الأحد ٦ اكتوبر ٢٠١٣ -
٣٤:
٠٨ ص +02:00 EET
بقلم:: يوسف سيدهم
مصر تكتب دستورها والآمال معقودة علي كتابة دستور يرسخ مبادئ الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ويضع الأسس لتشريعات تضمن وتصون حريات وحقوق جميع المصريين... تشريعات لا تفرق بين مصري وآخر علي أساس الجنس أو اللون أو الدين أو العقيدة.
مصر تكتب دستورها والآمال معقودة علي كتابة دستور يرسخ مبادئ الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ويضع الأسس لتشريعات تضمن وتصون حريات وحقوق جميع المصريين... تشريعات لا تفرق بين مصري وآخر علي أساس الجنس أو اللون أو الدين أو العقيدة. هذا هو الأصل في الدستور أن يسطر المبادئ المطلقة التي تكفل جميع الحقوق بمساواة تامة, ثم تأتي القوانين لتفصل المبادئ وترتب الحقوق وتضع المعايير التي تضمن عدم خروج الممارسة عن الحدود التي يتوافق عليها المجتمع..
أقول ذلك في ضوء الجدل المثار حول صياغة المادة الثالثة في فصل المقومات الأساسية تحت الباب الأول الدولة والمجتمع- وأنا أتبع هنا ترتيب الأبواب والفصول والمواد كما جاء في دستور 2012 باعتبار أن ما يجري حاليا طبقا للإعلان الدستوري الأخير هو تعديل لهذا الدستور وليس كتابة لدستور جديد- وبناء عليه أسرد نص المادة الثالثة المشار إليها والتي تنص علي: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية... هكذا جاء نص المادة في دستور 2012, أما الآن وبينما تعكف لجنة الخمسين علي بلورة التعديلات الدستورية الواجب إدخالها علي ذلك الدستور بهدف تنقية مواده من التوجهات المشبوهة والنوايا الخفية المبيتة بين السطور للتربص ببعض المصريين والإيقاع بهم ضحايا لتشريعات الفرز والإقصاء, فقد ثارت الرغبة لدي الكثيرين المهمومين بترسيخ الحقوق وكفالة المساواة لجميع المصريين لتعديل المادة الثالثة بإحلال تعبير غير المسلمين محل المسيحيين واليهود.. فيصبح منطوق المادة: مبادئ شرائع المصريين من غير المسلمين المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية..
ما أن تم طرح هذه الرؤية لتعديل المادة الثالثة حتي ثار جدل صاخب داخل اللجنة نفسها وامتد خارجها إلي كافة دوائر المجتمع الدينية والحقوقية والسياسية والإعلامية وغيرها... جانب يتحمس لفكرة التعديل كضمان مطلق للحقوق وجانب آخر يرفض التعديل ويتذرع بالمخاوف من فتح الأبواب لتسلل عقائد وأفكار غريبة عن المجتمع... ونسي الكثيرين في غمار الخلاف المحتدم أن الإطلاق في مبادئ الدستور هو الأصل وأن المخاوف من الأضرار التي قد تحيق بالمجتمع من جراء الإطلاق تتولي درءها التشريعات والقوانين..
لا مانع أن تكون الغالية العظمي من المصريين تدين بأحد الأديان الإبراهيمية الثلاثة- اليهودية أو المسيحية أو الإسلام- ولكن لا تزال توجد أقليات تدين أو تتبع عقائد أخري ترتضيها لعبادة الله الواحد وتتمسك في ذلك بذات الثوابت الإيمانية التي نزلت الأديان السماوية تبشر الإنسان بها من وحدانية الخالق والمحبة والصلاح والتراحم بين الناس وغيرها من القيم السامية التي لا تتعارض مع السلام والاستقرار والأمان الذي ينشده المجتمع... كما أن أتباع هذه العقائد يعيشون علي أرض هذا الوطن كمصريين أسوياء يختلطون بشكل طبيعي مع سائر المصريين ولا ينعزلون عنهم أو يتعالون عليهم, يؤدون سائر واجباتهم ويخضعون للقانون مثلهم مثل المصريين تماما.. لماذا إذا عندما تترتب لهم حقوق خاصة تابعة لمعتقدهم يتنكر لهم المجتمع ويتم إقصاؤهم بالدستور؟!!.
إن ما يجري في هذا السياق من إخراج الأمر من حدوده الموضوعية الحقوقية ودفعه نحو منزلقات حساسة لا داعي لها هو خطاء جسيم لا يستقيم مع كتابة دستور يصون حقوق جميع المصريين... فمن البديهي أن المؤسستين الدينيتين الرئيسيتين في مصر- الأزهر والكنيسة- معنيتان بالدعوة الإسلامية والدعوة المسيحية كل في مجاله, فلماذا يتم الزج بهما في هذا الأمر بما يوحي بأن موافقتها علي تأصيل حقوق أتباع العقائد الأخري في الدستور هو اعتراف منهما بهذه العقائد؟!!.. ليس الأمر كذلك علي الإطلاق. كما أن تحذيرات وصرخات البعض من أن فتح هذا الباب من شأنه أن يسمح بتسلل أفكار مشبوهة وهرطقات إلي المجتمع هي تحذيرات وصرخات تنطوي علي فزاعة لإخافة المجتمع أكثر من الادعاء بحمايته, لأنه كما أسلفت توجد القوانين واللوائح المنوط بها تأمين تطبيق مواد الدستور دون تهديد أمن وسلام المجتمع ودون التعارض مع قيمه ومثله العليا وآدابه..
لقد عانينا الأمرين في تجربة كتابة وصياغة دستور 2012 من تربص فصيل من المصريين بفصيل آخر, واختبرنا مرارة النوايا الخفية والعبارات مزدوجة المضمون, وتوجسنا جدا مما قد يحاك لبعض المصريين من جراء دستور غير عادل لا يضمن كامل الحقوق والحريات للجميع بلا أدني فرز أو تمييز.. أنأتي اليوم ونحن نعدل هذا الدستور وننقيه مما شابه من عوار لنسقط في ذات الخطيئة؟..