بقلم: علي سالم | الأحد ١٣ اكتوبر ٢٠١٣ -
٥٨:
٠٩ ص +02:00 EET
الكاتب علي سالم
منذ أيام قرأنا عن أسد قضم رأس مدربه، المدرب وقع في حجرته بغير قصد، ماذا يفعل الأسد؟ هل يسأله: أفندم.. حضرتك عاوز حاجة؟! أنا أطلب منك أن تتصور نفسك أسدا جالسا في مكتبك، وفجأة يقفز عليك إنسان، على الفور ستنقض عليه، هذا هو قانونك الذي تربيت عليه.
وفي ستينات القرن الماضي، ضرب أسد في السيرك القومي مدربه، وهو أشهر مدرب للأسود عرفته مصر. إنه «النص الحلو»، ومات المدرب بعد ساعات، وامتنع الأسد عن تناول الطعام حزنا، ثم لحق بمدربه بعد أيام، كتب يوسف إدريس قصة جميلة تتناول هذه الحكاية. إنها قضية القوة والهيبة.
ذكّرني الخبر المنشور بمشهد قديم في طنطا، عندما كنت مسؤولا عن فرقة الأطفال في مسرح القاهرة للعرائس في 1963، ومطلوب مني أن أقدم عروضا للأطفال في طول البلاد وعرضها. في تلك الأمسية، لم يكن هناك ما نفعله أنا وزملائي. عرفنا أن هناك سيركا هنديا يقدم عروضه في البلدة، فقررنا أن نشاهده. السيرك فقير للغاية، هذا واضح من الملابس التي يرتديها العاملون به على الرغم من مهاراتهم الواضحة، وجاءت فقرة الأسود، حتى الأسود كانت أحوالها تشبه أحوال اللاعبين، أرجو أن لا يحدث خطأ ما يغضب هذه الأسود من المتفرجين، هي ضعيفة وتعسة وتتحرك في تكاسل، غير أنها في نهاية الأمر تظل أسودا عاجزة عن التمييز بين لحمة الجمعية ولحوم البشر.
أما المدرب، فيستحق وقفة؛ مدرب الأسود في كل سيركات العالم يرتدي ثيابا مزركشة أنيقة، ويمسك بكرباج كفيل بإخافة كل حيوانات الغابة، أما ذلك المدرب فكان نحيلا هزيلا يرتدي بنطلون شركسكين أزرق وجاكت شركسكين أيضا لم يعرفا المغسلة أو المكوجي منذ وقت طويل، لم يكن يرتدي حذاء، بل مجرد شبشب زنوبة، ماذا سيفعل هذا الرجل إذا قرر أسد مهاجمته؟ بالتأكيد سيتعثر في هذا الشبشب ويسقط على الأرض، فيلتهمه الأسد. لم يكن ممسكا بالكرباج المشهور. كان ممسكا فقط بعصا طويلة يشير بها إلى الأسود فتنفذ طلباته في تكاسل وعلى مضض، غير أنها كانت تنفذها على أي حال، وانتهى المشهد بأن صعدت الأسود إلى منصات خشبية صغيرة، ووقفت عليها. في تلك اللحظة حدث أمر غريب؛ أحد الأسود حرك رأسه وهو يصدر زئيرا ضعيفا، في تلك اللحظة، فوجئت بالمدرب يهوي على فكه بالعصا، بسرعة لا يتخيلها أحد، فانكمش الأسد في مكانه، وواصل أداء «نمرته».
ما زال هذا المشهد يحتل مكانا في تفكيري. إنها قضية الحركة المناسبة في الوقت المناسب، وأيضا هي قضية إدراك المعنى المتغير الذي ينذر بالخطر. حركة الأسد التي تلقى العقاب بشأنها، من وجهة نظري أنا، لم تكن خطرة، هذه وجهة نظري أنا الشخصية البشرية، لأنني لم أكن أسدا يوما ما ولا عاشرت أسودا من قبل، لكي أتعرف على طبائعها؛ حركة وجهه والطريقة التي حرك بها فكّيه وهو يزأر لا توحي بأي خطر قادم.
أما المدرب صاحب الخبرة الطويلة، فهو يعرف جيدا أن الخطر قادم بعد هذه اللحظة بالضبط، وأن عليه أن يثبت للأسد بشكل واضح أنه لن يسمح له بالانفلات، وهنا كانت ضربته في مكانها وزمانها، ليس قبل ذلك وليس بعد ذلك، فانضبط الأسد.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع