بقلم محمد عبدالمنعم الصاوى | الاربعاء ٢١ اغسطس ٢٠١٣ -
٤٦:
٠٨ ص +02:00 EET
بناء الإنسان
كلما زادت ملامح الغاب وسادت قوانينه، زدت اقتناعًا بحاجتنا لتكثيف جهودنا لبناء الإنسان الذى نتمناه، ليصبح- على أقل تقدير- أفضل منا.
بعد الدماء التى أصبحنا نسبح فيها، والأشلاء التى تؤكد تمزقنا، لم يعد هناك جدوى من النظر إلى الوراء أو إلى حاضر لا يعرف المرء فيه أى مصير ينتظره، إن المتأمل لمعدلات التوتر المتزايدة بين الناس يكتشف بسهولة أننا أصبحنا جميعًا فى حالة يُرثى لها، بعد أن كان رصيدنا من الاطمئنان هو الركيزة الأولى لتماسكنا. أكتب لفظ الاطمئنان، فأجده يتمثل أمامى مُزيحا للكآبة والحزن: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» صدق الله العظيم.
نحتاج إلى جرعات كبيرة من ذكر الله والتوكل عليه لنجتاز أزماتنا القاسية، ونحتاج إلى تعاون بين جميع المثقفين والمفكرين ورجال التربية والتعليم لوضع رؤية جديدة للمناهج التربوية والتعليمية على أسس علمية معاصرة تؤدى إلى بناء الإنسان المصرى الجديد القادر على استعادة أمجاد بلد الحضارات المتعاقبة، ليسهم فى المستقبل القريب- بإذن الله- فى تقديم إنجازات وابتكارات فى جميع المجالات، بما يعود بالنفع على مصر وعلى كل أبناء آدم وحواء.
لن ينشأ هذا الإنسان الذى نحلم به إلا فى بيئة حرة، فالحرية هى الأصل والأساس لكل إبداع فنى أو أدبى أو علمى. أعلم أن هناك من أبدعوا فى ظل أنظمة القهر والاستبداد، لكنه الاستثناء الذى يؤكد القاعدة ولا ينفيها، فالإنسان الحر ينطلق بخياله، وينطلق وراءه فى محاولة للحاق به وتسجيل رؤاه الحالمة على شكل مقطوعة موسيقية أو نص أدبى أو عمل فنى من الأعمال المركبة التى تُسخّر لها مواهب عدة.. ينطلق الإبداع دائمًا من مساحات الحرية التى ينعم بها، أو تلك التى يحلم بتحقيقها.
أعود إلى المناهج التعليمية، وأقول إننا لسنا بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة، فهناك فى بلاد أخرى العديد من التجارب الناجحة التى نشأت بتراكم فكرى إنسانى يُحسّن رصد العيوب والمزايا حتى يرتقى بما يتصدى له من أعمال، فلنستعن بكل الخبرات المحلية والإقليمية والدولية، ولندرك أنه علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون حتى نلحق بالركب.
فرصتنا كبيرة لو أخلصنا نياتنا، واتبعنا الأساليب الذكية فى وضع المناهج، وعندها يصبح الارتقاء بالقائمين عليها هو الاختبار الأصعب، فليكن المعلم هو المواطن الأول فيما نحن مقبلون عليه، ولنُعِدْ للمعلم مكانته التى أُهدرت فى ظل تحولات عديدة عاشتها مصر، وفى مقدمتها تراجع الحريات، وارتفاع معدلات القمع، وتكميم الأفواه، ومطاردة المبدعين.
أتمنى أن ينشأ فى مصر جيل نظيف اللسان وقوى الحجة فى نفس الوقت، جيل يتعفف عن السخرية من الناس، لكنه ينتقد بشجاعة كل تصرف خاطئ، جيل يجيد التحكم فى نفسه عند الغضب، فلا ينزلق إلى تلك التصرفات التى تصل به فى النهاية إلى اختيار السلاح للتعبير عن نفسه بدلاً من القلم أو اللسان. المهمة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة.
ولمن يقول: إن ذلك سيستغرق وقتًا طويلاً، أقول: هذا أدعى لأن نبدأ فورًا!
المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع