بقلم : مؤمن سلام
حالة هياج أصابت البعض بسبب قرار المحكمة بإخلاء سبيل وليس براءة مبارك بعد أن قضي عامين في الحبس الاحتياطي وهو الحد الأقصى الذي يسمح به القانون، وهذا ما كان سيحدث في كل الأحوال حتى لو كان العياط مازال رئيسا لمصر فالقاضي الشريف يلتزم بنصوص القانون بغض النظر عن رغبات الحاكم. كما يجب أن نلاحظ انه ممنوع من السفر ونكرر مرة أخرى انه لم يحكم ببراءته. وعلى النقيض من ذلك، نرى حملات تطالب بالتصالح والتسامح مع متهمين من جماعة الإخوان المسلمين، صادر بحقهم أوامر ضبط وإحضار على خلفية تهم قتل وتعذيب وتخابر.
هذين الموقفين لابد أن يثيرا السؤال حول مدى رغبتنا في إقامة دولة القانون، ومدى رغبتنا في تحقيق العدالة، ومدى استعددنا أن نحترم أحكام القضاء أو نعارضها بالطرق القانونية باستخدام درجات التقاضي التى يحددها القانون. الحقيقة هذه المواقف تجعلنا نتشكك في كل من يدعى رغبته في بناء مصر الديمقراطية الحديثة والتي تقوم في الأساس على سيادة القانون. فكيف أصدق من يدعوا إلى الديمقراطية، وفى نفس الوقت يهاجم القضاء والقانون لمجرد أن حكم بما لا يوافق رغبته وهواة. أو يرفض إخضاع متهمين للتحقيق والمسألة لأن هواة يميل نحو هؤلاء المتهمون لسبب أو لأخر بل يدعوا لإشراكهم في الحكم.
إذا كنا بالفعل نريد دولة القانون، فلابد أن نتعلم احترام القانون أولا حتى لو كان ضد مصالحنا. نحترم القانون في كل صوره من أول دفع المخالفة أو تسليم الرخص دون تذلل للضابط أو إجراء مكالمة تليفونية لمنع المخالفة أو إرجاع الرخص، وانتهاء بمحاكمة أهل السياسة فما حكمت به المحكمة هو الفيصل في إثبات التهمة أو نفيها، والقضاء هو من يحدد جدية الاتهامات أو كيديتها وليس أي أحد أخر. أما إذا كان لا يعجبك القانون أو تشعر أنه قانون قاصر أو ظالم، فلتعمل على تغيير القانون بالطرق السياسية من خلال الانتخابات ومجلس الشعب أو بالحملات الشعبية والضغط الجماهيري حتى يستجيب المشرع ويصيغ قانون أكثر عدلا وشمولا.
وهنا ونحن نتحدث عن محاكمة الساسة والزعماء على الجميع أن لا ينسى أن هؤلاء لا يحاكمون بالقانون وفى المحاكم فقط والتي قد تبرأهم بسبب ثغرة في القانون أو لأنهم يسرقون ويفسدون باستخدام القانون. ولكن هناك محكمة أهم هي محكمة التاريخ، المحكمة التى تدين ليس فقط الزعماء الفاسدين أو المستبدين ولكن أيضا الفاشلين. فحتى إذا برء القضاء مبارك من التهم الموجهة إلية فلا أعتقد أن التاريخ سيبرأه من تجريف العقول المصرية، وترك الحبل على الغارب للجماعات الإسلامية، وتدمير كل القوى العلمانية، وتعميق الطائفية، وانحطاط التعليم، وانهيار الخدمات الصحية، وسوء توزيع الدخل.
فلنحترم القانون وأحكام القضاء حتى لو لم توافق هوانا، فبناء دولة المؤسسات وسيادة القانون أهم من خروج هذا الشخص أو ذاك من السجن. تأسيس الدولة الديمقراطية الحديثة هي أهم ما نفعله لبلادنا وأهم ما سيذكرنا به التاريخ والأجيال القادمة إذا نجحنا في تأسيسها، التاريخ لن يهتم أبدا إذا ما أدخلنا مبارك السجن أم لا ولكن سيهتم ما إذا نجحنا في تأسيس مصر الديمقراطية الحديثة أم ضيعنا الفرصة.