بقلم : حنا حنا المحامى
إلى كل مصرى يحب وطنه ويعمل أو بفكر فى ازدهاره أكتب هذا المقال للذكرى والتاريخ
قامت ثورة 30 يونيو بسبب الدين. وطبعا لم يكن الدين سببا مباشرا للثوره ذلك أن الاديان تدعو إلى
المحبه والتآلف والسلام الاجتماعى. ولكن الدين الذى أقصده هو عباره عن الشماعه التى يتشبث بها الدعاه حتى ينعموا بالثراء والجاه والسلطان فى ظل التدين (إذا أردنا الدقه فى التعبير) وليس الدين.
إنى لن أدخل فى فلسفات ولكن فى حقائق ملموسه ومحسوسه. فلننظر نظره عابره إلى كل الدول العربيه مجتمعه بلا استثناء واحد. ما هو المستوى العلمى؟ ما هو المستوى الصناعى؟ ماهو المستوى الاقتصادى؟ الاجابه إنه لا توجد دوله عربيه واحده يمكنها أن تناهز أى دوله أوروبيه فى تقدمها ,فى ازدهارها, فى اقتصادها أو فى علمها. لماذا؟ الاجابه بكل بساطه لان الدول الاوروبيه تقضى وقتها فى العلم والبحث والدراسه فى المشاكل الاجتماعيه أو العلميه أو الاقتصاديه .... إلخ. وإننا لا نقارن طبعا بالسعوديه مثلا لان السعوديه لا تبنى اقتصادها إلا على الثروات التى تتفجر من باطن الارض بواسطة تقنيه وعماله أجنبيه.
لماذا نجد الدول الاوروبيه مزدهره عكس الدول العربيه؟ الاجابه ببساطه هو أن الدول الاوروبيه تقضى الوقت والجهد والمال فى العمل والبحث والدراسه والعمل على ازدهار الشعب ورخائه. أما الدول العربيه فتقضى وقتها فى الركوع والوضوء والبحث عن العمل إن وجد والجنس أولا وأخيرا. وأهم من هذا وذاك فإنها تستنفذ طاقتها فى الصراعات ووهم الجنه وبناء دور العباده دون أن يكون للعنصر الاقتصادى أو الاجتماعى أو الثقافى دخل أو اعتبار.
هذا الاسلوب فى التفكير وإدارة البلاد أدى إلى ضعفها لانها تستنفذ طاقتها فيما لا طائل تحته وأخص بالدكر الصراعات الدينيه أو العقائديه والتى تستنفذ كل الطاقه والوقت والجهد والمال. .
من هنا كانت تلك الدول ألعوبه فى يد الدول الكبرى ووسيله ليسط السلطه والنفوذ لتلك الدول. وعلى ذلك تسعى الدول الكبرى إلى ضعف تلك الدول علميا واقتصاديا حتى تضعف شوكتها وتظل ضعيفه ومن ثم تكون بمثابة الدمى التى تحركها أيادى الدول المقول إنها كبرى علما بأنه "لا كبرى ولا حاجه". ولكن كونها كبرى لم يكن ذلك إلا لانها تقارن بالدول الصغرى مهما كان حجمها ومساحتها وتعداد شعبها والفرق بين الاثنين هو العلمانيه والتدين..
لا شك أن الصراعات الداخليه وتضييع الوقت والجهد فى الفلسفات الدينيه هى السبب الاول والرئيسى فى ضعف تلك الدول دلك أن الفكر الدينى الضحل والسطحى ينآى بالشعب عن التركيز على مصلحة الدوله وشعبها ووحدتها ومحاربة كل أسباب الضعف والوهن.
وطبعا يدرك القارئ العزيز أنى أتحدث عن مصر الغاليه. كانت مصر قبل سنة 1952 من أكثر دول العالم ازدهارا ونجاحا. فقد كان الجنيه الاسترلينى يساوى 97.5 قرش مصرى أى أقل من جنيه مصرى. بنظره عابره الجنيه الاسترلينى يساوى الآن ما يزيد عن عشرة جنيهات مصريه. أى أن اقتصاد مصر تهاوى إلى أقل من العشر. ولما كان الامر كذلك فقد اضطرت إلى أن تمد يدها إلى العالم لتحصل على القمح والقوت الضرورى للشعب المصرى.
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قام بالثوره سنة 1952 من عباءة الاخوان المسلمين. ولما كانت أجندة الاخوان هى القضاء على الكفار المسيحيين فى مصر, فقد كان هذا هو الاعداد والترتيب. إلا أن المعركه الرئيسيه كانت إسرائيل التى احتلت جزءا من أرض فلسطين العربيه والتى يتعين على كل عربى أن يحرر تلك الارض مهما كلفه من ثمن. كانت هذه الايديولوجيه هى المحرك الاول لسياسة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. كذلك كان هناك عامل آخر جوهرى يحرك الثوره ألا وهو وضع الاقباط الذين يمتلكون الاراضى الزراعيه الشاسعه, فمن ثم يتعين تفتيت هذه الملكيه وتوزيعها على الفلاحين بحجة الاصلاح الزراعى.
كانت النتيجه أن السياسه الاقتصاديه المرتبطه بالانتاج قد تعثرت كثيرا بل تلاشت بسبب وهم الاصلاح الزراعى. ولم يقتصر الامر على دلك بل كان من نتيجة تفتيت الملكيه الزراعيه أن ضعفت إلى حد العدم إنتاج القطن طويل التيله الذى كان يتهافت عليه العالم وقد كان عماد اقتصاد مصر. ولم يقتصر الامر على ذلك بل تعداه إلى تطبيق مبدأ وحدة الدول العربيه أو حلم هذه الوحده. وقد استغلت الدول الكبرى هذا الحلم وجرت مصر إلى حرب اليمن والذى دفعت فيها الجلد والسقط وأدت تلك الحرب إلى انهيار اقتصاد مصر تماما. وكالعاده غنينا بعيد النصر.
قبل حرب اليمن كانت هناك حرب 1956 الخاصه بقنال السويس والتى انقذتنا منها أمريكا بالانذار المعروف. فتم تفجير بارجتين فى أول القناه وآخر القناه حنى يستحيل على المحتل الاجنبى احتلال القنال ثم احتلال مصر.
وللحقيقه والتاريخ أن مسألة مسيحى ومسلم قد خفت حدتها فى آخر أيام عبد الناصر على أثر علاقته الخاصه بالبابا كيرلس رحمه الله. ولكن إذا كانت خفت حدتها بالنسبه للرئيس جمال عبد الناصر فحدتها لم تخف بالنسبه لباقى أعضاء مجلس قيادة الثوره وعلى رأسهم أنور السادات وحسين الشافعى.
عقب وفاة الرئيس عبد الناصر استولى على الحكم الرئيس الراحل أنور السادات. والرئيس المفدى رحمه الله لم يترك سانحه إلا وعبر فيها عن كراهيته للاقباط انتهت باعتقال البابا الراحل شنوده الثالث. وفى اليوم الواحد والثلاثين لهذا الاعتقال قتل المرحوم بيد أعوانه ومريديه. ونعلم جميعا كيف ارتمى الرئيس أنور السادات فى أحضان أمريكا.
أعقب ذلك الرئيس حسنى مبارك والذى لم يترك فرصه أو مناسبه إلا واقتص فيها من الاقباط أو على الاقل بارك أى عدوان عليهم. وسلسلة الاعتداءات انتهب باعتقاله شخصيا كما نعلم.. ثم تلا ذلك الاخوانى الذى خان الوطن. ثم انتهى النهايه الحاليه كما انهار تماما اقتصاد مصر.
سيداتى سادتى: أقول هذا العرض رغم أن الغالبيه العظمى من الشعب المصرى العريق يعرفه تماما ولكن لا مندوحة من هذا السرد لانه يؤكد ما سوف أذهب إليه من واقع مريروعلاج أكيد.
تلك الحقائق السابقه أدت إلى انهيار بل إفلاس الاقتصاد المصرى. وإذا أردنا الايجاز التام لما سبق فقد كاانت كارثة مصر الاساسيه هى محاولة هدم المسيحيين اقتصاديا واجتماعيا.
وإنى لن أدهب إلى أية تحليلات غيبيه أو دينيه رغم ما قد يتعلق بها من صحه, ولكن التحليل العلمى السليم هو الاساس السابق سرده والذى كان الكارثه والاساس لما وصلت إليه مصر حاليا ألا وهو الصراع الدينى..
حضرات الساده: إن البلاد الاوروبيه والامريكيه يقطن بها المهاجرون من كل بلاد العالم وأخص هنا "مصر". هناك بأقل القليل عدم توافق أو عدم اتفاق بين المسلمين والمسيحيين. هذه حقيقه واقعه يتعين أن نواجهها فمواجه الحقيقه هى أول الطريق لعلاج المشكله.
وللمقارنه البسيطه نجد أن المسلمين والمسيحيين الذين ينتشرون فى كل بلاد أوروبا وأسيا وأمريكا واستراليا يعيشون فى سلام وأمان كامل. هنا يكمن العلاج. لكل فرد أن يمارس نشاطه السياسى فى نطاق القانون, ولكن ليس من حق أى أحد أن يعتدى على الآخر بسبب الدين سواء قولا أو عملا. كما أنه لكل فرد أن يمارس نشاطه السياسى بحريه مطلقه ولكن دون عنف. وأى فرد يخرج عن هذه القواعد يخضع للقانون والجزاءات اللازمه. وهذا جميعه بما لا يتعارض مع حق التعبير أى الكلمه سواء المقوله أو المكتوبه.
ولكن فى مصر, نجد أن العنف هو الذى يعبر عن الرأى السياسى وهذا يقودنا إلى عصور التخلف التى مضى عليها مئات السينين وكما نعلم فقد تزعم هذا العنف جماعة الاخوان المسلمين. وقد اتخذوا من الدين سبيلا للسطو على السلطه والاستئثار بمقدرات البلاد. واعتقدوا أنهم سوف يربحون السلطه والسلطان بالتهميش المطلق للمسيحيين بل -إن أمكن- القضاء على المسيحيين ودور عبادتهم. وهم للاسف الشديد لا يتمثلون بالغرب السسيحى الذى يعطى للمسلمين حقهم دون أى تمييز ضدهم فهم كما نعلم يبنون الجوامع ودور العباده بحريه تامه, كما أن ديانتهم الاسلاميه لا تمنعهم من أن يتبوأوا المناصب القياديه كافه. ولكن إذا دهبوا إلى مصر تضيع الاخلاق والقيم فتنعدم المساواه وتتلاشى القيم الانسانيه. والحجه فى هذا أن مصر دوله إسلاميه. والرد على ذلك بسيط جدا وهو أن البلاد الاوروبيه دول مسيحيه مع ذلك فهى تحترم حقوق الانسان كافة فتعمل مبدأ المساواه فى كل مناحى الحياه والعمل والقانون والحقوق والواجبات. لذلك فالدساتير الاجنبيه تنادى بمبدأ المساواه قولا وعملا وقانونا ودستورا وهذا هو سر قوه ونجاح الدول الغربيه.
إذن فعنصر الدين يمكن أن يكون عنصر تفكك أو عنصر قوه. فالنص على دينيه الدوله لا يمكن بأى حال من الاحوال أن يؤدى إلى قوة الدوله بأى شكل أو بأى صوره. بل عنصر الدين سيظل يعمل كما كان على تفكك الدوله وضعفها وانقسامها. والقول بغير ذلك هو مثل من يضع رأسه فى الرمال أو يحاول خداع نفسه وخداع الآخرين. أما الدين بمعنى احترام الاديان كافه بما لا يخل بأى حق من الحقوق السياسيه أو الاقتصاديه يؤدى بلا شك إلى تماسك الدوله وبالتالى قوتها.
وليس أدل على ذلك من دوله مثل اندونيسيا والتى كانت دوله أقل من الدرجه الثالثه وأصبحت الآن دوله من الدول الكبرى فى العالم, ذلك أنها جمعت بين المسلمين والمسيحيين والبوذيين والجميع اشتركوا فى بناء الوطن بنسبة تعدادهم حتى أن الاعياد أصبحت تحتفل بأعياد كل دين كعيد رسمى فى الدوله. فأصبحت دوله من الدرجه الاولى.
وقياسا على ذلك لماذا لا ينص الدستور على أن الدين الاسلامى والمسيحى تعترف بهما الدوله. وطبعا إنى أعرف مقدما أنى أنادى فى واد.
المهم أن وحدة مصر وتماسكها هما المخرح الوحيد من أزمتها الاقتصاديه الراهنه.
ولكن هناك مشكله حاليه جامعه مانعه وهى موضوع الاخوان المسلمين وسياستهم التى تهدف إلى الاستئثار بمقدرات البلاد والعباد فى ظل الدين. إن سياسة العنف الراهنه التى يمارسها الاخوان فى مصرلا شك ولن يختلف إثنان بأنه لا بد من علاجها.
والحل الامثل لهذا العلاج فى رأيى هو ما قام به الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مع فارق جوهرى. إن الرئيس عبد الناصر جمع الاخوان جميعا فى المعتقلات. وقد أتيح لى أن أعلم كيف أنهم كانوا يعاملوا بمنتهى القسوه فى المعتقلات. وهذا هو مكمن الخطأ الحقيقى. ذلك أن القسوه فى السجون أو المعتقلات تخلق نفوسا حاقده. وفعلا ما أن أتيح للاخوان الخروج من المعتقلات إلا وأظهروا كل ما يعتمل فى نفوس البشر من حقد وشر وعنف.
كذلك فإن السياسه الرخوه مع الاخوان لا تجدى فتيلا, وهو ما يحدث الآن.
لذلك فالحل الامثل فى رأيى إن لم يكن الوحيد هو أن يتم التعامل مع الاخوان بشى من العنف فى هذه المرحله وليس بالارتخاء الحالى. ثم يتم اعتقالهم جميعا. نعم إن عددهم يزيد قليلا عن المليون, ولكنهم موزعون عبر كل مدن القطر المصرى. وفى الاعتقال يتعين أن يعاملوا معاملة إنسانيه حتى تصفو نفوسهم من الحقد الذى يعتمل فيهم ومن ثم يملأ قلوبهم ونفوسهم بالشر وحب العدوان..
وهم فى المعتقلات يتم تثقيفهم لمحو الافكار المسمومه التى استقوها على مدى عقود طويله. ويشترك فى هذ التثقيف علماء من الازهر وعلماء فى علم النفس. ليطهروا الاخطاء الثقافيه والدينيه التى يبنى عليها الاخوان أجندتهم. ثم يسرحوهم رويدا رويدا بعد أن يثقوا أن التعاليم السوداء التى استقوها قد تلاشت من أذهانهم وأنهم أدركوا أن سياسة العنف تضرهم أكثر مما تنفعهم. كذلك يتعين أن يتعلموا معنى الوطنيه وأن الوطنيه ليست فى الدين بل فى الارض التى ينتمون إليها.
أما معاملة الاخوان تلك المعامله الرخوه على النحو الدائر حاليا فهذا لن يمكن أن يؤدى إلى أى علاج للمشكله أو تقدم الدوله مهما حققت من الاستقلال, ذلك أن ما يقوم به الاخوان حاليا هو احتلال داخلى عنيف أسوأ بكثير وكثير جدا من الاحتلال البريطانى.
حضرات الساده: إن العنف لا يعالج إلا بالعنف. وبعد السيطره على كل الامور يتم علاج الاخوان وتثقيفهم حتى يكونوا عناصر بناءه بدلا من أن يكونوا عناصر هدم.
وقبل أن أنهى هذا المقال أود أن أشير إلى موضوع الماده الثانيه من الدستور والتى تجعل من مصر دوله دينيه مفككه. وأرجو خالصا من أجل مصر ووحده مصر وتماسك مصر وقوه مصر ومستقبل مصر أن يتم غض النظر عن هذه الماده. لا بد لمصر أن تكون دوله قويه وليست دوله تابعه.
استدراك هام: هل ما يحدث فى كرداسه ودلجا يمكن أن تفخر به أى حكومه على وجه الارض؟ مجرد سؤال.