الأقباط متحدون - حديث المصالحة
أخر تحديث ٠٨:٣٩ | الاربعاء ٩ اكتوبر ٢٠١٣ | توت ١٧٣٠ ش ٢٩ | العدد ٣٢٧٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

حديث المصالحة

 حديث المصالحة
حديث المصالحة

مازال مفكرون مصريون كبار يتحدثون عن المصالحة مع الإخوان المسلمين، بمنطق لا يتناسب مع المتوقع من هؤلاء باعتبارهم قامات فكرية، ومنهم أصحاب مراكز أبحاث سياسية واجتماعية، لا نزمع الربط بين مصادر تمويلها، وما يصدر عن القائمين عليها من آراء ومواقف وتقارير، ومن المذهل أن يكون علينا توعية هؤلاء أيضاً بحقيقة الحالة الإخوانية، وليس فقط توعية عموم الجماهير المصرية، التي استعادت وعيها بسرعة مذهلة، وقامت في 30 يونيو 2013 بثورة هي الأعظم في التاريخ المصري، فيما أحبابنا أهل الفكر والبحث العلمي، مازالوا غارقين فيما هم فيه، والذي لا نستطيع أو لا نحب توصيفه تحديداً، ربما خشية أن نقع في أي من فخ التجهيل أو التخوين.

ومن المؤسف هكذا أن نضطر لمخاطبة هؤلاء. بذات التبسيط الذي لا يصح استخدامه سوى مع ربات البيوت ورجل الشارع ورواد المقاهي. فربما هذا الأسلوب هو الأمل الأخير الذي يتبقى لنا، لعل بعض هؤلاء يفقهون.
إذا كنا سنقر بأن الإخوان والسلفيين والجهاديين هم فصيل وطني يجب احتوائه، يتحتم علينا قبل إعادة فتح صدرونا له، أن ننتبه للصورة التي يرانا هو بها، والتي قد يمد لنا يده بموجبها. فهم بالقطع وفقاً لأيديولوجيتهم التي أنفقوا العمر أو أهدروه، وأسالوا الدماء بحوراً دفاعاً عنها، لا يروننا فصيلاً وطنياً كما قد نراهم نحن، فهم أولاً لا يرون الناس فصائل شتى، بل فصيل واحد هو فصيل المؤمنين الذين هم جماعات القتل والكراهية التي ينتمون إليها، في مواجهة الذين كفروا، وهم سائر خلق الله الآخرين. وثانياً هم لا يعترفون بوطن ولا مواطنين. ولا يعنيهم احتواء أحد. اللهم إلا إذا كان من قبيل تخدير الذبيحة قبل نحرها، مثلما تم مع فصائل الثورة بعد 25 يناير، أو بالأصح مع من ادعوا تمثيلهم للثورة، وذهبوا إلى فندق فيرمونت، لعقد معاهدة و"تحالف مع الشيطان"، لمواجهة الفريق/ أحمد شفيق، الذي اعتبر عندها ممثلاً لفلول نظام مبارك!!

أما من يتخذون سمة بعض التشدد، فيسطحون الأمر في مجرد مطالبة الإخوان بالاعتذار، عما ارتكبوه في حق الوطن والناس خلال عام تمكنهم، فعليهم إدراك أن الاعتذار لا يسمن ولا يغني من جوع في حالة الإخوان، هذا في حال إمكانية إقدامهم بالفعل على الاعتذار، فهم ليسوا مثلاً كالفاسدين من رجال مبارك، ممن ارتكبوا جرائم سياسية غير جنائية ندينها جميعاً، ويقرون هم معنا أنها مدانة، وقد ارتكبوها من قبيل "الشيطان شاطر" كما تعودنا أن نقول، وهنا يكون اعتذارهم منطقياً، مع ضرورة وضعهم تحت الرقابة الدائمة، التي تضمن عدم عودتهم لذات الممارسات التي سبق واعتذروا عنها. . الأمر في حالة الإخوان يختلف تماماً، فمحاولتهم التمكين والأخونة، وتجاوز الوطن إلى خلافة إسلامية، وأستاذية يحلمون بها للعالم، واستعداهم الدائم لاستخدام العنف والتلويح به وممارسته بالفعل، ولو عبر جماعات نبتت في رحمهم، وبقيت وثيقة الصلهم، لتكون لهم الجناح العسكري. هذه كلها في صميم فكرهم. وموثقة في مرجعياتهم الرسمية، وليست مجرد اتهامات جزافية ينسبها إليهم خصومهم، ومن ثم فهذه ليست في نظرهم خطايا ارتكبوها لأن "الشيطان شاطر"، وبالتالي فإن الصلح مع الإخوان بصفتهم الإخوانية غير وارد، والوارد فقط هو المصالحة مع الأشخاص لذواتهم، متى هجروا أيديولوجية الإخوان الفاشية صراحة، وصاروا مواطنين مصريين أسوياء. فلا صلح يجوز مع أيديولوجيات التخلف والهيمنة والإرهاب. لكن بالتأكيد حضن الوطن مفتوح لمن يرجع عن هوسه وغيه وتربصه بالوطن والمواطنين.

من الطريف أن نسمع الآن عن شباب الإخوان، الذين شكلوا جماعة تحمل شعار "إخوان بلا عنف". ولا ندري إن كان هؤلاء سيتخلون هكذا عن تراث حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي وابن تيمية. أم أنهم سيرفعون لنا فقط شعار "اللاعنف"، مع بقاء ذات المرجعيات تدرس وتلقن لكوادر الجماعة. التي دأبت أيضاً طوال السنوات الماضية على ادعاء التخللي عن العنف. بل وإنكار التاريخ الدموي للجهاز السري. ولا ندري حقيقة إن تم التخللي عن هذا التراث والمرجعيات الإخوانية، فماذا سيتبقى من الإخوان لكي يظلوا "إخوان مسلمين". . منذ عدة سنوات كنت قد قلت لصديق شبابي القيادي الإخواني: لماذا لا تبدلوا السيفين وكلمة "وأعدوا" على شعاركم، فتضعوا بدلاً منها كفين يتصافحان وكلمة "واعتصموا"؟. . ولم يرد علي حينها إلا بابتسامة ربما تصورها ستكون غامضة بالنسبة لي!!

نعتقد أن الحديث عن المصالحة في الأغلب لا يصدر عن مشاعر إنسانية مرهفة، ولا عن حرص على وحدة الوطن، وإنما هي الحسابات والصفقات السياسية الخسيسة وقصيرة النظر، والتي يظن مرتكبها أنه قد تفوق على نفسه في الدهاء والتلاعب بكل الكرات. . فعل مثل هذا السادات ومبارك، وفعله بعد 25 يناير من نسميهم عاصرو الليمون، وفعله معهم مجلس طنطاوي العسكري، وكانت النتيجة ما عايشناه من مأساة استمرت لعام، وكان يمكن لولا عظمة الشعب المصري وقيادة جيشه الوطني أن تمتد لعقود وربما لقرون.

أكثر من ست سنوات الآن ونحن نتحدث عن مصالحة فلسطينية بين الرئاسة ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبين منظمة حماس الإرهابية الإخوانية. جولات مكوكية في أكثر من عاصمة عربية. وأحاديث عن اتفاقيات مصالحة تم التوافق عليها أو توقيعها بالفعل. لكن كل هذا يذهب دائماً أدراج الريح. لسبب بسيط هو أن غربان التخلف السوداء لا يمكن أن تبدل سلوكها إلى سلوك الحمائم. . هم هكذا ولا يستطيعوا إلا أن يتصرفوا بالطريقة التي تتناسب مع أيديولوجيتهم. ومع ما درجوا عليه من سلوكيات وسيكولوجيات إجرامية دموية. تحاول الولايات المتحدة أيضاً تسول صلح وتوافق مع طالبان، ولم تنجح ولن تنجح في هذا، إلا إذا سلمت لهم أفغانستان معلنة هزيمتها. كما سبق وأن فعلت في فيتنام.

الإخوان ومشتقاتهم لا يعرفون مصالحة. فهم أهل خصام وعداء مع من يعتبرونهم كفاراً وأعداء لله. وبالتالي لن ينظروا إلى أي يد ممدودة لهم نظرة تقدير. وإنما لابد وأن يعتبروها ضعفاً أو حتى هزيمة في مواجهتهم. قد يخضعون صاغرين لما يملى عليهم نعم، لكن هذا لن يحدث بدعوات سياسية أو إنسانية من خصومهم أو أعدائهم. وإنما سيتحقق في حالة واحدة، هي إقرارهم بالهزيمة الكاملة الساحقة. ولن يكون انصياعهم هنا من قبيل التوافق الحقيقي مع سائر مكونات المجتمع. وإنما سيكون إيذاناً بدخولهم مرحلة الكمون، أو ما يسمونه الاستضعاف، لتبدأ من حينها مرحلة التربص. انتظاراً ليوم مثل 28 يناير 2011، يستطيعون فيه الخروج من مكامنهم، للانقضاض على الدولة والوطن.

بالقطع الحديث عن وجوب استئصال الإخوان وأذيالهم، يتركز على المشاركة السياسية والحياة العامة وحدها، ولا يمكن أن يعني حرمان المنتسبين لهذا الفكر من حياتهم العادية كأشخاص طبيعيين في المجتمع، ماداموا لم ينتظموا في تشكيلات سرية تهدد أمن وسلامة المجتمع والوطن. . الأمر إذن ليس استئصالاً بالمعني الحرفي، ولكنه "تجميد" لنشاط هؤلاء في العمل العام، طالما ظلوا متمسكين بتلك الأيديولوجيا المدمرة.

أتمنى أن يصدق حدسي، ويكون كل ما يثار في الساحة المصرية، عن محاولات صلح أو توافق مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية المحظورة، هو من قبيل ذر الرماد في العيون، أو استهلاك الوقت، ريثما يتم رجال مصر المخلصون الممسكون بمقاليد الأمور مهمة السيطرة على البلاد، وتقليم أظافر الإرهاب أو اقتلاعها من أساسها. . قد يكون هؤلاء الرجال الذين أتخيلهم بحاجة لبعض الوقت، ينجزون فيه مهامهم المقدسة لاستعادة الوطن وتطهيره. فترة يمضونها تحت ضغوط إدارات الدول الغربية، التي كانت قد وضعت رهانها على استقرار المنطقة، في التحالف مع ذات التنظيمات التي تسبب الصداع أو ما هو أكثر منه لها وللعالم أجمع.
kghobrial@yahoo.com

إيلاف


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع