الأقباط متحدون - ما بعد الإخوان والسنين التى أكلها الجراد
أخر تحديث ٠٠:٣٠ | الاثنين ٢ سبتمبر ٢٠١٣ |   ٢٧ مسري ١٧٢٩ ش   |   العدد ٣٢٣٧ السنة الثامنة  
إغلاق تصغير

ما بعد الإخوان والسنين التى أكلها الجراد

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بقلم : كمال زاخر
هل رمَّمت 30 يونيو ما هدمته 25 يناير؟، أم استكملت مسيرتها بعد أن انتفضت لتصححها؟، نحن بين رؤيتين مختلفتين، من يرى ما حدث فى يناير عثرة ومن يراه ثورة، وظني أن الوقت ما زال مبكراً للقطع بإحداهما، بعيداً عن انحيازات اللحظة وارتباكاتها وغياب المعلومات التى تكشف عن ما تحت القشرة وخلف الأبواب، فما زال الصندوق الأسود مغلقاً على تسجيلاته.

 فى كل الأحوال تبقى 25 يناير لحظة فارقة شهدت تجمع الإرادات على تناقضها وتصارعها، كانت السلطة الحاكمة تخضع لمحاولات استفاقة مستحيلة، وقد شاخت على مقاعدها، وقد أخذ الوهن بها مأخذا، بحسب توصيف الكاتب المصري محمد حسنين هيكل، الشاهد على العصر لما يقرب من ثلاثة أرباع القرن، وراحت القوى الدولية تعد المسرح لبديل يحقق مخططاتها فى المنطقة، ويخفف عنها عبء الإرهاب الذي سكن أرضها، ويضمن سلام وبقاء إسرائيل، ويقبل بإعادة رسم خريطة دول الطوق، ويضمن تدفق النفط شريان الحياة للغرب، وبالتوازي، كانت القوى الرجعية اليمينية يخايلها تحقيق حلم دولة الخلافة الأثير، ويتنازلون في سبيله عن كثير مما كنا نظنه ثوابت ومحظورات عندهم، حتى اعتمدتهم القوى الحاكمة الدولية بديلاً، تلتقي المصالح وتنتظر لحظة الانقضاض.

كان الداخل يئن من تقويض مساحات الحريات، والصمم السياسي، والفساد الذي تملك من مفاصل الدولة والمجتمع، وتفاقم أزمات الحياة اليومية واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء وظهور طبقة حاكمة تستأثر بالقرار والموارد، منفصلة عن السواد الأعظم الذي يقترب من خط الفقر وينشد الكفاف، لنعود إلى مجتمع النصف فى المئة، وترتفع مؤشرات البطالة والعنوسة والجريمة، ويختنق الشارع، وتتفكك أواصر العلاقات الاجتماعية، وتدور عجلة الانهيار، متسارعة بلا توقف، وتسود العشوائيات والصدامات والفوضى، ويتوارى التنوير، ويهبط الفن، وينحدر الأدب، وتسود قيم السوق، ويزاح القانون لحساب العرف والبلطجة.

هل جاء انفجار بركان يناير بفعل ضغوطات الداخل وعدم قدرة قشرة التماسك على احتمالها، أم جاءت بإيعاز من تحالفات قوى الانقضاض المتربصة بالداخل، مع تخطيطات الخارج الاستخباراتية، أم كانت لحظة التقاء تاريخية بين كليهما؟.

لم تكن شيخوخة النظام وقصوره وحدهما السبب فى الانفجار، بل كان يدعمهما ويمهد لهما ـ عمداً أو جهلاً أو قصوراً أو تآمراً ـ النحر المتتالي في الجسد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المصري، عبر ما يقرب من النصف قرن، بما يشبه أسراب الجراد التي تحيل الزروع والحقول فى لحظات إلى صحراء جرداء، في موجات متتالية، بسياسات عشوائية تفتقر للرؤية العلمية والاستئناس بأهل الخبرة والاختصاص، لم يكن حكامنا يؤمنون بالديمقراطية وإن اتخذوها شعاراً، ولا يقرون بالعدالة والمساواة والمواطنة وإن احتشدت بها خطبهم وتصريحاتهم، فكانت الواقعة وكان الانفجار.

نحتاج أن نتفهم ما حدث بين يناير 2011 ويونيو 2013، والتي شهدت انقضاض اليمين الراديكالى المتأسلم على المشهد، وفرض رؤيته عليه، وقد كشفت الأحداث عن صحة المثل أنه: "ليس كل ما يلمع ذهباً"، فقد كانوا بدورهم يفتقرون للرؤية والحلول على الأرض، وقد هالهم الوصول المفاجئ والمتسارع للسلطة، فكان التخبط والعشوائية بدعم من غرور اللحظة وصلف التكوين، واستعلاء الأيديولوجية، وأحلام البسطاء، وقد ربطوا بينهم وبين الدين حتى إلى اعتبار معارضتهم معارضة للدين، ومواجهتهم خروجا على الشرع.

وقد نحتاج أن لا نفرط فى الاحتفاء باختفاء الإخوان عن خشبة المسرح باعتباره انتصاراً لأنصار الدولة المدنية حيث المساواة والعدالة والمواطنة، فقد ذهبوا إلى خلف العرض بانتظار أن يكمل رفقاؤهم من الجناح اليميني الراديكالي أدوارهم في نفس العرض، في لعبة تقسيم الأدوار التاريخية والمتكررة، فما زال العرض مستمراً وإن تغيرت شخوص ورموز الممثلين.

لذلك يبقى السؤال الأهم بعد أن يسدل الستار على وقائع الفصل الأول، ماذا بعد الإخوان؟، حتى لا نكرر أخطاء ما بعد 11 فبراير، فيتلقف الثمرة غير من صنع الثورة ومن صحح مسارها ومن ضبط إيقاعها، لماذا الإصرار على إدارة مرحلة ثورية بمفاهيم وأدوات تقليدية، وأحياناً بأيدٍ مرتعشة؟

لماذا لا نحسب ما نحن فيه مرحلة انتقالية تحتاج لتفكير خارج الصندوق، ونفسح مساحة مناسبة لمشاركة حقيقية للشباب، بعيدا عن الأجواء الاحتفالية، ولماذا نصر على تعديل الدستور وكتابة دستور تقليدي بدلاً عن كتابة دستور انتقالي مختصر لا يزيد على ثلاثين مادة، تحدد الإطار العام للدولة والخطوط العامة لها ونترك التفاصيل والمواد الخلافية للبرلمان، وللحراك السياسي الحقيقي القادم؟.

دعونا نتفق مرة على إطار عام يؤكد أن مصر دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة، وتقر بالتنوع والتعدد بلا إقصاء أو تمايز، وأنها دولة قانون لا مكان فيها للتقديرات الشخصية والانحيازات الطائفية والطبقية، وأنها تحترم الإنسان لكونه إنساناً، تحترم تاريخها وحضارتها برقائقها المتتالية، تقوم على العلم والعمل والإنتاج والتفاعل الإنسانيين، تحشد طاقاتها وراء تثوير الزراعة والصناعة والتعليم والثقافة.

اختفاء الإخوان لا يعني اختفاء الخطر، فما زالت خلف الأكمة أسراب من الجراد، فى دورة حياة جديدة تتأهب للانقضاض على حقولنا الخضراء.    


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع