بقلم: نبيل المقدس
كثرت تجمعات الشعب بجميع أعماره وتنوع ثقافاته في المقاهي , والإلتفاف حول جهاز التليفزيون من بعد يوم انتصار الشعب المصري وخروجه بالملايين يوم 30 – 6 – 2013 لمتابعة ما سيحدث من أحداث بعد هذا اليوم العجيب حيث رأي أبنائه وإخوته وزوجاتهن وبناتهن وامهاتهن بأنفسهم يقودون ثورة لأول مرة في تاريخ مصر ,مما جعل الجيش يضطر حباً لشعبه ان يساندها لكي يتحقق ما يريده هذا الشعب الغفير بل الملايين من وأد الفاشية التي تذوقها لمدة عام كامل ..
وعندما كنت أري هذه التجمعات البشرية الجالسة امام تليفزيون المقهي وفي فمه مبسم الشيشة لكي " يمخمخ " مزاجه في المشاهدة , لكي يقوم بتحليلات سياسية جادة.. والتي كانت أغلب هذه التعليقات والتحليلات صائبة ... فالشعب المصري ربما يبدو عليه الجهل السياسي لكنه داخليا يفيض معلومات تاريخية وسياسية وبالتواريخ والأسماء وهذا نتيجة ان اصله وجذوره قد نبتت دائما في أحداث جمة من عهد القدماء المصريين حتي يوم هذا الإنقلاب الإخواني الذي حدث يوم 25 يناير 2011 ..
وانا إن كنت مصرا علي تسمية هذه الثورة بالإنقلاب الإخواني منذ قيامها , فأنا في الأصل مستمد هذا الإصطلاح من هؤلاء الرجال الطيبين المتواجدين علي المقاهي ... فعلا هم وبصراحة شديدة لم يجدوا تبريرا واحدا لهذه الثورة الفاشلة .. رُبع رواد المقاهي من اصحاب المعاشات من ذوي الخبرة الكبيرة في السياسة, تركوا مراهناتهم واشتباكاتهم علي المنافسة في لعبة الطاولة أو عند ما يشاهدون ماتشات كرة القدم .. وجزء آخر من رواد المقهي هم من الفلاحين والصعايدة المهاجرين من بلادهم لكي يعملون في المعمار ..
وعندما سألت الكثير منهم لماذا تترك ارضك وتأتي لكي تعمل في المعمار كان ردهم , أنهم يريدون ان يتركوا وينسوا حياة القري , فهم لهم طموحات اكثر من ذلك .. أولها انهم يريدون ان يعيشوا في الحضر , ويعملون ليلا ونهارا لكي يوفروا ماكينة خلاط اسمنت لكي يصبحوا معلمين معمار ... وهذا حدث بالفعل مع شباب اعرفهم ... إثنين منهم إشتريا عربيتين سوزوكي لنقل الأسمنت والرمل وغيرهما من مواد البناء, كان هذا من شقاهم وتعبهم طوال اليوم .
عندما كنت أمر علي هذه المقاهي واشاهد الشعب ملتف حول التليفزيون اتذكر اول نشيد تم إذاعته من إذاعة القاهرة إبان قيام ثورة مصر 52 .. وعلي ما افتكر كانت كلماتها تعبر عن مدي إهتمام الناس بالحدث الجليل الذي يعبر عن مدي حب الشعب لرجال الجيش.. كانت كلمات الأغنية :
(ع الدوار .. ع الدوار , راديو بلدنا فيه أخبار .. من يوم جيشنا ما شن الغارة ..على عزالنا بكـل جســـــارة .
و احنا يوماتي تجينا بشـارة .. الجــرانين بتـــرد الـــــروح ..و تــدواي القلــب المجـروح خيـــر جــي لنـــا بالقنطـــار .
ع الـــــدوار .. ع الــــــدوار))
وكان جهاز الراديو هو المصدر الوحيد لمعرفة الأخبار أول بأول .. وجميع الناس كانوا يصغون إلي صوت واحد وبرنامج واحد وهي نشرة الأخبار والذي كانت تُذاع تقريبا كل 10 دقائق و بأجمل اصوات مذيعي الإذاعة في حينها .. وكانوا لا يتعدوا عدد الصوابع .
الآن يتجمع الناس حول اجهزة التليفزيون , وكل مقهي تدير قناة تختلف تماما عن المقهي التي بجوارها .. وخصوصا بعد هذه الثورة الفوق مليونية التي قام بها شعبنا العظيم في جميع انحاء الجمهورية ضد خفافيش الظلام ورئيسهم الفاشستي , والمسنود بميليشيات لا حصر لها مدججين بأسلحة حديثة وثقيلة أدخلتها الحركة الفاشستية بمعرفتها لكي تكون درعا لهم ضد شعب مصر الأعزل ... حتي في العائلة الواحدة أصبح لديهم بدل جهاز التليفزيون إثنين وثلاثة , وكل واحد فيهم يعمل علي قناة توك شو تختلف عن الثانية لكن الكل يدور حول الحدث الجليل .. ثورة شعب تقود جيشا بحاله , فقد نسيت تلك الحركات المتأسلمة بأن جيش مصر له خاصية منفردة عن الجيوش الأخري منذ جيوش أحمس .. لم يدركوا أن كل فرد من افراد الجيش هو ابن هذه البلد , ويعشقها , ومستعد أن يضحي بحياته من أجلها ... لم تدرك هذه الجماعات أن ااشعب والجيش الذي هو جزء منه يؤمن بالوطن أولا ..!
وفجأة وبعد 60 سنة يتحول نشيد "ع الدوار , ع الدوار .. راديو بلدنــا فيه أخبار" ... إلي نشيد يثير ويشد مشاعر كل مصري وطني يحب بلده .. وكما كنت أجري إلي أقرب مقهي او محل لكي اسمع نشيد ع الدوار .. الآن وبنفس الإنفعال أشتاق جدا أن اسمع نشيدنا الجديد ... وكثيرا أجد عيوني تدمع دموع الفرح بعد عناء من العيش الذي كان مملوء حقد وإنتقام من خفافيش الظلام .. فقد تحولت الكلمات إلي :
(( تسلم الايادي ... تسلم يا جيش بلادي ... تسلم ياللي شايلها ... ياللي حلفت لترد جميلها ... و قلت المايله لازم تعديلها بعلوالصوت ..تسلم ياللي رافعت رايتها ... وقدرتها ودفعت قيمتها , تسلم ياللي رافعت رايتها...و قدرتها و دفعت قيمتها
ان شالله تكون نهايتها ... حياه او موت )).
عنما نقارن بين النشيدين نجدهما واحد في الروح الوطنية وإن إختلفت الكلمات نتيجة تباين الثقافات بين الجيلين وهذا أمر طبيعي . لكن وبالرغم أن ثورة 52 قادها الجيش وأحاط بها الشعب ... وثورة 30 – 6 قادها الشباب ثم بدأ الجيش يرعاها ويحافظ علي طلبات شعبه إلا ان كلمات النشيدين لم يختلفا في وضع الفضل كله لجيشه ورجال أمنه .
نشيد " تسلم يا بلادي " اصبح علي كل لسان من الطفل إلي الكبار .. فقد اعطانا موهبة التحدي لوأد الإرهاب , وطرد كل جسد لا يلائم طبيعة جسدنا .
ثورة 30 – 6 اعطتنا الثقة بأنفسنا .. و وهبت لنا الإستقلالية في إتخاذ مواقفنا نحو المشاكل الدولية ... وبالرغم من قوة العلآقة بيننا وبين أغلب الدول العربية الشريفة .. والتي ظهرت واضحة بوقفتهم بجانبنا ضد محاربة الإرهاب .. إلا ان ثورة 30 – 6 غيرت من مفهوم العلاقات بين الدول الصديقة .. فقد علّمت ان لكل دولة قرارها وفكرها نحو المشاكل الدولية ... وخير دليل علي ذلك هو موقفنا نحن نحو سوريا .. نحن لا نتدخل بأمور الشعوب الأخري في إختيار رئيسهم .. لكن لا نقبل ابدا أن تطأ قدم عسكري اجنبي ارض عربية , وليس لدينا الإستعداد أن نعيد مرارة ما تم حصده من غزوة امريكــــــــــــــا للعـــــــــــــراق. سوف نقف بقيادة رئيس جيشنا ضد تمزيق الدول العربية إلي إمارات من أجل عيون أردوخــــــــــــــــان لكي يصبح خليفة له رقم و لقب ....
كما سوف لا نسمح بأن يكون سبب تمزيق الدول العربية هي لسلامــــــــــــة وجـــــــــــــــود اسرائيــــــــــــــل علي حساب سينــــــــاء التي لم يتم جفاف دم أولادنــــــــــــا عليها ..!
أخيرا أحب أن انهي مقطع من نشيد ثورة 30 – 6 :
افتحولنا كتاب تاريخنــــــــــا ... واحكو للناس دول مين
قول يا ابونا و قول يا شيخنا ... يعنى ايــــــــــــــــــة 73
الا ردو لنا اعتبرنــــــــــــــا ... وربــــــك كان ليهم معين
تسلم الايـــــــــــــــــــــادى ... سلام يا جيش بــــــــلادى
وتسلم الايادى إللي كتب هذا النشيد وإلي من لحنها ,إلي مجموعة المطربين الذين انشدوها ..!