الأقباط متحدون - الفتنة أكبر من القتل
أخر تحديث ٠٠:١٤ | الأحد ١٣ اكتوبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ٣ | العدد ٣٢٨٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

الفتنة أكبر من القتل


بقلم: د.عبد الخالق حسين
يبدو أن العراق لم تكفه ما يواجهه من أزمات، وشرور وفتن طائفية وعنصرية والقتل الجماعي المستمر يومياً، لذلك يعمل البعض من أبنائه "الغيارى جداً" على تفعيل وتفجير ما تبقى من الألغام التاريخية المدفونة، وصنع المزيد منها؟ 
وفق جميع المقاييس يواجه العراق اليوم حرب الإبادة الجماعية، إبادة الجنس وعلى أيدي أبنائه الذين رضوا أن يبيعوا أنفسهم للشيطان ويكونوا مطايا للأجنبي لتنفيذ مخططات تآمرية كارثية لا تقل خطورة عما فعلوه في مؤامرة 8 شباط 1963، تحيكها نفس الجهات من قوى شريرة وراء الحدود. 
 
علمونا منذ الدراسة الابتدائية أن الشعب العراقي هو الذي اخترع العجلة، والحروف الأبجدية، وعلَّم البشرية الكتابة، وسنَّ أول قانون في التاريخ...وأنه يقرأ الممحي، وما بين السطور ...الخ. وسؤالنا هنا لماذا ينخدع أبناء هكذا شعب ليكونوا مطايا لمن يريد بشعبهم الشر والهلاك؟ صحيح أن هؤلاء الأشرار أقلية، ولكن تأثيرهم التدميري كبير على أبناء الشعب، خاصة وأن وراءهم إعلام مضلل واسع، ويمتلكون قدرات تكنولوجية تدميرية كبيرة.
 
ليس عي العالم أي شعب متجانس عرقياً ودينياً ومذهبياً ولغوياً، ولو كانت التعددية مبرراً للاقتتال بين أبناء الشعب الواحد لأبيدت البشرية عن آخرها، ولكن الذي نلمسه لدى الشعوب المتحضرة هو العكس، فشعارهم (الوحدة في التعددية unity in diversity). فالتعددية سبب للوحدة والتماسك، والتحضر والتلاقح الفكري والحضاري، وإنتاج المزيد من الطاقات العقلية الخلاقة. ولذلك نلاحظ الشعب الأمريكي الذي هو شعب المهاجرين من كل القارات تفوَّق في جميع المجالات وأصبح صاحب أعظم دولة.
 
نقول إنها مؤامرات أجنبية، وهي لا شك كذلك، ولكن من الذي ينفذ مؤامرات الأجانب؟ أليسوا هم أبناء الوطن؟ فمن هم الذين يصبون يومياً المزيد من الزيت على نيران الفتن المشتعلة، أليسوا هم من أبناء هذا الوطن متسترين بالوطنية واليسارية، بل وحتى التقدمية، وبكاؤهم على "الديمقراطية الحقيقية" وحقوق الإنسان من أمثال جاسم الحلفي ورفيقته هناء إدوارد (محامية فراس الجبوري سفاح الدجيل)، الذين يزورون ساحات الاعتصامات الطائفية التي تقودها فلول البعث والقاعدة ويدافعون عنها بشهادات تزكية؟ أليس أحمد العلواني وسعيد اللافي وطارق الهاشمي ورافع العيساوي وهارون محمد، وكذلك عدنان حسين وغيره من شلة فخري كريم هم من أبناء هذا الوطن، فبدلاً من أن يسعوا لإطفاء الحرائق نراهم يساهمون مع أعداء العراق لوأد الديمقراطية وباسم الديمقراطية والوطنية؟
 
لو كان جاسم الحلفي كاتباً عادياً لهان علينا الأمر، ولكن المصيبة أنه عضو مكتب سياسي للحزب الشيوعي العراقي، الحزب الذي أدعى يوماً أنه حزب أوسع الجماهير، وعلم العراقيين معنى الوطنية!. إن شخصاً كهذا يقف في ساحة الاعتصامات إلى جانب أحمد العلواني وسعيد اللافي والبدراني، وأمثالهم من مشعلي الفتن الطائفية ويمنحهم الشرعية، أقول، إذا استطاع هكذا شخص أن يتبوأ موقع قيادي في الحزب فلا غرابة أن نرى شعبية هذا الحزب تراجعت وتدهورت إلى الحضيض.
 
أجل، يواجه العراق اليوم حرباً طائفية ضارية بتمويل دول معادية مثل السعودية وقطر وتركيا وغيرها، تدعمهم مشايخ الوهابية بالتحريض وإصدار الفتاواى لحقن الشباب وحثهم على الذهاب إلى العراق وتفجير أنفسهم لقتل الشيعة "الصفوية الروافضة المشركين" الذين يقتلون أهل السنة، كما يدعون. أرجو من القراء الكرام فتح الرابط أدناه قبل مواصلة القراءة ليتأكدوا إلى أي حضيض يقود هؤلاء الأئمة الضالين شعوبهم. (مدة الفيدو 5 دقائق)
https://www.facebook.com/photo.php?v=102019723321
69527&set=vb.1221882258&type=2&theater
 
لاحظتم كيف مثّل الواعظ دوره خير تمثيل، حيث ألقي خطابه متظاهراً بالبكاء من شدة التأثر على ما يجري من قتل أهل السنة على أيدي الشيعة الروافض في العراق، فيصرخ بالدعاء: "اللهم اهلك الشيعة واليهود!!" وقد نجح أيما نجاح في إبكاء الحاضرين في المسجد من المؤمنين، وربما كان بينهم من يمثل أيضاً من أجل نشر عدوى البكاء في صفوف البسطاء لإبكائهم وإثارتهم. فهل حقاً يؤمن هذا الشيخ بما يقول؟ وهل حقاً لا يعرف أبناء أية طائفة يتعرضون يومياً للقتل الجماعي في العراق؟ ولماذا تم تصوير الخطبة في فيديو ونشره على أوسع نطاق؟ أليس الغرض منه هو تمزيق المسلمين بتحريضهم على قتل بعضهم بعضاً وباسم الإسلام؟ هل أمريكا وإسرائيل قالت لهذا "الإمام" الدجال أن يحرض على تمزيق المسلمين وتكفير من يختلف عنه في المذهب؟ فمن الحضور الواسع في المسجد،والعلنية والصراحة في إلقاء خطبة الفتنة نعرف أنه ما كان بإمكان هذا الإمام إلقاء موعظته التحريضية المسمومة ما لم يكن يحظى بموافقة ومباركة السلطة. 
 
ولا شك أن الذين يقومون بحرب إبادة الشيعة في العراق وباكستان يحتاجون إلى مبرر ديني ليثبتوا به للبسطاء من أهل السنة أن الشيعة فعلاً كفرة، منحرفون، يشتمون الصحابة وزوجات الرسول، لذلك فقتلهم فرض عين على كل مسلم متمكن. ولهذا الغرض بالذات وكما تناقلت عدة مواقع التواصل الاجتماعي، تم نشر "مقطع فيديو يظهر فيه مجموعة من الشباب في إحدى مناطق بغداد يقودهم شخص يدعى ثائر الدراجي، وهم يحملون لافتات ويرددون هتافات بمكبرات الصوت عند مرورهم بالأعظمية ضد صحابة الرسول محمد (ص) وزوجته عائشة". *
 
بالتأكيد، إن الذين قاموا بهذا العمل الشنيع ليسوا جهلة ولا سذج كما أدعى البعض، بل هم خبثاء مرتزقة متآمرون جندوا أنفسهم لتمزيق شعبهم، ليمدوا دعاة الحروب الطائفية بالذريعة لتبرير جرائمهم ضد الشيعة مقابل المال الحرام.
 
وحسناً فعلت القيادات الشيعية (الدينية والسياسية والشعبية)، في إدانة هذه الفتنة وتجريمها واحتوائها بسرعة، إذ أفادت الأنباء أن المرجع الديني الشيعي الكبير آية الله السيستاني "استنكر ما قامت به مجموعة من الأشخاص بسب الصحابة، معتبرا ان ذلك يخالف ما أمر به اهل البيت لشيعتهم". (نفس المصدر) 
وجاء في نفس التقرير: ((ندد رئيس الوزراء نوري المالكي، الأربعاء (9 تشرين الأول 2013)، بتجاوز "بعض المشبوهين" على الصحابة وتعدي على رموز دينية كبيرة، واصفا إياه بـ"العمل المشين" لتنفيذ مخطط يدعو الى الفتنة، فيما أكد صدور أوامر بإلقاء القبض ضد "ثائر الدراجي" لتقديمه للعدالة.)) وأضاف التقرير: ((كما قدم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في ( 8 تشرين الأول 2013)، اعتذاره للمسلمين من "أهل السنة" عن ما قام به بعض من وصفهم "بالسذج أصحاب العقول الناقصة" ومن "ارتفع عوائهم في منطقة الأعظمية بأمور استفزازية"، ولفت إلى أنهم يفعلون ما أمرهم به "أسيادهم"، لتأجيج "الكراهية"، وتثبيت "الملك"، وأكد "شجبه وتبرؤه منهم".)) (نفس المصدر) 
 
كذلك دعا رئيس كتلة دولة القانون النيابية الشيخ خالد العطية مجلس النواب الى تشريع قانون خاص يشدد العقوبة على من يتطاول على الرموز الدينية لجميع الطوائف والأديان.
 
لم أتذكر أن قامت أية مجموعة شيعية أو رجل دين شيعي، بتحريض ضد أهل السنة أو سب الصحابة إلا في حالات نادرة كما حصل قبل سنوات من قبل رجل دين شيعي مشبوه في الكويت، وتم طرده وإدانته من قبل الجميع. بينما أصبح التحريض ضد الشيعة من قبل بعض المشايخ السنية وبالأخص الوهابية فرض ديني وغذاءهم اليومي المفضل دون أن يقابل بأية إدانة أو حتى النصيحة. فقبل عامين وفي مقابلة تلفزيونية مع البي بي سي، أباح إمام مكة قتل الشيعة وأسر نسائهم وأطفالهم وبيعهم في سوق النخاسة كما كانوا يفعلون في صدر الإسلام إثناء الفتوحات مع غير المسلمين، وغيرها كثير من حملات التحريض ضد الشيعة دون أن يحرك أي زعيم سني ساكناً، ولكن ما أن يصدر تصرف سخيف من نفر ضال أدعوا أنهم شيعة في ترديد هتافات مشينة ضد رموز دينية سنية حتى وانطلقت موجة الإدانات من كل حدب وصوب، وكأنهم كانوا على موعد مع الحدث، مثل اللعبة السخيفة التي قامت بها جماعة مشبوهة أخرى في الزبير ضد أفراد من عشيرة السعدون وتمت إدانتها واحتواءها بسرعة.
 
واستغلت قادة الاعتصامات في المحافظات الغربية هذه السلوك المشين من زمرة المدعو ثائر الدراجي،  فاستغلوه أشد اسغلال، إذ أفادت الأنباء عن (إضراب عام في محافظات العراق الغربية تنديدا بالإساءة إلى الصحابة). 
أكاد أجزم أن ردود الأفعال هذه كان مخططاً لها مسبقاً، إذ كما جاء في مقال السيد فراس الخفاجي عن "مقطع الشاعر الفلوجي وهو يخاطب الجمهور في تمجيد البعث المخلوع وصدام المقبور عندما يقول له "اضل لحد القبر احب صدام ولحد المنية"، وهذا يدل على ان الجهة التي تمول امثال هؤلاء واحدة". 
 
فالمطلوب من القيادات الدينية والسياسية من السنة والشيعة إدانة مثيري الفتن من أي مذهب كانوا. ولكن الذي يحصل أن القادة السنة (إذا ما استثنيا منهم فضيلة الشيخ خالد الملاّ)، يدينون فقط إذا كان الجاني شيعياً ضد أهل السنة، أما إذا كان مثير الفتنة سنياً ضد الشيعة فيقابلونه بالصمت المطبق وربما يبررونه. نتمنى على السيد أسامة النجيفي والقياديين الدينيين من السنة الذين سارعوا في إدانة فتنة (ثائر الدراجي)، ودعوا إلى إضرابات عامة، أن يدينوا الفتن الأخرى أيضاً ومن جميع مصادرها. وأن يواصل النجيفي في حث"المواطنين كافة ابداء روح التسامح والتهدئة ونبذ التفرقة وعدم انجرارهم وراء الفتنة الطائفية".
 
ليعلم العراقيون من جميع مكوناتهم، أن هذه الأعمال التآمرية هي مخططات ترسمها أيادي أجنبية شريرة من وراء الحدود، سواء باسم أهل السنة أو الشيعة، الغرض منها تدمير العراق وعلى أيدي العراقيين أنفسهم. لذلك نهيب بالعراقيين الشرفاء أن ينتبهوا إلى هذه اللعبة القذرة وما يحاك ضدهم، وعلى المسؤولين عن أمن الشعب القبض على هؤلاء المجرمين، سنة وشيعة، ومن أي مستنقع جاؤا، وإجراء التحقيق معهم وفضحهم أمام الشعب والعالم، وإنزال أشد العقوبات بحقهم بما فيه عقوبة الإعدام ليكونوا عبرةً لمن اعتبر، لأن في الإسلام وكما جاء في القرآن: "الفتنة أشد من القتل"، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع