الأقباط متحدون - الشهيد والعذاب .. والجريمة والعقاب
أخر تحديث ٠٣:٢٧ | الاربعاء ١٦ اكتوبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ٦ | العدد ٣٢٨٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

الشهيد والعذاب .. والجريمة والعقاب


بقلم : سمير حبشـى

أقول بصوت مسموع وليس همسا ، أنه جاء الوقت الذى يجب أن نعيد فيه صدى الأحداث حتى لا يفرض عقلنا الباطن على ماضينا المؤلم صدأ يجعل مهمتنا صعبة حتى لا نتذكر ،  وتمر علينا الأيام قرنا بعد قرن ، ومن حاكم بعد حاكم منذ دخول العرب الغزاة مصر ، ونحن فى  دهاليز الظلم الذى بلا نهاية ، وليل طويل يعيشه أقباط مصر ،  و لا شاطئ  لنا سوى نزيف الدم والألم المستمر . ودائما كانت تخدعنا سلامة طويتنا  ، فنصبر لأننا نعلم أن الله قال لنا : " فى العالم سيكون لكم ضيق " ، ولكن يوما بعد يوم، تدفعنا أحداث الظلم القاسى المتكرر إلى يقظة  أكثر من ذى قبل  ، فننهض من النوم  فى أحضان الكنيسة التى دائما كالأم الحنون تغطى جراحاتنا بالقدسيات .. نهرول يقظين ونتخبط فى جدرانها الأربعة  ، ونحن نتلقى على أكتافنا سياط الظلم الغادر .. حتى أصبح الظلم و الأقباط أقارب ، العرق والدماء و حزن الأمهات على فلذات أكبادهن  جزء ثابت من حياة أقباط مصر  ، يدفعون الحزن بكفين مغلولتين بظلم الحاكم ، ولا يملكون غير " ربنا موجود " لهدم جدران الظلم  ، يصاهرون  نار الأيام مع ظلم الحكام ..

ولما ضاقت حلقات الظلم عليهم ، وأستحكمت حلقاته أصبحت المساحة بين الجدران الأربعة لا تكفى  ليسمع العالم آهات الشكوى ، وصرخات الألم ، فخرج الأقباط وعرفوا الطريق إلى الميادين ، وأصبحوا هم أول شرارة فى شعلة ثورة تحرير مصر من كل طاغ وباغ  .. وأمام ماسبيرو خرج الأقباط وفى يدهم يحملون علم مصر كأبناء مصر الشرعيين .. وأقوى الأسلحه  - صليب من الخشب  - ..

ولأن المسيحية هي حياة المحبة الباذلة ، والصليب هو علامة المسيحية ، وفي شخص السيد المسيح إلتقي الحب بالألم ، لذا ففى حياة المسيحى قد تغيَر مفهوم الألم ، واصبح شركة حب مع يسوع المتألم ، وأرتفع إلي مستوي الهبة الروحية ، والموت أصبح كأسا لذيذا يرتشفها المؤمن سعيدا راضيا ، بل يسعى إليها عن حب ويتعجلها ولسان حاله يقول : الموت لى ربح ، وليس في هذا عجب ،  فقد تحول الموت من شئ مرعب إلي جسر ذهبي ، ومعبر يعبر بالمسيحى  من حياة قصيرة وغربة مؤقتة ، إلي سعادة أبدية دائمة .. فشهيدنا يا إخوتى يموت فداءا عن الآخرين ..

وفى موته حياة للآخرين .. وليس كجنود الشيطان الذين يفجرون أنفسهم ليقتلوا الآخرين .. والشهيد فى المسيحية يجعله العذاب الذى يتلقاه من اليد الظالمة الآثمة كطفل راقد فى مهده تناغيه السماء ، وتحنو عليه وهى مبتسمة العينين معطرة الأنفاس .. أما الآخرون فعذابهم هلاك ، لأن شرهم الأصيل غلب على خيرهم الزائف .. والمقارنة بين الإثنين مفقودة تماما لاختلاف الأرضية التى يقف عليها كل منهما .. ولكن فى الحقيقة التى يجب أن يعييها كل البشر ، هى عندما يقف الحق كضوء حزين خلف قضبان من ظلال الظلم ، وينحنى العدل مهزوما منهك الأنفاس فى ليل الضلال ، ويكون شعار الأفاقين " أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما " هو مرآة الأيام .. هناك لابد أن يكون جريمة ..  نعم هناك بكل المقاييس جريمة شنعاء ، - مذبحة ماسبيرو 

- الجريمة التي وقعت احداثها يوم 9 اكتوبر 2011 من أكثر الجرائم دموية ، التي استهدفت أقباطا مسالمين عزل خرجوا للتظاهرالسلمي احتجاجاً على ما يحدث من حرق ونهب وهدم للكنائس والممتلكات القبطية .. ليس معهم غير الصليب سلاحا ، المذبحة التي راح ضحيتها 28 شهيدا مسيحيا ، وأكثر من مائة مصاب ، هى جريمة كارثية وتعد الأكثر دموية ووحشية في العصر الحديث ، ووشم عار على  جبين الإنسانية على  مر الأيام  ، وقد حدث هذا فى عهد إدارة المجلس العسكري لشئون البلاد ..

وكما هو متبع حيال معالجة الجرائم ، نجد أن أهم عمل هو تشخيص الظاهرة الاجرامية من قبل المختصين ورجال الشرطة ، وملاحقة مرتكبيها ، وإلقاء القبض عليهم لينالوا جزاءهم العادل على يد القضاء على ما ارتكبوه من جرائم بحق أبناء مجتمعهم أ أو الأسرة الدولية عموماً. وقد نظَمت الأديان السماوية وغير السماوية قواعد الثواب والعقاب بالنسبة لأعمال القائمين على حكم البلاد .. وللأسف لأن الضحايا كفرة ، وغير مؤمنين ، والشريعة السمحاء تقول بكل وضوح " لا يقتل مؤمن بكافر " .. أغتيلت فاعليات منظمات حقوق الإنسان ولم تكن كافية لكسر حاجز الصمت ، وأصبح العالم بحاجة إلى مشهد صارخ ليسمع الرسالة بعد أن فشلت كل الرسائل العقلانية والأخلاقية  .. فالجريمة هي الجريمة ، والقتل هو القتل ، والتعذيب هو التعذيب وكل نفس عند الخالق مكَرمة ، وإن كانت حقوق الإنسان في القرن العشرين قد أسست كل المبادئ ، ووضعت نصب أعينها التعريف الحقيقى للجريمة ، أي ركزت إهتمامها في المسؤولية الحقوقية والأخلاقية والسياسية ، فإنها في القرن الواحد والعشرين واجهت ما هو أبعد من ذلك ، فقد أصبحت أمام تحد تجاوز هذا السقف ، وهو تحديد المسؤوليات الجنائية والمحاسبة ، وكيف يمكن تصنيف هذه الجرائم ، ومن هي الجهات المؤهلة لذلك ؟ هل يمكن توسيع نطاق المحاسبة حتى تطول من إقترفوا هذه الجريمة مهما علت قامتهم وتضخمت مراكزهم ، أم تأخذ الخسة طريقها إلى قلوب المسؤولين، فيتحول الجانى إلى زعيم ،

والقاتل إلى بطل ، كما شاهدنا أن أعلى الأوسمة والأنواط قد علقت على صدر كل من الفريق طنطاوى وزميله فى الجريمة سامى عنان ، ومن معهما من الزمرة التى كانت تحكم مصر فى هذه الأيام الحزينة ؟؟ !! .

وهنا أهمس فى أذن بطل المشهد الحالى من أيام مصر ، والنجم الساطع على مسرح الأحداث الفريق السيسى قائلا ألم تصاب بالخجل والعار من أن القتلة فى هذه الجريمة هم من زملائك والمحرضين عليها كانوا فى القريب جدا رؤساءك ؟؟؟ !! ، فإذا لم تظهر الإثبات الجرمي لهذه المذبحة بعد القتل والتعذيب ، وإذا لن تدرك  مدى الظلم الذي يسببه أحداث هذه الجرائم البشعة  .. ويظل الصمت على هذه الجريمة هو صدى ضميرك ، فمهما إختفيت وراء إفعال عظام تمر بها البلاد على يديك .. ولم تكون أول من ينادى بمحاكمة القتلة .. فثق تماما أن نجاحاتك كلها ستكون كتمثال من الفخار المشروخ ، والذى تغطى شروخه طبقة من الدهانات المزيفة .. ثم أقول لك ولكل المسؤولين عن حكم مصر ، وبأعلى صوتى : أنتم أمام إمتحان صعب هو – مذبحة ماسبيرو – فإما أن تكونوا ، أو لا تكونوا ، وسيكتب التاريخ عنكم إن لم يأخذ القاتل جزاءه أنكم قد خنتم الأمانة .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع