الاثنين ٧ اكتوبر ٢٠١٣ -
١٢:
٠٢ م +02:00 EET
بقلم: مؤمن سلام
بدأ الحجاب يطل برأسه في المجتمع المصري في سبعينات القرن الماضي، ولكن لم يتحول إلى ظاهرة تجتاح الأمة المصرية إلا في 2001 مع ظهور عمرو خالد الذي جعل الحجاب قضيته الرئيسية وقام باختزال الحجاب في غطاء الرأس بعد أن كانت له شروط تصر عليها الجماعات الإسلامية حتى تعترف به حجاب شرعي. فقام عمرو خالد بإلغاء هذه الشروط، وأصبح من حق الفتاة أن ترتدي ما تشاء على حسب الموضة السائدة بشرط أن تغطي شعرها. هذا التيسير من وجهة نظر عمرو خالد والتفريط في الأحكام الشرعية من وجهة نظر جماعات الإسلام السياسي شجع فتيات مصر على تغطية رؤوسهن طالما سيكون بمقدورهن المحافظة على جمالهن ومسايرة أخر خطوط الموضة.
مع انتشار هذه الظاهرة تحول ما يسمى بالحجاب إلى ظاهرة مجتمعية وفرض اجتماعي طغى على المجتمع كله. فأصبح الأب يفرض على بنته الحجاب حتى لو كانت لا تصلى، رغم أن من الناحية الدينية الصلاة أهم مئة مرة من الحجاب، والأخ يفرض على أخته الحجاب رغم أنه يعرف أنها تدخن السجائر وهو عيب مجتمعي، إلا أن أمر الصلاة والتدخين لا يهم لأن لا أحد يرى، أما شعرها فالكل يراه والكل سيعرف أن الابنة غير محجبة.
وهو ما يعتبر طعنا كبيرا في ذكورة الأب والأخ ولذلك وجب فرض الطرحة عليها. كما تحول الحجاب لشرط من شروط الزواج، فأصبح الشاب يبحث عن المحجبة أولا فإن صادف غير محجبة وأعجبه شكلها كان الشرط الأول هو أن تتحجب إرضاء لذكورته وحفاظا على شكله الذكوري أمام أصدقاءه. فكان أن أدى تحول الحجاب إلى شرط للزواج أن شاركت الأمهات في فرض الحجاب على بناتهن، طمعا في العريس المنتظر الذي سيمحو عن ابنتها اللقب البغيض "عانس". وقد انضمت المدرسة إلى الأسرة في فرض الحجاب على فتيات مصر، فبعد أن تغلغل التيار الأصولي في أوساط المدرسين.
وأصبح التطرف هو السمة العامة لمعظم المدرسين المصريين، ساهمت الكثير من المدارس والمدرسين والمدرسات في فرض الحجاب على الطالبات وممارسة الكثير من الاضطهاد على كل فتاة لا تغطي شعرها باعتبارها من الفاسقين المنحلين. وانتهت كل هذه الجهود بتحقيق نصر كبير لتيار الإسلام السياسي وأصبحنا نفخر أن 80% من مسلمات مصر محجبات بدلا من أن نفخر أن 80% من نساء مصر متعلمات وحاصلات على شهادات متوسطة أو عليا. ولقد استغل التيار الديني هذه الظاهرة لإظهار قوته أمام العالم وليقول لأمريكا نحن من يسيطر على الشارع المصري.
كان طبيعيا أن تبدأ بنات مصر في مقاومة هذا الاستبداد الديني الذي يمارسه المجتمع على الفتيات، وموجة الاضطهاد ضد كل من هي غير المحجبة سواء ماديا بالتحرش أو إلقاء ماء النار أو الألفاظ الخادشة للحياء، أو الاضطهاد المعنوي بالإزدراء أو النظر إليها نظرة المنحلة التى بلا أخلاق. بدأت المقاومة بإتباع الفتيات لأحدث صيحات الموضة، فرغم اختفاء الجيبات والفساتين إلا أنه ظهرت بدائل أخرى لتستعرض بها الفتاة المصرية جمالها وأنوثتها. ملابس قد تكون أكثر سخونة من فستان يظهر ذراعيها أو جيبه قصيرة، مع الالتزام بتغطية الشعر.
وكان الأهم من إظهار الجمال هو إصرار بنات مصر على عدم جعل غطاء الرأس يغطي عقولهن أيضا ويمنعهن من التفكير الحر. فانطلقن يعتنقن الأفكار العلمانية من شيوعية واشتراكية وليبرالية، كما لم يمنعهن الحجاب من التفكير في القضايا الكبرى المتعلقة بما وراء الطبيعة، فكان منهن الربوبية التى تؤمن بوجود خالق للكون ولكن تؤمن ببشرية الأديان، واللاأدرية التى ترفض الأديان ولم تحسم أمرها في مسألة وجود الإله، والملحدة التى لا تؤمن بالأديان ولا بوجود إله. نعم أعزائي المصريين الغارقين في معركة الحجاب والنقاب، يا من تعتقدون أن الحجاب هو رمز الشرف والعفة والتدين والتقوى هناك محجبات لا دينيات، وليس فقط محجبات يدخن الشيشة والسجائر والمخدرات ويشربن الخمور كما تظنون.
الحقيقة أن وجود محجبات لادينيات هو أكبر صفعة على وجه مجتمعنا الذي أصبح يمارس الاستبداد الديني ويحافظ على مظاهر التدين أكثر من محافظته على جوهر التدين. ظاهرة الملحدات المحجبات هو أكبر دليل على أن الاستبداد الديني سواء مارسته السلطة أم المجتمع سيؤدى في النهاية إلى حالة من الفصام يقع فيها أفراد المجتمع فيُظهروا للمجتمع ما يحب أن يراه ويبطنوا ما يؤمنون به حقا. ومجتمع يعيش أفراده هذه الحالة لا تتوقعوا منه تقدم أو نهضة أو تنمية.