السبت ٥ اكتوبر ٢٠١٣ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
بقلم: مؤمن سلام
يمكن تعريف الاستبداد بأنة "انفراد فرد أو مجموعة من الأفراد بالحكم أو السلطة المطلقة دون الخضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأي المحكومين." والسلطة المستبدة "هي تلك التي تمارس الحكم دون أن تكون هي ذاتها خاضعة للقانون الذي يطبق فقط على الشعب" .
وبهذا يمكن القول أن كون الدولة علمانية فلا يعنى بالضرورة أنها دولة ديمقراطية. فيمكن للحاكم أو الطبقة الحاكمة أن تنفرد بالحكم وأن لا تخضع للقانون حتى وان كانت تفصل الدين عن الدولة. فالدولة العلمانية ليست بالضرورة دولة ديمقراطية، ولعل النظر إلى تاريخ الدول الشيوعية والنازية والفاشية ومقارنتها بالدول الليبرالية ما يوضح ذلك، فالدول الشيوعية كانت مستبدة يحكمها حزب واحد أو فرد واحد، بينما الدول الليبرالية تقوم على الحريات والمؤسسات. ومن هنا نرى أن العلمانية لا تعنى الديمقراطية. ولكن أيضا لابد أن نوضح أن الدولة الديمقراطية هي بالضرورة دولة علمانية.
والسؤال هنا، هل إذا كانت الدولة العلمانية مستبدة تصبح مثل الدولة الدينية، أي تتساوى معها في السوء أم أن الدولة العلمانية تظل دائما أفضل من الدولة الدينية؟
عند النظر إلى أحوال الدول العلمانية المستبدة ومقارنتها بأحوال الدول الدينية سنجد هناك الكثير من الفروق التى تجعل الدولة العلمانية المستبدة أفضل بكثير من الدولة الدينية. ففي ظل الاستبداد العلماني يكون الاستبداد محصور في نطاق الممارسات السياسية وما يرتبط بها من حريات عامة مثل تكوين الأحزاب والتنظيمات وحرية وسائل الإعلام وحق التظاهر السلمي وحرية الرأي.
أما ما يتعلق بالحريات الشخصية فإنها تظل خارج نطاق هذا الاستبداد وخارج نطاق سيطرة الحزب الحاكم، حيث يظل سلوك الإنسان أمر يخصه وحدة ولا تتدخل الدولة في أموره الشخصية. كذلك ما يتعلق بحرية الإبداع في مجال الفنون والآداب تظل مساحة حرة بقدر كبير، بل إن الكثير من الدول المستبدة ازدهرت الفنون والآداب فيها بقدر قد يفوق في بعض المجالات الدول الديمقراطية. ورغم أن الاستبداد السياسي في النهاية يؤدى إلى الثورة على نظام الحكم، إلا أن حتى يحين موعد الثورة تظل الدولة العلمانية المستبدة قادرة على تحقيق نجاحات اقتصادية وثقافية وعسكرية وفنية وتتسم بقدر كبير من الاستقرار الاجتماعي.
على الجانب الأخر نجد الدول الدينية لا تكتفي بالاستبداد السياسي فقط ولكن نجد الدولة تتدخل في كل تفاصيل الحياة العامة والشخصية. فالحاكم في هذه الحالة هو المتحدث الرسمي باسم الله وهو المسئول عن حراسة الدين وهو ما يعطيه الحق في التدخل في كل صغيرة وكبيرة للقيام بواجبة في حراسة الدين من كل خطر يتصوره.
فالدولة الدينية تتدخل في ملبس ومأكل ومشرب الرعية، تماما كما تتدخل في عقيدتهم وأراءاهم السياسية والفكرية. كما تضع الدولة الدينية حدود على الإبداع، فتصبح كل قصة وقصيدة وتمثيلية وفيلم ولوحة فنية خاضعة لمحاكم التفتيش الديني، لا يهم مدى إبداعها أو جمالها أو حرفيتها المهم أن تحصل على صك من رجل الدين على أنها لا تصادم الدين من قريب أو بعيد من وجهة نظر هذا الفقيه أو ذاك. ما ينتج عنة استبعاد أعمال فنية على أعلى مستوى لأن الحاكم بأمر الله لا يرضى عنها، وتمرير أعمال أخرى في غاية السوء لمجرد أن الولي الفقيه أقرها.
دولة بهذا الاستبداد العميق الذي يطال كل صغيرة وكبيرة في المجتمع من الطبيعي أن تنتج مجتمع منافق، فاشل، ينتقل من هزيمة إلى أخرى على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية.
ولهذا فالدولة العلمانية تظل دائما أفضل من الدولة الدينية، حتى لو كانت دولة مستبدة.