أجمع المشاركون في مؤتمر التحديات التي تواجه المسيحيين العرب والمنعقد في عمان، وتختتم أعماله اليوم، على أن المشكلة الأساس تكمن في الخطاب الديني الذي يؤذي الآخرين.
تختتم اليوم الأربعاء في العاصمة الأردنية عمّان فعاليات مؤتمر "التحديات التي تواجه المسيحيين العرب" بعد يومين من الجلسات المكثفة لعرض أوضاع المسيحيين العرب ومعاناتهم في ظل التطورات الراهنة في البلدان التي يعيشون فيها وخاصة سوريا والعراق ولبنان ومصر.
وأجمع مشاركون خلال أعمال المؤتمر على انتقاد الجماعات الإسلامية المتشددة التي لا تجيز للمسيحيين العرب المساواة مع المسلمين ولجوء هذه الجماعات إلى العنف وإرهاب المواطنين واستباحة ممتلكاتهم وخاصة المسيحيين.
كما طالب المشاركون بـ"حرية العبادة والحرص على أهمية الإخوة بين المسلمين والمسيحيين"، مؤكدين أن أساس المشكلة "يكمن في الخطاب الديني الذي يؤذي الآخرين"، داعين إلى "ضرورة تغييره".
وكان موفد بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازه المرقسية للأقباط الارثوذكس البابا الأنبا تواضروس الثاني، تحدث في جلسات الثلاثاء وثمّن دعم الأردن ملكاً وحكومة وشعباً لمصر في ما تمر به من ظروف استثنائية، مؤكدًا رفضه لأي تدخل خارجي في شؤون بلاده من أي دولة كانت.
وقال السكرتير الخاص لبابا الاسكندرية إن من أبرز التحديات: "التهجير الجبري بسبب الاضطهاد الديني وعدم الالتجاء إلى القانون، عدم الحصول على حقوق المواطنة التي يجب أن يحصل عليها أي إنسان تحت مظلة القانون، صعوبة الحصول على فرص عمل في وظائف مرموقة في الدولة، والهجوم على معتقدات دينية من قبل بعض وسائل الإعلام، والتعرض إلى الترويع من قبل جماعات العنف المسلحة".
إعلام أصفر
وفي ما يخص الإعلام ودوره بالأحداث الجارية في مصر، قال السكرتير الخاص إن هناك إعلامًا "أصفر أو غير صادق يهدم الثقة بين المواطنين"، مشيراً إلى أن الإعلام الأصلي الأصيل "بدأ يظهر مرة أخرى حيث يعرض كل شيء بوضوح وصدق وبمنهج سليم ومهني ينعكس إيجاباً على بدء مرحلة جديدة في تاريخ مصر".
وأشار إلى أن هذا المؤتمر جاء لتعزيز الحوار والتفاهم وتمتين جسور التعايش بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية خدمة لمفاهيم المحبة والوئام بين الأمم والتواصل بعيداً عن الانغلاق والتعصب، والتشدّد وإقصاء الآخر، وتحقيق السلام والاستقرار لشعوب العالم بعامة، ومنطقة الشرق الأوسط بخاصة.
من جانبه، تحدث الأب نكتاريوس، نيابة عن بطريرك الاسكندرية وسائر أفريقيا للروم الارثوذكس البطريرك ثيودورس الثاني، عن تحول التعايش بين المسيحيين وجيرانهم في الوقت الحالي إلى شيء "صعب المنال في ظل تنامي العنف والتطرف الذي تشهده المنطقة"، موضحاً أن الحوار "أصبح يدمر باستخدام العنف".
وبيّن نكتاريوس أن المؤتمر يجب أن يخرج بتوصيات تعمل على حل الأزمة الحالية، وذلك بـ"عدم تقسيم المجتمعات على أساس الدين، والتركيز على صدق النوايا لدى القيادات الدينية التي تعزز الوحدة الوطنية بالتنوع بين الديانات المختلفة، وضرورة الاعتراف بوجود الإنسان المسيحي العربي بهويته الوطنية، الامر الذي يلخص جهدًا كبيرًا في رفع المعاناة عنه".
قيم التسامح
ودعا إلى تعزيز قيم التسامح بين أتباع الديانتين، وتعظيم القواسم المشتركة بينهما، الأمر الذي سيكون له دور بارز في ترسيخ لغة الحوار والتواصل بعيداً عن الانغلاق والتعصب والتشدّد في المنطقة بأسرها، لا بل وفي العالم أجمع.
من جانبه، تحدث مطران الكنسية الاسقفية بمصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي منير حنا انيس عن أهمية دراسة التحديات التي يواجهها المسيحيون العرب، وذلك بغية التوصل إلى حلول تعمل على معالجتها وتجاوزها.
وأكد ضرورة تطوير التعليم وتوحيد مستواه ونوعيته، والعمل على إيجاد ضمانات لإشراك المسيحيين في العمل السياسي، مشيراً إلى نجاح الأردن في هذه التجربة حيث خصص مقاعد في البرلمان للمسيحيين.
ودعا إلى ضرورة تمتع المسيحيين بكافة حقوق المواطنة التي يتمتع بها المواطنون كافة، وإيجاد فرص متكافئة في الوظائف الهامة، حرية العبادة وبناء الكنائس، وقبول التنوع الفكري والثقافي، وتقدير مساهمة الجميع في مواجهة التطرف والعنف.
الإسلام السياسي
واستعرض أنيس التحديات التي تواجه المسيحيين العرب، والتي من أهمها: "ظهور الإسلام السياسي وجماعات إسلامية متطرفة"، مضيفاً "أن هذه الجماعات تلجأ أحياناً الى العنف والإرهاب واستباحة ممتلكات المواطنين وخاصة المسيحيين".
كما تمثلت التحديات، وفق أنيس، عن "تراجع التعليم الإسلامي الذي يتميّز بالاعتدال والوسطية والتعامل بمودة مع المسيحيين وعدم إعطائهم فرصاً بالعمل السياسي".
وطالب أنيس بضرورة تطبيق القانون في حالات العنف على الجميع، لأهميته في الحفاظ على الوحدة الوطنية، كونها أساس استقرار المجتمع واستقرار المجتمع يسمح بالنمو الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز مبدأ المساواة بين الجميع.
حديث علي جمعة
من جانبه، تحدث المفتي العام السابق للديار المصرية الشيخ علي جمعة عن ضرورة الحرص على الأخوة بين المسلمين والمسيحيين في كل انحاء العالم.
ودعا إلى "أهمية إزالة الاحتقان الموجود الذي يشعر كثيرًا بألمه المسيحيون، وتغيير الخطاب الديني الذي يؤذي الآخرين، والبعيد كل البعد عن ديننا وأخلاقنا ووطنيتنا".
كما شدد جمعة على أهمية الحوار بطريقة راسخة وواضحة والاهتمام بموضوع أبعاد المشاركة المجتمعية، داعياً إلى فتح باب الحوار الذي يجب أن يكون واضحاً ودائمًا وبمشاركة الجميع.
الشأن السوري
وفي جلسات المساء تناول المشاركون الشأن السوري، أكد المتحدثون أهمية الاحتكام للغة الحوار والسلم، لا الحرب والقتل والفرقة والعنصرية.
وقال رئيس الجلسة القس الدكتور اولاف فيكسي تفايت، إن السلاح في سوريا لن يحل المشكلة، مؤكدًا أهمية الالتفات لمستقبل المسيحيين العرب في سوريا والمنطقة.
ونوه المطران ماسويريوس النائب البطريركي في القدس وسائر البلاد المقدسة أن المسيحيين في سوريا هم أقدم سكانها، مشيرًا الى أن طائفته لا تزال تتحدث السريالية الارامية لغة السيد المسيح حتى الآن.
وقال البطريرك يوحنا العاشر يازجي بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، إن ما يجمع بين المسلمين والمسيحيين العرب ليس تعايشًا بل عيش وأخوة ومحبة، مستذكرًا عددًا من الشواهد والحوادث التاريخية التي تؤكد العلاقة الطيبة التي تجمعهما.
من جهته، دعا البطريرك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك انطاكية الملكيين الكاثوليك، إلى تنظيم حملة عالمية تحث على السلام في سوريا لا الحرب استجابة للدعوة التي أطلقها بابا الفاتيكان قبل ايام، مشددًا على أن سلام فلسطين وسوريا هو المحك لسلام العالم.
مسيحيو العراق
وفي الشأن المسيحي في الجمهورية العراقية، قال الشيخ مصطفى سيريتش إن الامل معقود على هذا المؤتمر التاريخي والمؤتمرات المماثلة بتغيير وتوضيح الكثير من المفاهيم حول العلاقة المغلوطة بين الديانتين الاسلامية والمسيحية التي تقوم في اساسها على التسامح والمحبة.
من جانبه، قال البطريرك مارلويس روفائيل الاول ساكو بطريرك بابل إن الوضع الراهن في العراق يهدد النسيج الاجتماعي والعدالة والمساواة والديمقراطية التي لن تتحقق بإشهار السلاح وانما بإرساء الحوار العقلاني البناء.
ولفت المطران جورجيو لينغوا السفير البابوي لدى الاردن والعراق الى أن المسيحيين يشتركون مع اخوانهم المسلمين بأن لا اكراه في الدين وتطبيق القوانين والانظمة التي تشجع على التعايش وأن الدستور الاردني يعتبر مثالاً على ذلك.
واشار المطران افاك اسادوريان رئيس طائفة الارمن والارثوذكس في العراق الى أهمية الابتعاد عن وصف المسيحيين في الشرق الاوسط بالأقليات وانما هم مواطنون يقومون بواجباتهم الكاملة تحقيقاً لمبدأ المواطنة المتكافئة.
واكد المطران جان سليمان كبير اساقفة الكنيسة الكاثوليكية في بغداد أن تحديات الشرق الاوسط لا تهدد المسيحيين فحسب، وانما تشكل خطورة على المنطقة جمعاء ويجب هنا الاعتراف بالانسان وبكرامته لنتمكن من بناء التعايش الديني الحقيقي وبناء الحضارة والتقدم نحو المنشود.
وتناول كل من رئيس الجلسة القس بول فيديز والامير حارس شهاب الناطق الرسمي باسم الكنيسة المارونية والمطران مالك مراد، الشأن المسيحي اللبناني والمراحل التي مر بها لبنان وتأثيرها على التعايش هناك، مؤكدين وحدة مختلف الطوائف والمذاهب تحت بوتقة المواطنة والتعايش والأخوة.
كلمة غازي بن محمد
وكان الأمير غازي بن محمد كبير مستشاري العاهل الأردني للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي للملك افتتح الثلاثاء، مؤتمر "التحديات التي تواجه المسيحيين العرب" قال فيها إننا "لا نسمح لأي اضطهاد للمسيحيين، أو لأي أقلية دينية أو عرقية، لأي سبب كان".
وقال إننا في الأردن شعرنا بأن المسيحيين العرب "أصبحوا مستهدفين في بعض الدول، وللمرة الاولى منذ مئات الأعوام، ليس فقط بسبب الفتنة العمياء الصماء التي يعاني منها كل الناس في بعض الدول العربية منذ وقت بداية ما يسمى بالربيع العربي، لكن بالخصوص فقط كونهم مسيحيين".
وأكد الأمير غازي أن ذلك الأمر "مرفوض عندنا كليًا لأربعة أسباب، الأول: شرعاً كمسلمين أمام الله تعالى، ثانياً: أخلاقياً كعرب وكربع، ثالثاً: شعورياً كجيران وأصدقاء وأعزاء، رابعاً: إنسانياً كبشر".
وأوضح الأمير الأردني أن الديمقراطية التي يجب أن نسعى إليها "ليست هي الوصول الى السلطة من خلال صندوق الاقتراع لكي تقمع الكثرة أو الأكثرية الأقلية".
ديكتاتورية الكثرة
وأضاف أن هذه (ديكتاتورية الكثرة) وغوغائية، وظلم، وترسيخ الفرقة، وبداية الحروب الأهلية الطائفية والمذهبية، وفتنة.
وتابع أن "الديمقراطية الحقيقية هي: ثقافة الديمقراطية، وفصل السلطات والتوازن بينها، والإجماع من جميع شرائح المجتمع على دستور، وحقوق إنسانية لجميع المواطنين غير قابلة للنزع، وعقد اجتماع بالتوافق أو بـ90 بالمئة من الناس، واحترام الجميع مهما كانت عقائدهم واعتقادهم، وثم تبادل الحكومات بالأكثرية أو الكثرة".
وختم الأمير غازي بن محمد أن الدولة الإسلامية "لا تقوم على رأي الأغلبية، ولكن على الإجماع"، مشيراً إلى أن البيعة والشورى، الركنين الأساسيين في نظام الدولة بالإسلام، هما أيضاً "مبنيان على الإجماع والتوافق. وهذا هو الفرق الرئيس بين النظام الإسلامي السياسي والنظام الديمقراطي المغلوط".
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.