق في ملايينه التي غمرت الميادين والساحات والشوارع عبر مصر أولئك الذين خرجوا في 30 يونية...
مشهد الجمعة 26 يوليو- جمعة خروج المصريين لرفض الإرهاب؟- كان عظيما بجميع المقاييس, فمن حيث الاحتشاد عددا أجمعت الآراء أنه فاق في ملايينه التي غمرت الميادين والساحات والشوارع عبر مصر أولئك الذين خرجوا في 30 يونية... ومن حيث الكيف سطر المصريون صفحة من أنصع وأشرف صفحات تاريخهم الوطني بخروجهم, شبابا وأطفالا وشيوخا, رجالا وسيدات, مسلمين ومسيحيين, مدنيين ورجال دين, مكشوفات الرأس ومحجبات ومنتقبات.. ذابوا كلهم في نسيج واحد غطي المكان وانصهروا جميعا في دعاء يستجيب لنداء الوطن ولتحدي اللحظة.. صرخوا معا صرخة واحدة ارتجت لها أرجاء مصر وتردد صداها في كل العالم: جئنا نرفض العنف والإرهاب وسنتصدي مع جيشنا الباسل للعبث بأمن بلدنا وسنمضي في إعادة بنائها لتكون لكل أبنائها دون أدني فرز أو تفرقة... ونحن نفوض في ذلك أجهزة الأمن وقواتنا المسلحة لاتخاذ اللازم للقضاء علي المتآمرين عليها واستعادة أمنها وسلامها.
الله عليكي يا مصر.. ياريتني كنت معاكم.. هذه الجملة ملأت صفحات الفيسبوك- مواقع التواصل الاجتماعي- من مصريين ومصريات موجودين في الخارج إما مهاجرين أو مسافرين, ولا غرابة في ذلك فكل من ترك مصر للهجرة أو للسفر لا ينفصل عنها أبدا ويظل يتابعها ويقلق عليها ويفرح بها ويتفرس في مشهدها عن بعد حابسا أنفاسه من أجل الاطمئنان عليها.. كل هؤلاء هتفوا من أعماقهم في 30 يونية ثم في 26 يوليو فخورين بمصريتهم مباهين بهويتهم أمام العالم أينما كانوا.
والآن مصر خرجت ملبية نداء الفريق السيسي وأرسلت رسالة واضحة قوية للعالم أن شعب مصر لا ولم ولن ينفصل عن قواته المسلحة وأنه مثلما هبت هذه القوات لتلبية ندائه في 30 يونية ها هو يهب لتلبية ندائها بترسيخ ثقته فيها وبإعطائها التفويض الكامل للتحرك لتطهير البلا من العنف والفوضي والإرهاب الذي استشري وانفلت وبات يهدد مسيرتها... وأبلغ ما في مضمون تلك الرسالة أن شعب مصر قال للعالم: أبدا.. ما حدث في مصر لم يكن انقلابا عسكريا بل هو ثورة شعبية, وما نحن بصدده الآن هو تأكيد علي أن الإرادة الشعبية وحدها هي التي تأتمر بها القوات المسلحة في مسعاها لحماية الجبهة الداخلية من المتسللين إليها والمتآمرين عليها والعابثين بها.
مصر أعطت التفويض, لكن هل حسم التفويض أمر مستنقع العنف والإهاب؟.. إن ما يظل جاثما علي الساحة هو قدر ضخم من العناد والمكابرة والتهديد والوعيد من جانب أقطاب معسكر الإخوان المسلمين وأنصارهم وسائر أعضاء تيارات الإسلام السياسي الذي ما يزالون يحتشدون في الميدان ويتظاهرون مطالبين بعودة رئيسهم الشرعي- محمد مرسي- ونظامه الحاكم الذي دمر مصر عبر عام مضي.. لم تظهر عليهم أي بادرة مراجعة للنفس إزاء الانتفاضة الشعبية الجارفة التي اقتلعتهم في 30 يونية والتي أكدت رفضها لهم في 26 يوليو.. لم يبالوا حتي بتدارس دعوات الانضمام إلي مائدة المصالحة الوطنية والعودة للمشاركة في المسار الصحيح للتحول الديمقراطي الذي قامت من أجله ثورة 25 يناير.
ولعل السبب وراء ذلك العناد والإصرار علي التحريض علي العنف والتهديد بالدم واضح لا لبس فيه, فقد عرف هؤلاء معرفة اليقين أن كل دعاوي المصالحة حتما سوف تسبقها آليات المصارحة والمساءلة والمحاسبة والقصاص من كل من تلطخت أياديهم بالدم ومن تورطوا في التحريض علي العنف والقتل ومن أشاعوا الإرهاب وضلعوا في التآمر علي مصر وشعبها.. يضاف علي ذلك تثبتهم من أن الشعب المصري كله بات يرفضهم ويرفض عودتهم للقيادة والحكم تحت أية صورة من الصور.. إذا هم في موقف أشبه بالانتحار السياسي وفقدان أي أمل في استعادة ما فقدوه من سلطة وهيمنة علي هذا البلد, ولم يبق أمامهم سوي السلوك الانتحاري ومحاولة استدراج الشعب وذراعه الأمني وقواته المسلحة إلي معركة دموية يراهنون عليها ويقامرون بها في محاولة يائسة لاستدرار عطف العالم الخارجي إزاء تصدير صورة من يتم البطش بهم أو قتلهم جماعيا أو إبادتهم!!
هنا وإزا ء هذا الانزلاق الانتحاري تتجلي الأهمية القصوي لكيفية تفعيل التفويض الشعبي الممنوح للقيادة المصرية لمجابهة الإرهاب والعنف, فالكل يعرف تماما أن هذه القيادة تستطيع الحسم الفوري بمنتهي الصلابة والصرامة- خاصة أنها قد عيل صبرها وتحملت ما لا تطيق من الاستفزازات ومارست أقصي درجات ضبط النفس- لكن يظل هناك الكثيرون الذين يطالبون بإعمال الحكمة وترشيد استخدام القوة في التعامل مع ذلك الإرهاب الكريه حتي نقطع الطريق علي مأربه الأخير في تقمص دور الضحية أمام العالم.. ولعلي في هذا الصدد يجب أن أفصل بين ما يتوجب عمله في كل من الجبهتين المفتوحتين للإرهاب الذي يهدد هذا الوطن: فهناك جبهة الإرهاب المستشري في سيناء وتلك معركة مصير لا يجب بتاتا أن تتواني أجهزتنا الأمنية وقواتنا المسلحة عن مواجهتها بكل شراسة حتي القضاء عليها, وفي المقابل هناك جبهة معتصمي الإخوان وأنصارهم في بعض ميادين مصر وتلك تقتضي الحكمة فبجانب عدم التفريط في تعقب المجرمين والمحرضين يلزم ترك الباب مواربا لممن يريدون العودة لحضن الوطن والمشاركة في مسار التغيير طبقا للقواعد التي تقبل وتحترم كافة أبناء الوطن.