نعيش حربًا قوية مع تيار الإسلاام السياسي بكافة تشكيلاته
الجماعات المتطرفة ما هى إلا مجرد جملة اعتراضيه ستزول و تنتهي وخروج الأقباط للوطن هدد حلم الخلافة الإسلامية.
حوار : مينا ثابت
المفكر و الكاتب " كمال زاخر " مؤسس التيار العلماني القبطي و احد المفكرين الأقباط الذين يتسموا بالهدوء و الذكاء الشديد والاضطلاع الجيد بالتاريخ والذي يتيح له ان يقدم قراءة دقيقة للأوضاع الحالية للبلاد بشكلٍ عام و للشأن القبطي بشكلٍ خاص،
تناول الحوار عدة محاور من بينها الأقباط و الوضع السياسي و الكنيسة والحركات القبطية و رؤيته حول الدستور، فيرى أن الأقباط هم "رمانة الميزان" وأنهم هم الرقم الأصعب في المعادلة و الذي يستحيل أن تستقيم بدونه، كما أن مصر الآن تمر بمرحلة مرتبكة يغلب عليها ملامح الغموض وعدم الاستقرار كما أن خروج المسيحيين هدد حلم التيارات الإسلامية التي تسعى لإقامة مشروع الخلافة، و تتناول هذه الجزئية من الحوار الوضع السياسي من وجهة نظر كمال زاخر.
كيف ترى المشهد السياسى؟
المرحلة مرتبكة و هذا أمر طبيعي بعد الثورات أو التغيرات الكبيرة، وذلك نتيجة للانتقال من نظام إلى نظام آخر، فلم ينتهي النظام القديم و مازال يقاتل والنظام الجديد مازال فى طور التشكيل، و تمتاز اى مرحله مرتبكة بملامح أساسية من بينها الغموض و سيطرة علامات الاستفهام على المشهد في ظل وجود نوع من القلق. و يعقب تلك المرحلة ما يعرف بـ " المرحلة الانتقالية " - التي لم ندخلها بعد - و تمتاز أيضا بملامح كالاستقرار على المحاور الرئيسية و الأهداف المراد تحقيقها وقياس الإمكانيات المتاحة و وضع خطط مجدولة زمنياً، و الملمح الاساسى يتمحور فى الانتهاء من نتائج المراحل السابقة و مثل هذا الأمر لم ندخل فيه حتى الآن.
لذلك نحن في مرحله مرتبكة تحيط بها كثير من القلاقل وعدم الاستقرار خصوصاً أن الطرف الأخر في المعادلة الآن هو تيار الإسلام السياسي وليس فقط الإخوان ،و الذي يمثل احد فصائل التيار الاسلامى الأشبه بالاوانى المستطرقة و التي تجمعه مصالح وتوجهات واحده وحتى إن اختلف في التكتيك فهو متفق في الإستراتيجية، فالطرف الآخر هنا يميل لاتجاه الدموية مما يرفع سقف العنف و يزيد من حالة الصراع التي وصلت إلى حد الاقتتال و تحدى سلطة و هيبة الدولة في سبيل استرجاع مجد زائل و سلطه ساقطة و هذا ما يرفع حجم العنف في المرحلة.
متى ستنتهي هذه المرحلة المرتبكة حتى ندخل في المرحلة الانتقالية؟
لا نستطيع تحديد ذلك، لأنها مرتبطة بعدد من المتغيرات كتوافر الإرادة السياسية و وضوح الرؤية لدى الإدارة الحالية للبلاد، و كم الضغوط التي تُمارس عليهم من الداخل او الخارج، وتفاعل الشارع مع الحكام الجدد و هي أيضا مرتبطة بفهم طبيعة المرحلة، و هذه كلها أمورا لا نستطيع أن نحددها الآن.
هل ترى أن هنالك إرادة حقيقية الآن لدى الحكام الحاليين فى إحداث تغيير؟
الارادة تصطدم بالضغوط و نحن لا نتعامل مع مجتمع ملائكي و لا نتعامل مع مجتمع منعزل عن تأثير القوى السياسية سواء داخلية أو إقليميه أو دولية، وبالتالي الإرادة وحدها لا تكفى. ولكن كيف تدار التوازنات و الموائمات، كيف نفرق بين الضغوط الحقيقية و الضغوط المزيفة، حيث المؤثر الاساسى هو المصالح فلو افترضنا ان الضاغط الرئيسي الآن هو الولايات المتحدة الأمريكية فهي تملك في يدها – سواء هي او عملائها الاقلميين في المنطقة – الضغط الاقتصادي المتمثل في المعونة و غيرها، و هذا ليس الامر الهين لاننا نتحدث عن دولة تعانى من أزمة اقتصادية ممتدة لأكثر من 50 عاماً ولا تملك علاجات اقتصادية حقيقية، او ان بعض التشابكات الاجتماعية تغل يدها على اتخاذ بعض القرارات السليمة لاصطدامها مع حاجات أساسيه في الشارع، و بالتالى لا يمكن التهاون فى أمر الضغوط الاقتصادية، البديل المطروح هو الإنتاج و ثقافة العمل و هو ما نعانى من غيابه، كل هذا يؤكد أن الإرادة السياسية ليست الفاعل الرئيس فى الحل.
ما هو تقييمك لأداء الحكومة الحالية فى ظل هذه الضغوط التي تحدثنا عنها ؟
ارى انها حكومة استثنائية فى ظرف استثنائي، فلا يمكن ان نحملها كل الاخطاء الموجوده، لانها جائت لتعالج امور قد لا يكون لها علاج و الامر الاخر انها حكومة " تكنوقراط " بمعنى انها لا تضع سياسات بل فقط تقوم بتسيير الامور و تحاول ان تفكك الازمات، فلا نستطيع تقييمها رغم الانبهار بالثورة، و لكن حتى الان لم تحل مشكله واحد من المشاكل.
ألا ترى أن أزمة كـ " الأمن " بداءت الآن تصل إلى حل ؟
نحن فى مرحلة استثنائية و ظرف استثنائى، فلا اتصور ان الأزمة الامنية تم حلها بالشكل الحقيقي الذي يحقق الأمن فى الشارع فمازلنا فى مواجهة عماليات ارهابية فى العاصمة و الصعيد و سيناء، و مازلنا حتى الان فى مواجهه عنيفه مع تيار الاسلام السياسى بفروعه المختلفه و على رأسها الاخوان و بالتالى لا نستطيع ان نقول اننا نجحنا فى حل الازمة الامنيه، رغم وجود انتصارات و تقدم على ارض الواقع فى احداث استرداد دلجا و كرداسه حيث استشهد اللواء نبيل فرج، مما يمثل رجوع العقيدة الشرطية الى طبيعتها المصرية مرة اخرى، و اعتقد ان المرحله تتطلب القليل من الصبر و الذى يفتقده المصريين.
وسط هذا المشهد المعقد و الملئ بالتفاصيل، اين ترى الاقباط فى هذا المشهد ؟
للحديث عن الاقباط لابد للعودة الى 25 يناير وذلك لانها لحظة فارقة فى التعامل القبطى مع الشأن العام، ففى 25 يناير حدث تغيير نوعى فى خروج الاقباط للتظاهر خارج اسوار الكنيسة سياسياً، مع الالتزام روحيا بتعاليم الكنيسة، وهذا امر طبيعى لدى المصريين، واعتقد ان ذالك الخروج حل مشاكل كثيرة ربما كانت تعانى الكنيسه منها، لان مرحلة ما قبل 25 يناير و ربما من بعد ثورة يوليو 52 كانت اغلب الانظمة تختصر الاقباط فى شخص بابا الكنيسة الامر الذى كان يمثل عبء على كل الاقباط و على شخص البابا نفسه.
وفى ظل التدافع المجتمعى لاخراج الاقباط من المعادلة السياسية وجدت الكنيسة نفسها محملة بمهمة ليست بمهمتها و هى احتواء الاقباط، و حماية حقوقهم، و حماية الهوية القبطية، مما اسهم فى زيادة الاعباء عليها و لكن جاءت ثورة 25 يناير لترفع اغلبها عن كاهل الكنيسه بخروج الاقباط و اصبحوا شركاء اساسيين فى المشهد، الامر الذى ارتبكت امامه الدولة و توجست من خروج الاقباط مما نتج عنه احداث كأحداث ماسبيرو، والتى لو قمنا بتحليلها بعيدا عن العواطف والانفعلات سنجد اننا امام رساله اراد المجلس العسكرى ان يرسلها و لم نفهمها فى وقتها لكن ربما نفهمها بعد تكشف الخيوط الممتده من المصالح و التوازنات بين المجلس العسكرى و تيار الاسلام السياسى.
و على راسهم جماعة الاخوان، فنجد ان احداث ماسبيرو لم تكن حماية منشأة او فض للاعتصام، بل ان المجلس العسكرى اراد ان يفسح المشهد للاخوان والذى وجد امامه عقبه و هى مشاركة الاقباط الفّعاله لصالح الوطن و هو لامر الذى لم يأتى على هوى المجلس العسكرى فكان لابد من ترويع الاقباط و قطع هذا المد الوطني لهم و الزج بهم للعودة مرة اخرى خلف اسوار الكنيسة، ورغم ان الشباب القبطي كغالبية الشباب المصرى لم تكن رؤيته السياسية قد تشكلت بعد، ولكنه لم يبتلع الطعم و ظل يقاوم و لم يعد مره اخرى خلف الاسوار حتى انه فرض نفسه من خلال التنظيمات المختلفة لشباب الاقباط و اضطر ان يقبله المجتمع و السلطه الان.
و سيكتب فى التاريخ انه عندما اراد الاقباط ان يشاركوا كانوا ايجابيين و انهم رمانة الميزان وكان اول من ادرك ذلك هم الاخوان المسلمين و قد انعكس هذا على سرعة اتهامهم للمسيحيين بأنهم وراء ثورة 30 يونيو و ذلك اداكاً منهم لخطورة تحرك الاقباط داخل الوطن و خارج اسوار الكنيسة على مشروعهم السياسى، فحينما تستقر الامور وتهداء سوف نعيد قراءة هذا المشهد مرة اخرى فى اطاره الوطنى بعيدا عن الانحيازات والانفعالات.
ماهى خطورة خروج الاقباط على مشروع الاسلام السياسى ؟
اذا علمنا هدف تيارات الاسلام السياسى سوف نعلم لماذا يستهدفون الاقباط، فالحلم الاسير لديهم منذ عام 1923، العام الذى سقطت فيه الخلافة العثمانية، حيث ولدت فى هذه اللحظة قوى معينة تريد ان تعيد حلم الخلافة الاسلامية، لذلك نلاحظ انه سنة 23 سقطت الخلافة وصدر اول دستور مدنى يُعد من افضل الدساتير المصرية.
فى اطار ديمقراطى حقيقي لم يتكرر حتى الان، فلم ينقطع الخيط ما بين سقوط الخلافة و ظهور جماعة الاخوان المسلمين عام 1928 و التى رفعت من اللحظة الاولى شعار بعث الخلافه من جديد و بدأت من مصر لتيقنها ان القوة الاساسية التى يمكن لها ان تحقق هذا الحلم هى مصر، بأعتباره ان بها الكتلة الاسلامية الاكبر، ربما لان بها الازهر، ربما لان مصر هى التى اعادة انتاج الفقه الاسلامى بالشكل الذى انتشر فى العالم كله، كما ان تجويد القرآن بداء بمصر. فأعتقد ان حسن البنا كان يملك رؤية استراتيجية حول اهمية مصر بالنسبة لمشروعه و انه ادرك ان بعث الخلافة يبداء من مصر و من خلال تنظيم مغلق فاشى مثل تنظيم جماعة الاخوان. و الجدير بالذكر ان كل التيارات الاسلامية و الجماعات الجهادية ولدت بعد ذلك من عبائة الاخوان.
فعندما يكون الحلم الاساسى هو تحقيق الخلافه، فلابد من وجود نوع من النقاء الدينى فى المنطقة، و الذى يشكل خروجاً عن هذا النقاء هم الاقباط بحكم الدين بخلاف انهم يمثلوا عنصر اساسى فى التركيبه السكانية و لهم امتداد ثقافى آثر على بقية المصريين فحتى الذين خرجوا من المسيحيه للاسلام فى القرن العاشر و الثانى عشر اخذوا معهم الثقافة القبطية و الفولكلور القبطى و الذى مايزل راسخاً حتى اللحظة فى الزهنية القبطية. فكان لابد من أن يتم تفريغ الوطن من الاقباط الذين يمثلوا حجر العثرة امامهم حتى يمكن ان يتحقق الحلم المتوهم بأعادة احياة الخلافة الاسلامية، فهم يريدون ذلك و لا يريدون ان يعترفوا بأن هنالك تغيرات تاريخيه فلم يعد هنالك مكان للتكتلات الكبرى لا فى الشرق و لا فى الغرب.
برأيك .. ما هو مستقبل الأقباط في ظل حالة عدم الاستقرار الحالية ؟
كثيرين من الكتاب و المحللين يروا ان الأقباط هم الرقم الصعب في المعادلة، بمعنى انه الرقم الذى لا يمكن حذفه من المعادلة و اذا تم حذفه لا تستقيم المعادلة ، فلا اخشي على الاقباط لا امس و لا اليوم و لا بعد ألف عام، لان الأقباط ليسوا عنصراً مقحماً على المعادلة المصرية بل هو عنصر أصيل و النسيج المصري حتى الآن بعيداً عن المسيسين و النخب مايزل متماسك، و الجماعات المتطرفة ما هي الا مجرد جملة اعتراضيه ستزول و ستنتهي.