خاص الأقباط متحدون
نشرت شبكة " سى إن إن " مقالاً للكاتب الأمريكى ديفيد فروم، الكاتب لدى موقع "ديلي بيست" الإخباري ومؤلف سلسلة من الكتب السياسية والروائية، وقد عمل مساعدا خاصا للرئيس السابق، جورج بوش، خلال 2001 و2002 .
و جاء فى المقال : في مثل هذا الأسبوع قبل أربعة عقود تعرضت إسرائيل لهجوم عسكري عنيف شنته قوات مصرية وسورية، ووجهت تلك القوات ضربتها في يوم "عيد الغفران"، أحد أقدس المناسبات الدينية اليهودية، ونجحت القوات المصرية في تحقيق انتصارات تكتيكية لثلاثة أيام متواصلة، كما حققت القوات السورية خلال تلك الفترة بعض النجاحات.
ولكن الحرب انتهت بغير الطريقة التي بدأت بها، إذ وضعت أوزارها مع محاولة القوات الإسرائيلية الزحف نحو دمشق نفسها، بينما وحدات إسرائيلية أخرى تطوق جيشا مصريا كاملا في سيناء.
ورغم أن إسرائيل حققت نصرا عسكريا في الحرب، إلا أن الكثير من المراقبين رأوا أنها كانت أقرب إلى الهزيمة، خاصة وأن الحروب السابقة انتهت بانتصارات كبيرة للدولة اليهودية على جيرانها. واستمرت تلك الحرب عام 1973 لمدة 19 يوما انتهت بمقتل 2500 جندي إسرائيلي وأسر المئات في أول أيام القتال.
كما كان من نتائج تلك الحرب نجاح خصوم إسرائيل في قلب موازين القوى سياسيا واقتصاديا، إذ قام الأعضاء العرب في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بفرض حظر نفطي على دولتين حلفتين لإسرائيل هما أمريكا وهولندا، وتسبب ذلك في ارتفاع كبير بأسعار المواد الأولية والبضائع عامة، وبحصول ركود حاد استمر لعامين.
لقد خلص العديد من المحللين عام 1973 إلى نتيجة سياسية واحدة، وهي أن التفوق العسكري الإسرائيلي قد انتهى وعلى العالم التكيّف مع القوة الجديدة لجيران إسرائيل عسكريا واقتصاديا. ولكن تلك التحليلات كانت بعيدة للغاية عن الحقيقة.
فرغم أن حرب عام 1973 شهدت أول انتصار عسكري لجيران إسرائيل، إلا أنه كان الانتصار الأخير كذلك، ففي عام 1982 تواجه الجيشان، الإسرائيلي والسوري، في معارك جوية فوق لبنان، خسرت خلالها سوريا 82 طائرة مقاتلة، أو ما يعادل ربع سلاحها الجوي، دون أن تخسر إسرائيل طائرة واحدة.
كما عانت إسرائيل طوال العقود الماضية من هجمات أو تهديدات من جيرانها، سواء في سوريا أو العراق أو إيران، إلا أن أحدا لم يجرؤ منذ عام 1973 على محاولة شن حرب نظامية ضدها من جديد.
ورغم ضخامة حرب عام 1973، إلا أن تبعات ما تلاها من حرب مزقت الدول المجاورة لإسرائيل كانت أقسى وأشد، إذ اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، ومن ثم الحرب بين العراق وإيران خلال ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم الحرب الأهلية الجزائرية وبعدها اجتياح الكويت وحرب الخليج، والآن الحرب الأهلية في سوريا وأحداث مصر.
في عام 1973 بدت إسرائيل المحور الأساسي لكل أحداث المنطقة، فالصراعات كانت كلها تدور بينها وبين جيرانها أو بينها وبين الفلسطينيين، وقدمت الأمور على أساس أن هذه الصراعات هي المفتاح الذي سيحدد مستقبل المنطقة وأسعار النفط في العالم.
ولكن هذه المقاربة أثبتت خطأها، فقد حل السلام على الحدود الإسرائيلية، ووقعت مصر والأردن اتفاقيات سلام معها بينها تخلى السوريون عن المواجهة العسكرية معها، أما المشكلة الفلسطينية فتعمقت أكثر مع الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة والصراع بينهما وعجز كل جانب عن قبول أي عرض للسلام.
يمكن للفلسطينيين أن يوقعوا على اتفاقية للسلام غدا، كما يمكن للسعودية وإيران مواصلة حربهما التي تجري بالوكالة في سوريا، وقد تنشأ خطوط مواصلات مباشرة بين تل أبيب وعمّان كما سيستمر النمو السكاني المصري الذي يفوق وتيرة النمو الاقتصادي، غير أن هذا كله لن يؤثر في المشاكل الكبرى التي تعانيها المنطقة.
فمع تزايد قوة وثراء إسرائيل منذ عام 1973، يبدو أن أهميتها بالنسبة لأزمات المنطقة تتراجع، والسلام في الشرق الأوسط يبدو بعيد المنال ليس بسبب العدائية الموجودة بين إسرائيل وجيرانها بل بسبب الأحقاد الداخلية الموجودة لدى الدول المجاورة.
في أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 تساءل البعض ما إذا كان دولة إسرائيل الصغيرة والفقيرة تقترب من الزوال، ولكن بعد أربعين سنة من تلك الحرب تبدو إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تثق باستمراريتها.