الأقباط متحدون - العجوز والثورة
أخر تحديث ١٣:٢٣ | الاثنين ٢ سبتمبر ٢٠١٣ |   ٢٧ مسري ١٧٢٩ ش   |   العدد ٣٢٣٧ السنة الثامنة  
إغلاق تصغير

العجوز والثورة

علي سالم
علي سالم

لسنين طويلة وأنا أراه جالسا في ركن المقهى مستغرقا في قراءة كتاب قديم، لا أحد يعرف عنه شيئا على وجه التحديد، يقال إنه كان أستاذا في الجامعة وفصل منها لسوء سلوكه، كما يقال إنه كان يحتل منصبا كبيرا فصل منه لحسن سلوكه. كان عجوزا، ولكنه كان في حالة صحية طيبة تمكنه من المجيء من البيت والعودة إليه ماشيا. ولكنه لم يكن من عشاق الاندماج مع الآخرين ورفع الكلفة بينه وبينهم.

ولذلك، دهشت أشد الدهشة عندما رأيته وقد ثار ثورة عارمة في ظهيرة ذلك اليوم الذي أحكي لك عنه، كان يصرخ في رواد المقهى في ألم وكبرياء: اسمعوا يا فقراء العقل والروح.. أنا أغنى منكم بكثير، كانت لديّ نعيمة عاكف وليلى مراد وسامية جمال وتحية كاريوكا وفاتن حمامة، أي نساء لديكم؟ آه.. لديكم نساء ثائرات أو يزعمن ذلك، لديهن صلة بآدم أكثر مما لديهن بحواء، هذه هي الأنثى الجديدة في مصر، جيفارا يرتدي فستانا، أو كتلة شحم مغطاة بالسواد. أنا جلست مع توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، ولويس عوض، وعلي الراعي، وزكي نجيب محمود، فمع من جلستم أنتم؟ هل لديكم في ثورتكم خطط لإعادة إنتاج نجيب الريحاني، وعبد الفتاح القصري، وإسماعيل ياسين وشكوكو، أم أن الأرض ذاتها باتت عاجزة عن إنتاج هذا الصنف من الناس؟ طبعا، أنا لن أحدثكم عن السنباطي والقصبجي وأم كلثوم، بل لن أحدثكم عن شادية، فهؤلاء بشر أشبه بالمعجزات وأنتم لا صلة لكم بالمعجزات.

اسمعوا يا فقراء القلب والروح..

القضاء على نظام ما وخلع القائمين عليه ليس هو الثورة، بل هو المقدمة لصنع الثورة، هي ليست الفيلم بل مقدمة له، هي ليست الخطاب، هي فقط ورقة البوستة، يعني هي ليست خلع حكم، بل القدرة على تثبيت حكم آخر يعطي للناس ويأخذ منها أفضل ما فيها. وأنتم يا جماعة الإخوان.. هي عافية؟ بالقوة؟ إذا كنتم تعتبرون الأمر كذلك فاعرفوا أن الشعب المصري أكثر منكم قوة وعافية، وأنه مهما كان الثمن المدفوع فلن يسمح لكم بالعودة إلى استغفاله مرة أخرى. حتى الآن لديكم الفرصة في النجاة بأقل الخسائر فلا داعي لتحويل الصراع السياسي بينكم وبين الشعب المصري إلى حرب تخسرون فيها وجودكم ذاته.

فكروا في هذا الذي يحدث من بعض أنصاركم، أمام نقطة شرطة بكل ضعف تسليحها المعروف، فجأة تظهر سيارتان وبهما أفراد يطلقون نيران المدافع الرشاشة على جنود الشرطة، فيقتلون جنديا ويصيبون آخرين، بماذا تسمون هذه الواقعة؛ جنون، أم وحشية مبطنة بالبلاهة؟ أم أنكم تريدون إثبات أنكم تمارسون العنف والإرهاب، ليس لقضية سياسية، بل لما يبعثه فيكم من لذة واستمتاع؟ والله أنا شخصيا أستبعد أن تدخلوا جهنم، سيعترض زبانية الجحيم على ذلك، فالجحيم مخصص للخطاة، أما أنتم فقد تجاوزتم الخطيئة بكثير، لا بد من جهنم خاصة بكم وحدكم.

يا كل رواد هذا المقهى.. لقد بدأت أشعر بالتعب والقرف منكم جميعا.

وخرج الرجل من المقهى ولم أره منذ ذلك الوقت.

نقلا عن الشرق الاوسط
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع