بعد تدمير الجيش المصري 95 % من أنفاق حدودية
بعد تدمير الجيش المصري أخيرًا لمعظم الأنفاق المرابطة على الحدود مع قطاع غزة، يتخوف مواطنون غزيون من أن تكون هذه الخطوة بداية لإقامة منطقة حدودية عازلة، تشدد الخناق عليهم، وتحكِم الحصار وتفاقم أزماتهم الاقتصادية والإنسانية المزمنة.
غزة: يتخوف فلسطينيون في قطاع غزة، وخصوصًا حركة حماس، التي تسيطر منذ ست سنوات على القطاع، من أن تقود عملية تدمير مئات الأنفاق على الحدود بين مصر وقطاع غزة إلى إقامة منطقة عازلة.
وقال صبحي رضوان رئيس بلدية رفح لفرانس برس إن "الجيش المصري دمّر 95% من الأنفاق (المنتشرة تحت الأرض على طول الحدود بين غزة ومصر) بهدف إقامة منطقة أمنية عازلة". وحذر "من كارثة إنسانية لمليون وسبعمائة وخمسين ألف مواطن في القطاع إذا أقيمت هذه المنطقة العازلة، التي تهدف إلى تشديد الخناق والحصار على قطاع غزة".
شيطنة حماس
وقال فوزي برهوم المتحدث باسم حماس "لا علاقة (للحملة المصرية الأمنية) بتأمين حدود مصر مع غزة، بل تأتي في إطار أحكام حصار غزة وتجويع وتركيع شعبنا الفلسطيني حتى يرضخ لأي حلول تفرض عليه". واعتبر برهوم أن الإجراءات المصرية "تجاوزت كل الحدود، وتتزامن مع استمرار شيطنة حماس وغزة والمقاومة والتحريض على شعبنا".
ودعا حاثم عويضة وكيل وزارة الاقتصاد في حكومة حماس دعا مصر إلى "إيقاف كل العمليات العسكرية على حدود قطاع غزة نظرًا إلى تفاقم أزمة القطاع الاقتصادية".
لكن سفير مصر لدى السلطة الفلسطينية ياسر عثمان أكد لفرانس برس أن ما يقوم به الجيش المصري "إجراءات مصرية أمنية سيادية لتعزيز الأمن على الحدود، وليس الهدف منها المسّ بالوضع في قطاع غزة بالمرة". وشدد السفير المصري على أن "أي كلام عن احتمالات عمل عسكري مصري أو استهداف لغزة غير صحيح، ونرجو أن يتم الكفّ عنه، لأن فيه تجنيًا على دماء الشهداء المصريين، الذين سقطوا على أرض فلسطين وقبورهم في غزة وفلسطين، وفيه إساءة إلى علاقات الدم والمصير المشترك وحرص مصر على القضية الفلسطينية".
وتشهد علاقة حماس ومصر توترًا شديدًا إثر مواقف الحركة المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. ويرى باسل طه، وهو في الثلاثينات من عمره وعمل حارس نفق مخصص لمواد البناء، أن تدمير الأنفاق "دمّر حياة مئات العمال"، ويضيف "لا أملك لأولادي شيكل واحد مصروف للمدرسة. أفكر ليل نهار، ولا أجد حلًا، الموت أفضل".
دمّروا الأمل
ويروي الشاب، الذي يقيم مع زوجته وأطفاله الخمسة في غرفة صغيرة في رفح، بعدما نفث سيجارته ولوّح بمسبحة، "شاهدت جرافات للجيش المصري وهي تهدم بيوتًا من الصفيح بداخلها أنفاق" في الجهة المصرية من الحدود.
واضطرت هذه الحال فلسطيني في الأربعينات من عمره لزيادة طول نفق يملكه من 400 متر إلى 1500 متر في محاولة للهرب من الحملة الأمنية المصرية، لكنه فوجئ (الثلاثاء) بوصول جرافة إلى نفقه وتدميره، ويوضح هذ الرجل طالبًا عدم ذكر اسمه "خسرت تسعين ألف دولار، دمّروا أمل الحياة... الأنفاق".
وبينما كانت ثلاث جرافات عسكرية مصرية تقوم بتجريف منطقة فيها أحراش وبستان زيتون وبيوت من صفيح تغطي بوابات أنفاق قرب شاطئ البحر غرب رفح، كان جندي مصري يقرأ القرآن، وبجانبه بندقيته على ظهر دبابته المتمركزة خلف ستار رملي قرب برج عسكري للمراقبة في الجهة المصرية من الحدود. والتقط مصور لفرانس برس صورة لجرافة عسكرية تقوم بتجريف أشجار قرب منزل، حيث كانت امرأة بلباس بدوي تلوّح بيديها لوقف أعمال التجريف.
غير بعيد ثلاثة أطفال فلسطينيين كانوا يراقبون جرافة برفقة مدرعتين وسيارة جيب عسكرية مصرية وهي تقوم بأعمال تجريف لأشجار تغطي منطقة الأنفاق. وتساءل أحدهم "ماذا نفعل؟". وفي الأثناء تبدو آثار مياه مجار ضخت للتو من الجانب المصري داخل نفق مخصص لتهريب الوقود متوقف عن العمل منذ أكثر من شهرين، حسب مالك هذا النفق، ويدعى أبو طه. ويقول أبو طه ( 30 سنة) "دمّروا سبعمائة نفق من أجل المنطقة العازلة".
أكثر من مبارك
ويبيّن رضوان أن "الأنفاق التي كانت تعمل (حتى يونيو/ حزيران الماضي) تقدر بـ200 إلى 250 نفقًا، كلها تقريبًا دمّرت، لدينا تخوف كبير من المنطقة العازلة، إغلاق الأنفاق وعدم سماح إسرائيل بإدخال احتياجات غزة الأساسية من المواد الغذائية والوقود ومواد البناء سيزيد الفقر والبطالة".
وبعد تأكيده أن حماس وفصائل المقاومة "حريصون على أمن واستقرار حدود مصر"، قال رضوان "الجيش الإسرائيلي يغلق منافذ القطاع، وللأسف الجيش المصري يشدد من جانبه الخناق على غزة بطريقة لم يسبق لها مثيل، حتى في ظل حكم (الرئيس المخلوع حسني) مبارك". ويلوم أبو طه حماس "لتدخلها في الشأن المصري"، مضيفًا "يعطون مواقف سياسية، ونحن ندفع الثمن".
وكثف الجيش المصري حملته لتدمير الأنفاق منذ حزيران/يونيو الماضي. وفي مطلع أيلول/سبتمبر قامت آليات مدرعة برفقة فرقة الهندسة باقتحام منزل في الشق المصري من حي السلام غرب رفح، وبعدما اكتشفوا نفقًا، وضعوا "ديناميت" ودمّروا المنزل، كما يروي شاهد يدعى محجوب عبد السميع (29 عامًا)، وهو مصري شريك لفلسطيني صاحب نفق، إذ يقول "كنت أذهب من النفق إلى مصر يوميًا للعمل. أما الآن فمستحيل، لأن الدبابات موجودة باستمرار".
يشرح أبو عبد الرحمن صاحب نفق للوقود، قام الجيش المصري بتدميره بالمتفجرات حديثًا، إن الجيش دمّر نفقه مع ثلاثة منازل أخرى بداخلها أنفاق، مضيفًا إنه "خلال أقل من أسبوع هدموا أكثر من خمسة عشر منزل، بعضها من الصفيح فيها أنفاق لتنفيذ خطة المنطقة العازلة".
وقال عصام أبو حابس، وهو صاحب نفق، للحشود العسكرية المصرية، "التي لم نرها من قبل" على حدود غزة، "إذا أرادوا عقاب حماس، فما ذنب كل الفلسطينيين، ليس كل المواطنين في غزة يؤيّدون حماس".