بقلم: كمال زاخر موسى | الاثنين ٢٦ اغسطس ٢٠١٣ -
٣٢:
١٠ ص +02:00 EET
مصر بمسلميها ومسيحييها
نعيش لحظة فارقة تتجاوز الصراع بين الدولة ـ الكيان والتاريخ والرمز ـ وبين جماعة إرهابية أعلنت عبر أديباتها أنها تحسب المجتمع المصري جاهلياً لا تقبل ان تتعامل معه أو أن تتواصل معه قبل ان يرضخ لرؤيتهم.
هي لحظة عبرتها أوروبا في عصورها الوسطى بعد أن استغرقتها المسيحية السياسية وبسطت سيطرتها على ممالك ذاك الزمان، ودخلت في نفق مظلم خاصمت فيه الأدب والفن والتطور حتى انتفضت الشعوب في ثورات متتالية وتدشن عصر الحرية تأسيساً على فصل الدين عن الدولة دون ان تنقلب على الدين، وتشهد ميلاد المسيحية المجتمعية.
شيء من هذا يتبلور مصرياً على استحياء من شباب وعقول مسلمة بامتياز تؤمن بأن الإسلام دين ودنيا، بعيداً عن صراعات السياسة وتشق طريقها وسط تحديات غاية في الصعوبة، وقد تنجح في إحلال "الإسلام المجتمعي" محل "الإسلام السياسي"، وتضع أسس التواصل مع الحضارة الإنسانية برؤى أكثر انفتاحا تتوافر لها تواضعاً مفقوداً وإقرار أنهم جزء من كل لا يمكن أن ينفرد بالإمساك بدفة السفينة وتوجيهها، وتعقد صلحاً حقيقياً مع التطور والتنمية والرخاء والسلام لحساب الإنسان المخاطب بالدين.
وهو أمر سيواجه بموجات رفض عاتية من فصائل الإسلام السياسي، العنفي تحديداً، وقد استقرت لهم مصالح وتحالفات عبر شبكة معقدة عالمياً واجهزة استخبارات عابرة للقارات تسعى لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بجملته، وهم يؤدون دوراً محدداً ضمن مخطط يتجاوزهم، فضلاً عن صدمة سقوط حلم الخلافة الأثير لدى أخرين بعد إعداد قارب القرن. فضلاً عن المجابهة مع الذين لم يدركوا قيمة الإنسان ونصبوا انفسهم أوصياء عليه باعتبارهم وكلاء حصريين عن الله، وانهم يملكون الحقيقة المطلقة، وأن الأخر هو الشيطان.
والمشهد المصري لا يمكن قراءته خلواً من المكون القبطي ـ المسيحي المصري ـ الذى ظل حامياً للتراث والثقافة المصرية عبر التاريخ، وانعكس هذا على حياته وعلى طقوسه الدينية التى لا تكتمل إلا بالصلاة من أجل مصر الزرع والنهر والبشر والحكام والمعوزين والذين ليس لهم أحد يذكرهم، ومن أجل ان يسبغ الله حمايته على الوطن ويقيه شرور الفناء والجلاء وسيف الأعداء ويفيض بسلامه على ربوعه ويبطل مشورة المعاندين ومؤامراتهم.
وعندما يكتب التاريخ المصري بعيداً عن الانتقائية سنكتشف ان عدم تصعيد الأقباط قضية الاعتداء الوحشي والممنهج عليهم وعلى كنائسهم، عقب فض التجمع المهدد للوطن برابعة والنهضة، لم يكن غريباً عليهم، بل هو رد فعل طبيعي يتسق مع ادراكهم الواعي لكلمة وطن، واليهم يعود فضل افساد المخططات الصهيوأمريكية التي رتبت تفخيخ الوطن من مدخل استهداف الأقباط بتفجير وهدم وإحراق 63 كنيسة ومنشأة دينية مسيحية في وقت متزامن، أكثر من نصفها دمر تدميراً كاملاً، بشكل يستدعى وضعه تحت الفحص النفسي.
الوجود القبطي في مصر قدري ويمكن بلغة علوم الإدارة والقانون اعتباره شريكاً متضامناً مع المصريين المسلمين، وقد تجاوزت الضريبة التي دفعها الأقباط حصتهم (العددية) بحسب ما تقضى به مسئوليات الشريك المتضامن، والتي يتأسس عليها ان تكون ملكية الوطن لكليهما على المشاع، في كل حبة رمل ونقطة ماء ونسمة هواء، لذلك فالحقوق والواجبات لا تحدد وفقاً لقياسات الأغلبية والأقلية العددية، على خلفية المعتقد الديني، ويصبح الحديث عن تأسيس التشريع ـ دستوراً وقانون ـ على مرجعية دينية أمر يفتقر للمشروعية، ويقف وراء كل مظاهر الترويع ويفسر حالة الاستعلاء التي تتلبس التيارات الراديكالية بدرجاتها، وربما يفسر عدم قدرتنا على التواصل الحضاري، إذ يمثل هذا مسوغاً لاستبعاد الغير من مواقع بعينها واقصاءه تأسيساً على معتقده الديني، الأمر الذى يحرم الوطن من كفاءات شهد لها التاريخ والواقع لا لشيء إلا لكونه ليس على دين الأغلبية العددية.
وظنى ان معركة التحرر ستكون عنوان المرحلة، تحرر وطن من موروث ثقيل استقر كحقائق كونية من كثرة ترديده، واعتبار ان الإقتراب منه خط أحمر، وهو نفس ما عانت منه أوروبا فى معركة التنوير ومقاومة الفاشية السلطوية الدينية الكهنوتية للخروج من نفق العصور الوسطى الضاغط والمظلم، ونحن لسنا أحسن حالاً وتجربتنا على الأرض تؤكد ذلك، ولعلنا نتذكر ان نفس التبريرات كانت ترددها كنيسة أوروبا حينئذ، نصوصياً وتأويلياً، وفق نظرية الحق الإلهى، نختلف فى المصطلح ونتفق فى المضمون.
ربما نكون بحاجة إلى التفكير خارج الصندوق والكف عن ترديد مبررات تقبل المراجعة فى ضوء قيم وضوابط الإنسانية، ونواجه واقعنا فى ضوء تجارب حضارية سبقتنا ونبدأ من حيث انتهت، فنتجنب دفع ثمن فادح سبق ودفعوه ودماء سالت ثمنا للنهضة، ونحن نرقب بوادرها اليوم، فى مناخ تختلط فيه المصالح مع قيم توظف، وتحالفات بين فرقاء تعلن غير ما تبطن، وتهديد لا يتوقف من كوادر دينية تستميت فى الحفاظ على توهمات حسبوها مكتسبات.
لا ندعو للإنقلاب على الدين بل نسعى لإعادته إلى موقعه الأسمى فلا يتدنس بصراعات المصالح، ولا يساق ليكون خادماً لرؤى ضيقة ظاهرها الحق وباطنها شهوة السيطرة والإقصاء، وأمامنا فرصة مواتية متمثلة فى إعادة كتابة الدستور أو تعديله، بالنص على ان قيمنا المصرية المتسقة مع مواثيق حقوق الإنسان وحقوق المواطنة هى حجر الزاوية الذى يقوم عليه البناء الدستورى، ومن ثم ننقى الدستور من كافة الإنحيازات الدينية والطائفية، ولا يستغرقنا بريقها، لتصبح قيم المساواة والحرية والعدل هى السائدة دون تعليقها على شروط، وكما عرفها العالم حولنا.
هذا أو الدوران اللانهائى فى دوامة صراع مفتعل يبقى الوطن خارج حساباته.
نقلا عن البوابة نيوز
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع